قصة تعرفة الأجور وخلاف الذئاب على بقرة التلفزيون السائبة

10-06-2008

قصة تعرفة الأجور وخلاف الذئاب على بقرة التلفزيون السائبة

أجمل وأجرأ الأعمال الدرامية التلفزيونية قدمها التلفزيون السوري بدءاً من حارة القصر ومروراً بأسعد الوراق وغيرهما من الأعمال الكبرى وانتهاءً بالعبابيد، وأتفه وأسخف الأعمال الدرامية تلك التي قدمها التلفزيون السوري مع بدايات القرن الجديد ولا تفسير لذلك سوى الإهمال والبيروقراطية والمال السايب فميزانية مديرية الإنتاج بقيت لعدة سنوات (سبيلاً) كلُ من يعطش يشرب منه هنيئاً مريئاً فانطفأت النار تحت ركوة الإنتاج في المؤسسة الوطنية وتصدرت شركات الإنتاج الخاصة المشهد حيث استولت على كفاءات وكوادر وخبرات هذه المؤسسة العريقة ولم يتحمل الأمر سوى (معركة) واحدة فاستسلم التلفزيون ورفع راياته البيضاء فأصبح لا حول ولا قوة، تتغير الدنيا حوله وهو ثابت على آلياته وقوانينه الطاردة. 
 فمنتج صغير بغرفة وطاولة وكرسيين ينتج عملاً مهماً ويسوقه، ومؤسسة كاملة تنتج أعمالاً لا تعرض وإن عُرضت فلا أحد يتابعها ومن يتابعها تزدد حسرته وألمه، تبدلت إدارات وكل إدارة ترحّل ما لديها من مشاكل لإدارة تتحفز. ميزانية تصل إلى 200 مليون ليرة سورية إما تُصرف على أعمال تعرض على استحياء ولمرة واحدة على الشاشة الوطنية أو تعاد إلى الخزينة لتدوّر على جهات أخرى وحده بند الأجور والرواتب وبند النثريات يصرف بالكامل.
وتعرفة أجور الفنانين والفنيين في التلفزيون السوري حكاية تستحق أن تضاف إلى سجلات وأرشيف القرن التاسع عشر، هذه التعرفة هي أصل الدمار والخيبة، فالتلفزيون السوري ما زال يعمل بتعرفة 1991 التي تجاوزها الزمن، ومقارنة بسيطة بينها وبين التعرفة في القطاع الخاص قد تفسر أشياء كثيرة فالمصور يتقاضى في القطاع العام ستة آلاف ليرة عن الحلقة الواحدة التي تُصور بثلاثة أيام أما في القطاع الخاص فيتقاضى من 30-35 ألف ليرة على الجهد نفسه.
أما مدير الإنتاج الذي يقوم على أكتافه المسلسل فيتقاضى في القطاع العام كحد أقصى 15 ألف ليرة عن الحلقة الواحدة وفي القطاع الخاص يصل إلى 30 ألف ليرة أما مدير تصوير وإضاءة فأجره حوالي عشرة آلاف ليرة على الحلقة الواحدة في القطاع العام في حين يعطيه القطاع الخاص 30-35 ألف ليرة على نفس الحلقة والمجهود.
أما المخرج وحسب تعرفة 1991 فتراوح أجره بين 20-40 ألفاً على الحلقة أما في القطاع الخاص فقد وصل إلى مبالغ خيالية، والمخرج الشاب في القطاع الخاص يتقاضى مئة ألف ليرة على الحلقة أما المخرجون الكبار فحدث ولا حرج أما الكاتب فهو لا يحلم أن يحصل إلا على 20 ألف ليرة قد تزيد قليلاً على الحلقة في حين يحصل على أضعاف هذا المبلغ من الشركات الخاصة.
ونصل إلى الممثلين وهم حسب تعرفة 1991 ثلاث درجات فالدرجة الممتازة يصل الأجر فيها إلى 25 ألف ليرة على الساعة والدرجة الأولى تتراوح الأجور فيها بين 10-15 ألف ليرة والدرجة العادية بين 7-10 آلاف ليرة وللأمانة فإن القانون يجيز تجاوز هذه التعرفة باقتراح من مديرية الإنتاج وموافقة لجنة الدراما في التلفزيون وفي الخامس من الشهر الثاني في العام الفائت تم تشكيل لجنة مهمتها دراسة تعرفة جديدة لأجور الفنانين والفنيين وعقدت عدة اجتماعات ورفعت بعدها مشروع التعرفة وفيه محاولة لتقليص الهوة بين الأجور في القطاع العام والخاص وبعد أخذ ورد ومد وجزر تم توقيع التعرفة من قبل السيد وزير الإعلام بقرار رقم 382هـ وبتاريخ 22/10/2007 ورفعت إلى وزارة المالية لاعتمادها ومضت الأيام والشهور ولم تعتمد ويبدو أن محاسب الإدارة في التلفزيون لم يكن مرحباً بهذه التعرفة فحسب معلومات من مصادر فضلت عدم ذكر اسمها فإن وزارة المالية أعادت التعرفة إلى محاسب الإدارة بتاريخ 14/2/2008 وبقيت نائمة حتى 26/5/2008 مع وعد باعتمادها في الموازنات المقبلة ويبدو أن هذه التعرفة حتى لو اعتمدت تحتاج إلى دراسة جديدة بعد الزيادات المخيفة بالأسعار في الآونة الأخيرة وبعد زيادة الرواتب في القطاع العام.
مدير مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري عماد ياسين يؤكد أن المديرية كانت وراء هذه التعرفة التي أخذت عاماً ونصف العام من المراسلات والدراسات ويؤكد أيضاً أن محاولات تطوير العمل في المديرية تصطدم دائماً بالبيروقراطية والإهمال، ويضيف: في العام الجاري انطلقت عجلة الإنتاج والتي توقفت مدة أربعة أشهر متتالية ولدينا عدة أعمال ما زالت في قيد الإنتاج أو التصوير ونستعد لأعمال جديدة وحاولنا إعادة النجوم إلى إنتاج التلفزيون من خلال تجاوز التعرفة القديمة وإعطاء هؤلاء النجوم أجوراً مرضية وقد شارك في أعمالنا عبد الهادي الصباغ وعبد المنعم عمايري ونادين خوري وصباح الجزائري وتقاضوا أجوراً تقترب كثيراً من أجور القطاع الخاص ونحن بصدد المحاولة لاستقطاب الكفاءات التي هجرت التلفزيون السوري وإعادة بناء جسور الثقة مع الكتاب والمخرجين ولا نريد سوى المساعدة بموضوع التعرفة فكل مشاكلنا متعلقة بها وما دمنا نستطيع إنجاز أعمال مهمة فهذا يسهل كثيراً أمور التسويق إلى المحطات العربية. وما دمنا بسيرة التسويق أجد من المناسب تذكير المعنيين في التلفزيون السوري بأن الوقت قد حان لتنشيط هذا الجانب لأسباب مادية ومعنوية فالعمل التلفزيوني الذي بات يتكلف حوالي 50 مليون ليرة كحد أدنى يجب أن يعيد ما صرفه على الأقل من خلال بيعه للمحطات العربية أما الأسباب المعنوية فهي لا تحصى فالدراما أصبحت أهم وسائل الدعاية لأشياء كثيرة فيجب ألا يترك هذا الأمر حصراً على القطاع الخاص الذي قد لا تعنيه هذه الأشياء أحياناً لذا بات لزاماً التفكير بإنشاء مديرية للتسويق ولا بأس أن يحصل العاملون فيها على نسبة معينة من الأرباح.
وبات لزاماً التفكير بشكل جدي بزيادة ميزانية مديرية الإنتاج للبدء بمشاريع درامية كبرى وخاصة أن هناك بوادر انهيار نرجو ألا تزداد في دراما الشركات الخاصة وخاصة على الصعيد الفكري.
يجب أن نعي أهمية الدراما، والتلفزيون السوري كمؤسسة وطنية هو الوحيد القادر والمستفيد من تناول موضوعات لا تستميل القطاع الخاص وخاصة دراما الشخصيات الوطنية السورية في القرن العشرين، ركوة الإنتاج في التلفزيون تحتاج لمن يشعل النار تحتها.

محمد أمين

المصدر: الوطن السورية


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...