ماذا لو بدأنا من انتيغونا

07-02-2009

ماذا لو بدأنا من انتيغونا

تعرف الكاتبة والباحثة الأميركية جوديت باتلر، شهرة كبيرة في الأوساط الثقافية العالمية، وذلك من خلال أبحاثها حول مسألة »الجندر« (الهوية الجنسية)، على الرغم من النقاشات الكبيرة التي دارت حول هذه القضية، ما بين موافق ومعارض. في أي حال، لست هنا في وارد العودة إلى هذا النقاش، بل لفتتني فكرة جديرة بالتأمل، في كتابها الأخير »انتيغونا، قرابة الحياة والموت« (وأعود هنا إلى الترجمة الفرنسية الصادرة حديثا). ومثلما يشير العنوان، تعود الباحثة لدراسة شخصية »أنتيغونا« مثلما وردت عند سوفوكليس، على ضوء أبحاثها الماضية، بمعنى إخضاعها لفكرتها عن الجندر.
دراسة باتلر، تبدأ تمايزها بنقدها لدراستين كبيرتين معروفتين في تاريخ الفكر البشري ـ عن الشخصية اليونانية القديمة ـ وهما دراستا »هيغل« و»لاكان«، حيث تبدأ بتحديد مأزق القربى التي تجد أنتيغونا نفسها داخله، بكون أن أوديب ليس والدها فقط، بل هو شقيقها نصف الأخ أيضاً على اعتبار أنهما الاثنان من ابناء جوكاست. ومن خلال بحثها عن كفن لوالدها، تدخلنا الكاتبة إلى فكرة أنتيغونا حول رفضها لقانون المدينة الذي أسسه كريون، بمعنى بحثها في ذلك عن قانون غير موجود، قانون يحدد الإنسانية. من هنا، ثمة سؤال لا بد أن يطرح نفسه: كيف علينا إذا أن نفهم العلاقة ما بين موقف أنتيغونا الصاخب داخل القربى وما بين مطالبتها بتجسيد قانون ما قبل القانون؟
بهذا المعنى، تدخل الباحثة الأميركية لنقد أفكار هيغل ولاكان، إذ تعتبر أن الصورة التي قدمها هيغل ليست في النهاية سوى صورة الصراع ما بين الدولة والعائلة، ليست سوى فكرة سخيفة أشبه بفكرة لاكان الذي كان همه أن يضع في المكان المناسب صورة هذه الشخصية التي تعبر عن أفكاره هو لا عن الأفكار الحقيقية الموجودة في نص سوفوكليس.
لكن بين ذلك كله، ثمة جملتان تستحقان التوقف عندهما. تقول »باتلر« »لن تكون هناك يوما رواية عن أنتيغونا« و»ماذا كان حصل لو أن التحليل النفسي أخذ صورة أنتيغونا كنقطة انطلاق بدلا من أن يأخذ صورة أوديب«.
سؤال لا بد فعلا أن يجعلنا نعيد التفكير بكل هذا الموروث الثقافي الذي نخزنه، على الأقل فيما لو فكرنا فعلاً بكتابة نص عن أنتيغونا، أي نص بعيد عن كل الذي كتب عنها انطلاقاً من فكرة أنها ابنة أوديب فقط. لقد كانت شقيقته أيضا، وهذا ما لم تتوقف عنده الكتابات التي حاولت تفسير هذه الشخصية.
بهذا المعنى، كيف سيكون شكل جسد أنتيغونا، كيف سيكون صوتها، ماذا ستقول لنا بكونها امرأة، ماذا ستقول لنا اليوم؟ على أقل تعديل، هناك هذا البحث عن سلطة غير إلهية، وفق ما كانت تقتضيه الأساطير اليونانية، وأيضا مثلما تقترح باتلر كانت هي نفسها واقعة في حب والدتها، ليس فقط بالمعنى الجنسي، بل بمعنى النقد للعائلة بمفهومها الشائع.
هل أسست أنتيغونا نقداً حقيقياً لله والوطن والعائلة؟ ربما هو سؤال جديد يخص محلل النفس.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...