ليالي دمشق تستعيد ألق «سألوني الناس» والرحابنة في قلعة دمشق
أولى حفلاته في دمشق ضمن احتفاليتها عاصمة للثقافة العربية فوجئ زياد الرحباني بالجمهور السوري كماً ونوعاً على الرغم من أن أخبار أجواء الاستعدادات والتحضيرات لحفله الذي يقام على مدى خمس ليال في قلعة دمشق، كانت تصله قبيل قدومه بمرافقة 50 موسيقياً عربياً وأجنبياً بقيادة المايسترو دوغاريان الذي قاد حفلات فيروز وزياد في مهرجانات بيت الدين العام 2000.
زياد الرحباني سليل عائلة الرحبانية ومدرستها الفنية الفذة والذي اتخذ لنفسه خطاً فنياً مغايراً سماته الرئيسية نقد وجرأة وتهكم وسخرية لصيقة بالواقع المعيش وبتجديد موسيقي عبقري، أبدى منذ اللحظة الأولى للحفل تفاؤله «واضح من استعداداتكم أنكم ناوين ع الخير» وما إن أعطى المايسترو دوغاريان شارة البدء بينما زياد يجلس ببزته «الرسمية» خلف البيانو، حتى بدا أن الحفل سيفوق الواقع ويقترب من التحف الفنية العالمية المكتوبة بعناية فتفوق الواقع على كل التصورات فكان الجمهور كتلة واحدة من الأحاسيس المفعمة بالنشوة يؤدي المقطوعات الغنائية نفساً بنفس ونبضاً بنبض مع زياد وكوراله المرافق، وعندما يحين دور الموسيقا المحلقة في فضاء القلعة بخصوصيتها الزيادية تأليفاً وتجديداً وتوزيعاً معصرناً يسود صمت مطبق مشبع بالمتعة ينفجر بركاناً من التصفيق عند القفلة الأخيرة.
اللافت في الجمهور السوري العاشق لزياد أنه بدأ الحفل مبكراً تحية للرحباني الابن بأداء أغان عدة من مسرحياته قبل بدء الحفل بساعتين ما جعل زياد يقول «تصورنا قد ما فينا نتصور عن أجواء الحفل لكننا فوجئنا أن الجمهور يحفظ كل الأغاني» معقباً «أتينا لنسمعكم فوجدناكم تسمّعون لنا» وقالها زياد بصراحة «لم نتوقع هذه الأجواء ولم يسبق لنا أن رأيناها» وأضاف في كلمة مقتضبة له نهاية الحفل «بحثت عن طريقة للشكر فتوصلت إلى نتيجة أن لا طريقة للشكر».
سيذكر الجمهور السوري حفلات زياد طويلاً وهو يراه للمرة الأولى في دمشق التي استعادت ليالي صيفها هذا العام الفترة الذهبية لليالي معرض دمشق الدولي يوم كانت مرصعة بالنجوم ويملأ الرحابنة خشبة المعرض حياة مفعمة بالسحر وبالأداء الذي يلتصق بالعفوية ويتقرب من حدود الارتجال الذي تضيع فيه المسافات.
وكان لافتاً أيضاً التنظيم في الحفل إذ فرشت ساحة القلعة بالموكيت ووزعت الكراسي بطريقة تمكن الجميع على اختلاف أمكنتهم من مشاهدة الخشبة بصورة مريحة عدا تقنيات الصوت المحدثة خصيصاً والتي مكنت من الاستماع والتلقي بصفاء منقطع النظير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المكان وتقلبات الهواء.
زياد قدم مقطوعات استعادية لسيد درويش والرحابنة وجوزيف صقر وأغاني: «بتمرق عليّ» «شوها الأيام اللي وصلناها» و«تلفن عياش» و«صباح ومسا» و«عيدا كمان» وغيرها الكثير مغلفة بنفس تهكمي ساخر محبب تميز فيه زياد وتفرد فيه أسلوباً مذيلاً بتوقيعه كماركة مسجلة لا يجاريه فيه أحد.
وكان زياد الرحباني قد استقبل بحفاوة دمشقية كبيرة ولافتة حيث ملأت الشوارع صوره في عبارات ترحيبية تنم عن محبة وتقدير منها «زياد في قلب دمشق» و«اشتقتلك اشتقتلي» و«كيفك أنت» في احتفاء لم تشهد له احتفالية دمشق وضيوفها مثيلاً.. إنه زياد.
علي الحسن
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد