"قمر الدين" حلويات غوطة دمشق التي عادت من "تحت الصفر"
داخل مزرعته وسط الغوطة الشرقية لدمشق، يغسل بلال زبيبي حبات المشمش البرتقالية، تمهيداً لعصرها وتجفيفها، بعد معاودته إنتاج حلويات قمر الدين الشهيرة الذي توقّف طوال سنوات الحرب في سوريا.
وتناقلت عائلة زبيبي جيلاً بعد جيل زراعة المشمش وصناعة حلويات قمر الدين، لكن الحرب دفعت بأفرادها إلى مغادرة مزارعهم في الغوطة التي تحولت ساحات معارك وقصف عام 2012.
وعادت العائلة مع مزارعين آخرين تدريجياً عام 2018 إثر انتهاء العمليات العسكرية، وعاود أعضاؤها زراعة المشمش وتشغيل ورشاتهم الصغيرة لتصنيع الحلويات الأشهر في الغوطة.
وبدلاً من أشجار المشمش المثمرة، عثر زبيبي (63 سنة) على الخنادق والأنفاق والقذائف في أرضه التي تحولت بالكامل إلى ركام.
ويقول لوكالة فرانس برس "تركت مزرعتي وفيها أكثر من 1500 شجرة مشمش، وعدتُ إليها ولم أجد فيها شجرة واحدة".
وداخل قدر معدني كبير، يحرّك زبيبي مزيج المشمش، وهو نتاج عملية تبدأ بفصل البذور عن حبات المشمش، وعصرها، ثم تصفية العصير على مراحل عدة للتأكد من صفاوته وخلوه من الشوائب، وخلطه مع السكر والقطر.
بعد ذلك، تُسكبُ "شلالات المشمش" اللزجة في أوعية، تحملها عاملات ملثّمات يضعن قبعات دائرية الشكل على رؤوسهن إلى حقل مجاور مليء بالدفوف الخشبية المدهونة بالزيت.
يُفرش المشمش المعصور على هذه الدفوف تحت الشمس لمدة خمسة أيام، ليجفّ ويصبح قاسياً، وقابلاً للتقطيع على شكل مثلثات، وأخيراً يتم تغليفه وتعليبه ويُصبح جاهزاً للتوريد.
وشكّل مشمش الغوطة، المادة الأساسية لصناعة قمر الدين في ريف دمشق، لكنّ الحرب قضت على أكثر من 80% من أشجار الغوطة بحسب رئيس دائرة الزراعة في الغوطة الشرقية محمد محيي الدين في تصريح لوكالة فرانس برس عام 2019، ما اضطرّ بلال زبيبي وإخوته وأبناء عمومته إلى أن يشتروا المشمش من أرياف القنيطرة ودرعا.
يسيرُ زبيبي وسط أرضه التي عادت إليها الحياة، ويستذكر كيف تحوّلت مزرعته الكثيفة الأشجار إلى "أرض قاحلة مليئة بالمتفجرات". ويقول بحسرة "لم نرجع للصفر، بل إلى تحت الصفر.. كان عليّ البدء من جديد".
وبدأت فكرة صناعة قمر الدين منذ مئات السنين، حين فاض إنتاج المشمش في غوطة دمشق عن حاجة سكانها أضعافاً، فابتكر السكان حينذاك آلية للاحتفاظ به لمدة أطول من دون أن يفسد، بحسب ما يروي زبيبي.
إضافة تعليق جديد