قراءة مصرية للمعركة: نموذج جديد للمقاومة

سئل رئيس سابق للاستخبارات الحربية المصرية عن أهم إفرازات الحرب السادسة الإسرائيلية، فأجاب: قادة جدد وغير تقليديين، متحدثاً عن مولانا حسن نصر الله، وهو رجل لابس عمامة وله ذقن... ولكنه أصبح قائداً عظيماً جداً.
حتى قبل أن تسكت المدافع، قرر مفكرون ومثقفون مصريون القيام بجردة حساب لشهر العدوان الإسرائيلي على لبنان. وقد أعتبر كثيرون أن إحدى أهم المفاجآت هي الطريقة التي أدار من خلالها حزب الله معركته السياسية والتي كانت بدرجة المهارة ذاتها لإداراته للمعركة على الأرض. وثمة إجماع على أننا بصدد نموذج جديد لتيارات المقاومة يتمايز عن كل ما عرفته ساحة الصراع العربي الإسرائيلي من حركات تحرر ومقاومة. وقد أتضح هذا التباين من حيث شكل تنظيمه وخطابه السياسي وإدارته للصراع في حلقته الأخيرة.
ويذهب الخبير في الحركات الإسلامية عمرو الشوبكي إلى القول أن حزب الله هو التجربة الوحيدة في العالم العربي الواقعة خارج ثقافة النظم العربية المعتدلة والراديكالية معاً، لذلك هو مصدر قلق وعدم راحة للجميع. ويضيف بأنه على عكس ما شاهده العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث طُرح مشروعان في المنطقة أحدهما أدّعى المقاومة ومحاربة إسرائيل والإمبريالية ولكن ضحاياه من الشعوب العريية كانت الأكبر، بينما أدّعى الآخر أنه سيحمل الرخاء والتنمية ولم يأت سوى بالفقر والاستبداد، فإن حزب الله يقف في موقف أخر.
وأعتبر الشوبكي أن ما يعجب الناس في حزب الله ليس ما يجمعه بتنظيم مثل القاعدة، وإنما ما يفرقه عن ذلك التنظيم، لأن حزب الله حركة وطنية مؤمنة بفكرة المواطنة ولا تقبل بفكرة الطائفية والمذهبية كما القاعدة التي هي بالأساس حركة معولمة تفتقد الحاضنة الشعبية.
ويعتبر الشوبكي أن أحد أهم أسباب النجاج هو اتساق بنيته الداخلية مع الخيارات التي أخذها أيا كان الرأي فيها، على عكس بعض النظم العربية التي صرخت بشعارات الصمود والتصدي لإسرائيل ولكنها بنت جيوشاً لا تحارب.
بالطبع هناك من يقتبس مقولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس الشهيرة التي تعتبر أن لا عودة للوضع الذي كان قائماً من قبل 12 تموز، ويؤكد أن نتائج الصراع بين إسرائيل وحزب الله ومن ورائه لبنان، سيتمخض من دون شك عن شرق أوسط مختلف استطاع فيه حزب صغير في بلد صغير المساحة والتعداد وعظيم القيمة كسر شوكة القوة الأعظم في المنطقة.
ويقول المحلل السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني شكر الله، إن أحد مصادر القوة لحزب الله في إدارة المعركة سياسياً وعسكرياً، تمثلت في أن السيد نصر الله كان مدركاً منذ اللحظة الأولى للعدوان أن اللعبة النهائية للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية والأميركية التي شنت الحرب ضد حزب الله، ليست ضرب حزب الله على الأرض وإنما ضرب لبنان والضغط عليه لكي يحطم لبنان حزب الله. فلبنان بحسب شكر الله كان الهدف في كل الأحوال للخطة الإقليمية سواء خُطف الجنديان أم لم يُخطفا، وكان هناك تصور إسرائيلي ورهان أميركي على أن اللبنانيين جاهزون للانقضاض على حزب الله. ويضيف أن لبنان أخذ رهينة بالفعل ولكن من قبل أميركا وإسرائيل ومن عوّل عليهما. وبدأت عملية منهجية لتدمير لبنان حتى يستجاب للمطالب ويسلم اللبنانيون حزب الله لأميركا وإسرائيل.
ويوضح شكر الله، وهو ناشط في الحركة اليسارية المصرية، كيف أن نصر الله كان مدركاً لذلك الأمر بشكل واضح، وهذا يفسر كيف أن خطابه أستحث الوطنية اللبنانية. ويعتبر أن الخطاب الذي يتبناه حزب الله جعله متفرداً في الحركة الإسلامية في العالم العربي وربما الإسلامي حيث يتواجد خطاب علماني، ومقارنة بقوى إسلامية أخرى هناك عقلانية في التعاطي مع شأن المقاومة، إضافة الى تحليل بارد لأهداف الخصوم ومصادر قوتهم. وكان بإمكانه أن يتهمهم بالخيانة والعمالة ولكن رأينا كيف أنه طيلة الوقت يخاطب أشد خصومه ويحاول إقناعهم بمواقفه ولا يدفعهم نحو موقف العداوة، ولكن بدا الأمر وكأن (رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود) أولمرت كان أشبه بالقادة العرب في مبالغاته حول انتصارات الجيش الإسرائيلي بينما نصر الله بدا قائداً واقعياً لا يعد بنصر ولا يستبعد الهزيمة.
ويتفق نائب المرشد العام للإخوان المسلمين محمد حبيب مع هذا الطرح، مضيفاً أن حزب الله خلال حرب الايام الثلاثين الماضية قدم دروساً مهمة لحركات المقاومة في العالم العربي والإسلامي. وما أعتبره حبيب عمق الرؤية والتحليل والصدق الذي تميز به السيد نصر الله والبعد عن التشنج وإدارة المعركة بثبات وحكمة، كلها عوامل أدت الى كسب الرأي العام العربي والإسلامي.
وسخر حبيب من أنه في الوقت الذي يقدم فيه الرؤساء أبناءهم لوراثتهم في الحكم، قدم نصر الله ولده شهيداً للقضية اللبنانية والعربية، وهو لم يتاجر يوماً بالقضية اللبنانية وكان دوماً ينسب النصر لأهل لبنان.
وأستغرب من يشحذون سيوفهم لمحاسبة حزب الله ومطالبته بالتخلي عن سلاحه، حتى بعد الإنجازات التي حققها على الأرض، وعلى الرغم من حقيقة أن السلاح لم يوجه إلا ضد إسرائيل. وقدر حبيب بأن المعركة التي يخوضها حزب الله ومعه لبنان سيكون لها تداعيات خطيرة في حركة الشعوب العربية تجاه الأنظمة من أجل استرداد حقوقها.

اميمة عبد اللطيف

المصدر: السفير