فيلم «الحانة» يكشف هجرة اليهود إلى المغرب
ذات صباح من بداية الستينيات البعيدة، خرج حسن إلى زقاقه المترب الصغير في مدينة سطات (شرقي الدار البيضاء). لكنه فوجئ بأن رفاق الدرب صاروا أقل عدداً، وبأن الحي فقد الكثير من بهجته.
عشرة منازل لم تفتح أبوابها ذلك الصباح. وكان على الطـــــفل أن يكبر قليلاً ليكتشف أن رفاق طفولته الأشقياء الذين اختفوا هكذا فجأة من حياة الزقاق، بشكل جماعي وفي يوم واحد، هم... “يهود”، وأنــــــهم هاجروا إلى بلاد جديدة اســـــمها إسرائيل، فُصِّلت حديثاً لهم على مقاس أسطوري.
هذا الطفل السطاتي صار اليوم أحد أنشط مخرجي السينما المغربية. إنه حسن بنجلون صاحب “عرس الآخرين” (1990) و“يا ريت” (1994) و“محاكمة امرأة” (2001) و“درب مولاي الشريف” (2004) و“الغرفة السوداء” الذي استعـــاد فيه بقوة زمن الرصاص المغـــــربي وجحـــيم المعتقلات.
وفي “الحانة”، الفيلم الجديد الذي انتهى من تصــــويره قــــــبل أسابيع قليلة، اختار حسن هذه المرة أن يعود إلى ملف تهــــــجير الــــــيهود من المغرب إلى إسرائـــــيل... ويفـــــكك آليات الخديعة الكبرى الــــــتي استدرجت هؤلاء المواطنين المغاربة، وشجعتهم على الهجرة إلى اسرائـــــيل، حيث استعملوا لفترة دروعاً بشرية، قــــــــــبل أن يعانوا طويلاً من ضـــــنك العيش، مترحّمين ليل نهار على حياتهم المغـــربية الهانئة.
قضى بنجلون ثلاث سنوات متنقلاً بين المغرب وفرنسا وكندا، حيث التقى هناك العديد من الأسر اليهودية المغربية التي كانت في عداد 256 ألف يهودي مغربي هاجروا باتجاه إسرائيل خلال تلك الحملة. هذه اللقاءات وهذا البحث كانت ضرورية ليتمكن بنجلون من إنجاز الفيلم في صيغة تكاد تستعيد كل عناصر المرحلة: من الموسيقى والملابس حتى الماكياج والملامح والسحنات. ويصل بنجلون بعد استقصاءاته الى خلاصة متفجّرة: لو لم يسهل المسؤولون المغاربة ـ والعرب عموماً ـ هجرة اليهود العرب من أوطانهم، لما وصلت الدولة العبرية إلى هذا الحد من التماسك.
الفيلم سيثير ضجة بالتأكيد عندما يخرج إلى القاعات المغربية مطلع العام المقبل، وخصوصاً مع النقاش الدائر حالياً حول “جرائم” وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس في لبنان وفلسطين. بيرتس ابن عامل محطة البنزين في مدينة “أبي الجعد”، تَقدّم ثلاثة محامين مغاربة بدعوى لدى الوكيل العام للملك في محكمة الاستئناف في الرباط يطالبون فيها بمحاكمته طبقاً للقانون المغربي، باعتباره “مغربياً”. فيما يطالب آخرون الدولة المغربية بإسقاط الجنسية عنه. فيلم حسن بنجلون سيقترح مقاربة تاريخية للموضوع، لكنها تبقى بالتأكيد في صلب هذا الجدل.
ياسين عدنان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد