مدن العالم في مواجهة التلوث
بات تلوث الهواء من الأسباب الرئيسة للوفاة المبكرة، كما أنه يتسبب بمرض ملايين الناس حول العالم، خصوصاً في المدن الكبرى في الدول النامية. وأظهرت التجارب أن معضلة التلوث يمكن السيطرة عليها، ومدينة مكسيكو خير دليل على ذلك.
في كانون الثاني الماضي، تناقلت وسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم صوراً لسحابة ضباب داكنة غطت سماء العاصمة الصينية بكين لأيام، الأمر الذي أثار الذعر بين الصينيين. وغداة ظهور تلك السحابة، حذرت الحكومة مواطنيها في بكين، ودعتهم إلى تجنب الأماكن العامة والاحتماء داخل البيوت، وعدم مغادرتها إلا عند الضرورة القصوى مع ارتداء الأقنعة الواقية.
وفي غضون ذلك، أظهرت مؤشرات نقاء الهواء ارتفاع مستوى التلوث إلى 500 درجة، وهو أعلى مؤشر تلوث تمّ تسجيله على الإطلاق، وذلك على طول الساحل الشرقي في الصين، في حين سُجل ارتفاع مهول في عدد الإصابات بأمراض الدورة الدموية والتنفس.
ولأن السحابة استمرت لأيام، سيطر القلق على ليو لي، الشاب الذي يعمل خبيراً في وزارة البيئة الصينية ضمن فريق مكافحة التلوث. مهمة ليو لي تنحصر في البحث عن أجوبة حول كيفية مساعدة المدن التي تنمو بوتيرة سريعة، وكيف يمكن الاستفادة من المشاكل التي واجهتها في السابق الدول الصناعية الكبرى عند تطور مدنها؟ وأي الخطط المتبعة كانت أكثر فاعلية؟
التجربة المكسيكية
تعد مدينة مكسيكو من كبريات مدن العالم التي كانت تعاني من التلوث البيئي. وفي العام 1990 تمّ قياس نقاء الهواء على تلٍّ بالقرب من المدينة، وأظهرت النتيجة أنه لم يكن نقيّاً نسبياً سوى لثمانية أيام في السنة.
أما في العام 2012، فقد ارتفع عدد الأيام إلى 237 يوماً. وكان لوزيرة البيئة السابقة مارتا ديلغادو بيرالتا، دور بارز في هذا التطور الإيجابي. وكانت أشارت إلى أن التلوث بلغ أقسى درجاته في العقدين الأخيرين، وقالت «حتى أن الطيور كانت تقع ميتة على الأرض».
حينها، شعر المجتمع والمؤسسات معاً بضرورة تغيير الوضع، فطُورت خطط على المدى البعيد بهدف تنقية الهواء. وعلى ضوئها أبعدت المصانع، التي تنتج نسباً عالية من الغازات السامة، كما أبعدت مصفاة النفط عن المدينة. كذلك تمّ تحسين الوقود لجعله أكثر حفاظا على البيئة، ومنعت السيارات، التي بلغ عددها خمسة ملايين، من التحرك في يوم محدد من الأسبوع. وطوّر المسؤولون شبكة النقل العام، وعززوها بنظام يشجع على استعمال الدراجات الهوائية.
وبالنتيجة، يتطلع ليو لي بأمل إلى التجربة المكسيكية، ليتمكن الناس في شنغهاي أو بكين من تنفس هواء نقي وطبيعي. والخبير الصيني مقتنع تماماً بأنه لا يمكن تحقيق ذلك، إلا عبر وضع سقف أقصى للانبعاثات السامة، والاستغناء عن الفحم وتعويضه بالغاز الطبيعي كمصدر للطاقة. ولتحقيق الهدف المنشود، «يتعين تغيير البنية الاقتصادية للبلاد على المدى البعيد، وتعزيز قطاع الخدمات والحد من أنشطة التصنيع» يوضح ليو لي.
مدينة أوروبية عادت خضراء
تراجعت نسب التلوث في أوروبا بعدما تبنى الاتحاد الأوروبي في سبعينيات القرن الماضي مخططاً للحد من الانبعاثات السامة. وبالتالي تراجع انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى حوالي 55 في المئة.
وتمثل مدينة فيتوريا غاستايز البرتغالية أفضل مثال على نجاح السياسية الأوروبية، وقد اختيرت في العام 2012 كأفضل مدينة خضراء في أوروبا. وقد اتبعت المدينة الإجراءات ذاتها، التي اتخذتها مكسيكو، بدءاً من طرد الشركات الصناعية الكبرى وإصلاح شبكة النقل العام.
ويؤكد عمدة المدينة خافيير ماروتو أرنزابال أن النتيجة التي تم التوصل إليها كانت ثمرة الجهود المشـــتركة بــين المؤسسات والشركات والمواطنين.
(عن «دويتشه فيلله»)
إضافة تعليق جديد