"لوسي".. العلم و"الأكشن" والخيال العلمي

02-09-2014

"لوسي".. العلم و"الأكشن" والخيال العلمي

الإسقاطات الثقافية والفكرية والتاريخية والإنسانية عديدة. أسماء ولوحات مستلّة من التاريخ العريق للإنسان. تعمّق في سؤال العقل البشري، وقدرات الدماغ الفردي على بلوغ مراتب جديدة ومتقدّمة وغير مسبوقة. الفرنسي لوك بوسّون يخترق، في جديده "لوسي" (2014)، بعض المحجوب في التركيبة العلمية والنفسية سكارليت جوهانسن: ماذا يحصل عندما يُستخدم الدماغ البشريّ بنسبة 100 بالمئة؟والأخلاقية للعقل الفردي، أو بالأحرى للدماغ البشريّ. يذهب بعيداً في سؤال مطروح، علمياً، حول الدماغ هذا وتطوّره، وحول طاقاته واستشرافاته وسلطاته، وحول جوهر الأصل و"حتميّة" التطوّر. سؤال مطروح، علمياً، حول النسبة المُستخدَمة منه. المضمون الفكري "ثقيل" ومهمّ للغاية، لكن الشكل المستخدم لم يهدف إلى تخفيف هذا الثقل فقط، بل إلى إيجاد الدافع الأنسب لاستقطاب مُشاهدين عديدين "قد" لا تستهويهم الأسئلة ومعالجتها الدرامية، بل التشويق والمطاردة و"الأكشن" بالنسق الهوليووديّ.
3 أمور تتداخل في "لوسي": العِلم، و"الأكشن"، والخيال العلمي. عصابة كورية تبتكر مادة "سي. بي. آتش. 4" التي تلعب دوراً كبيراً في تطوير قدرات الدماغ والعقل البشريين. العصابة راغبة في توزيع المنتوج الحديث في أنحاء العالم، فتختطف 4 أشخاص لزرع المنتوج في أجسامهم، وإرسالهم إلى دول مختلفة، قبل إخضاعهم لعمليات جراحية جديدة لاستعادة المنتوج منهم. الصدفة وحدها تُبدّل المشهد كلّه: في زنزانتها الحديدية، تواجه لوسي (سكارليت جوهانسن) تحدّياً لم تسعَ إليه، تماماً كما هو حاصل سابقاً. قبل الزنزانة، هناك "صديق" يسألها خدمة: تسليم حقيبة حديدية لرجل كوري. ترفض. يُصرّ. يخدعها. تجد نفسها وسط عصابة فائقة الدموية والعنف. لكنها، في زنزانتها تلك، تتعرّض لمحاولة اعتداء جنسيّ تؤدّي إلى انتشار جزء من المنتوج في جسمها، ما يُحوّلها إلى امرأة أخرى تمتلك مساراً من التطوّر الدماغي والعقلي والجسدي، في مقابل انعدام كل إحساس أو انفعال. تمتلك تلك القدرة على بلوغ نسبة استخدام الدماغ الـ100 بالمئة.
الفكرة الدرامية مهمّة للغاية. البحث العلمي، عبر شخصية البروفسور نورمان (مورغان فريمان)، مستمرّ في سعيه الدؤوب إلى فهم الطاقات الممكنة للدماغ البشريّ. المُبَطّن في الفكرة رائع ومهم ومثير للجدل. اللعبة الفنية التي يُجيدها لوك بوسّون مثيرة للانتباه بدورها. الذهاب في الأزمنة من الحاضر إلى بداية الخلق، واعتبار أن أصل البشرية قد يتحمّل جزءاً من سوء المسار، تماماً كتحمّل الإنسان جزءاً آخر من هذا السوء، أمران أساسيان. العودة إلى أصل البشرية يُراد له أن يقول أيضاً: "انظروا ماذا فعلتم بالمسار الحياتي للبشرية". التداخل بين الفن والعِلم عبر الصورة السينمائية لعبة ذكية وجميلة ومحرّضة للتفكير. هذا كلّه جيّد. ثقل المضمون دعوة إلى التفكير والتأمّل في أحوال الحياة. لكن إسقاطه في شكل سينمائي ميّال جداً إلى "الأكشن" الهوليوودي (المطاردات، المواجهات العنيفة، إطلاق النار، إلخ.) لم يكن مقنعاً قياساً على قوّة المضمون. التفكير العلمي يتلاءم ومفردات الخيال العلمي السينمائي. المُشاهدة مُطالَبة بمتابعة أمور عديدة في آن واحد: الكلام العلمي، والتطوّر المعرفي، والسؤال الوجودي. وهذا بإضافة بُعد أمني/ بوليسي عنفي مشوّق. التجانس بين المسألتين غير مُحبَّب، إلاّ بالمعنى التجاري الذي ربما يكون سبباً في صناعة هذه الأرقام: بين 25 تموز و27 آب 2014، حقّقت إيرادات الفيلم في الصالات التجارية الأميركية 114 مليوناً و486 ألف دولار أميركي (بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 40 مليون دولار أميركي). بين 6 و26 آب 2014، بلغ عدد مُشاهديه في الصالات الفرنسية 3 ملايين و756 ألفاً و743 مُشاهداً. في لبنان، هناك 49 ألفاً و455 مُشاهداً اشتروا بطاقات دخول إلى الصالات على مدى 16 يوماً بدءاً من 14 آب 2014 ("سينما الأسبوع" ـ الموقع الإلكتروني للصفحة الثقافية).
الأهمّ من هذا كامنٌ في الأسئلة المطروحة، وفي الدعوة المبطّنة إلى التأمّل في الحياة والسلوك البشريّ، وإن تمّت الدعوة عبر نوع من خطابية مباشرة.

نديم جرجورة

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...