ماذا جرى في أربيل: إبن خزعل
كنا ثمانية على المنصة لمناقشة الوضع الراهن للثقافة العربية. عنوان كبير وعدد كبير لكن اسبوع المؤتمر طويل وكردستان واسعة ولا خير في ان نقضي بدل الساعتين ثلاثاً وبعد الثلاث أربعاً. كان هذا في مؤتمر المدى الذي انعقد في اربيل عاصمة كردستان العراق هذا العام. من الواضح انه لولا طاحونة القتل والدم كان انعقد في بغداد. ثمانية والمسألة لا تشبع من الكلام والمتكلمون ثمانية، هكذا، انقضى وقت طويل قبل ان يصل الميكروفون الى الجمهور. لم يكن الذين تكلموا اقل حاجة الى التبسط والتوسعة فالمسألة كما ترون تتطلب ذلك وأكثر منه، الغريب ان الميكروفون لم يكن يستجيب للمتكلمين الا بعد معالجة، ينغلق عليهم اولا ثم يدارون وضعيتهم منه فتخرج اصواتهم نصف واضحة ثم تتضح اكثر، او تبقى نصف واضحة ويستسلم المستعمون فلا يطالبون المتكلم بأن يقترب اكثر من الميكرفون، او يأتيه من جانب افضل، بعض المعقبين تكلم عن امور بعيدة. احدهم روى حكاية بأربع مجهولات اذا استخدمنا المصطلحات الجبرية، كان التعب قد حل على الجميع لكنه أقعدهم في أماكنهم بدلا من ان ينهضهم منها، لا بأس فالتعب احيانا يتزوج من الصبر ولا تدري ايهما يسوق الآخر. ثم جاء عبد الستار ناصر القصاص العراقي فقال ما معناه ما لكم تلغون هنا بالثقافة ومسائلها والناس في غير واد. هذا ابن خزعل الماجدي مخطوف من شهرين. لا يدري اهله مصيره. عميت عينا والدته حزناً وأبوه ضاع وأنتم هنا في غير دنيا، لم اسمع جيداً، سألت اذا كان خزعل هو المخطوف. قالوا بل ولده، خزعل الشاعر الجميل الذي التقيت به في واحد من مهرجانات جرش وتيّم يومها شاعرة لم تبال بأن تقرأ في غزله قصيدة. خزعل الشاعر لكن الانتروبولجي الذي كاد يسكت بمعرفته انتروبولوجياً محترفاً، خزعل الذي كان يومها ينتظر ان ينهي الدكتوراه ليغادر العراق، والأغلب انه فعل، الذي ترك عندي ديواناً مهما بعنوان <حية ودرج> وفيه يبدل اسلوبه وطريقته ويدخل في مغامرة جديدة وحساسية من نوع آخر، علمت ان ابنه المصور التليفزيوني كان قبالة الحزب الاسلامي ولم يره أحد بعدها، يقول الناس هنا إن شهرين بحسب التقليد الإرهابي كثيرين على مخطوف وإن الأمل في رجوعه يقل كلما زاد الوقت عن الثلاثة اسابيع. كان الحق مع عبد الستار ناصر. الثقافة العربية هي على الرصيف حيث اختطف ابن خزعل الماجدي، انها خزعل الماجدي لا الشاعر هذه المرة ولا المؤرخ والانتربولوجي ولكن الأب الملوع والأم التي اعماها الفقد. الثقافة العربية هي تماماً حين يقال لخزعل الماجدي: انها المقاومة. ويهرع الإعلاميون العرب والأدباء والساسة ليرقصوا على جثة خزعل الماجدي رقصة العجز والموت الروحي التي تستحق ان تسمى ايضاً الثقافة العربية والمقاومة، العربية ايضاً.
قرأت ايضاً في خاتمة مجلة ان الشاعر الشاب الذي نشر قصيدة في عدد سابق يصادف نعيه في هذا العدد، لقد التقطوه عن الرصيف ايضاً وأعادوه جثة. هذه الجثة يمكن ان تسمى بغير حرج: الثقافة العربية.
لم استطع ان ابكي او اقفل عائداً. عشرات بل مئات العراقيين كانوا حولي، إنهم الناجون لكن الى متى. لا يجرؤون على العودة براً فطريق الأعظمية خطر عليهم. رجعوا بالطائرة، من سيعود منهم العام القادم الى المؤتمر، لا نعرف. كم من الجثث سيبقى في بغداد. إنها الثقافة العربية.
عباس بيضون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد