مردوخ يتخلّى عن «ذا دايلي».. هل فشلت الصحافة الرقميّة؟
اليوم، هو اليوم الأخير لصدور صحيفة «ذا دايلي» الرقمية. ولدت تلك الصحيفة الأميركيّة في شباط 2011، من رحم إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية، لكنّها تنشر اليوم عددها الأخير، مسدلةً الستار على تجربة جريئة لم تلقَ النجاح في مجال النشر الرقمي. فمنذ أسبوعين أعلنت شركة «نيوز كورب». عن قرارها بإغلاق صحيفة «ذا ديلي»، وانتقال معظم العاملين فيها إلى صحيفة «نيويورك بوست» التي يملكها مردوخ أيضاً. انطلقت «ذا دايلي» وسط تهليل شركة «آبّل» التي عملت بشكل وثيق مع شركة «نيوز كوربورايشن» للحصول على حصرية نشر الصحيفة، لتكون بذلك أوّل صحيفة رقمية ذات منصة الكترونية واحدة، وتنحصر إمكانية تصفحها وقراءة موادها بتنزيل التطبيق الخاص بها على أجهزة «الآي باد»، والهواتف الذكية المحصورة بشركة «آبّل»، ولاحقاً بشركة «سامسونغ»، مقابل اشتراك بقيمة 40 دولار سنوياً.
ومنذ انطلاقها أعلنت «ذا دايلي» على موقعها الإلكتروني عن هدفها المتمثّل «بتقديم التجربة الأفضل للأخبار عن طريق نشر قصص إخبارية من الطراز العالمي، مترافقة مع قدرات تفاعلية فريدة على جهاز «آي باد». غير أن الصحيفة لم تجذب أكثر من 100 ألف مشترك. وعلى الرغم من أنها سمحت بتصفّح بعض القصص والأخبار مجاناً بعد نشرها على صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن عدد متابعيها لم يتجاوز الـ17 ألف على «فاسيبوك» والـ99 ألف على «تويتر».
كما أنّ مستقبل الصحيفة تغيّر بشكل دراماتيكي بعد تورّط «نيوز كورب» في العام الفائت بفضيحة التجسس على الهواتف في بريطانيا، التي أدت إلى إغلاق أكبر الصحف البريطانية «ذا نيوز أوف ذا ورلد». في رسالة نشرت في العديد من وسائل الإعلام الغربية، برّر مردوخ قراره بإغلاق الصحيفة بأن «ذا دايلي» كانت «وسيلة مذهلة للابتكار، ولكن التجربة أثبتت أنه لا يمكننا أن نجد جمهوراً يقنعنا بسرعة كافية أن هذا العمل مستدام على المدى الطويل».
ويقول الصحافي الأميركي ومؤسس مختبر «نيمان للصحافة» في جامعة «هارفرد» جوشوا بنتون لـ«السفير» أنّ «فشل «ذا ديلي» لم يكن أمراً مستغرباً، إذ لا يبدو أنها تناسب احتياجات أي قارئ بشكل خاص». ويضيف بنتون أنّ «أبرز أسباب عدم نجاح الصحيفة تنحصر بعدم تميّز موادها التحريرية، إضافة إلى المشاكل التقنية التي رافقتها منذ انطلاقتها، واقتصارها على منصة الكترونية واحدة». وبعد إعلان قرار إغلاق الصحيفة شهد موقع «تويتر» العديد من النقاشات حول أسباب عدم نجاح «ذا دايلي»، فكتب أحدهم: «لم تتعلّم صحيفة «ذا دايلي» أبداً القاعدة التي تقول: عليكم أن تقدموا للجمهور ما يريد، وكيف يريد، ومتى يريد»، وتوجّه آخر إلى وسائل الإعلام قائلاً «افهموا جمهوركم».
يضعنا هذا النقاش أمام إشكالية تتعلّق بالذهنية التي تدير معظم الصحف الرقمية والالكترونية، ذات الاتجاه المالي الربحي. إذ بات من الواضح أنّ تحولات العصر الرقمي تتزامن مع صعود قوى اقتصادية احتكارية، لا ترى في الإعلام الرقمي إلا سلعة ضمن منتجات أخرى. فالإعلان عن قرار إغلاق صحيفة «ذا ديلي» ترافق مع إعلان مجلة «نيوز آند تيك» عن أنّ «هناك 360 صحيفة أميركية منها «ذا واشنطن بوست»، ستقدم محتواها الإلكتروني مقابل بدل مادي، مع نهاية العام الحالي». ويقود ذلك إلى السؤال عمّا إذا كانت هذه الصحف ستكون قادرة على الاستمرار، في ظل الشروط الجديدة، خصوصاً بعدما أثبتت تجربة «ذا ديلي» فشلها. يعلّق الصحافي جوشوا بنتون على ذلك بالقول: «أعتقد أن صحيفة «ذا ديلي» حالة فريدة، ويختلف وضع معظم الصحف عنها. فتقديم المحتوى الإلكتروني بمقابل مادي هو وسيلة لتوليد إيرادات إضافية بكمية كبيرة كما حصل مع صحيفة « نيويورك تايمز»، ومع صحف أخرى. لكنّ هذا النظام سوف لن يكون الخلاص لكلّ الصحف، إلا في بعض الحالات التي يمكن أن تكون فيها الاشتراكات المالية موضع ترحيب من القرّاء».
بتول خليل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد