في (أوضة سورية).. جدران من حب وسقف من عدم!!
في تقديم علا الخطيب لتجربتها الأولى في الإخراج المسرحي لعرض (أوضة سورية) الذي شارك في مهرجان دمشق المسرحي الأخير ضمن عروض الشباب، عن نص يحيى جابر (ابتسم أنت لبناني) بإعداد علا، وسعد الغفري،
قدم مؤخراً على خشبة القباني.. بهذا الإقدام البكر لعالم الخشبة، تقتحم علا عوالم هذه اللعبة برؤية تستهوي الميل نحو عرض الشيء بقالب أسلوبي يجافي - يناقض الموضوعة المتناولة في أصلها وأساس تجليها..
بمعنى أنها اختارت كما يتضح منذ بداية العمل، السير على هدي المفارقات الكوميدية المعتمدة أسلوباً أطّر العرض بكامله.
ربما جاء ذلك رغبة من المخرجة، واتقاءً للوقوع في فخ السوداوية.
فالحكاية بنهايتها غير السعيدة تكفي لتحقيق الموازنة ما بين الجوهر والظاهر، ما بين الأسلوب وخاتمة القصة.. أي التوازن ما بين أمرين...
نقيضين .. ضدين.. مختلفين..
ولعلهما على الرغم من كل ذلك يكونان متكاملين...
أليست الحياة في قعرها الذي تنتمي إليه الشخصيات على هذا النحو سائرة؟ ألا نسايرها جميعاً فنحياها على الميلين... بالطريقتين نفسيهما.. بالضحكة الملاصقة للدمعة.. بالغصة وليدة الفرحة المسروقة رغماً عن أنف الحياة..
يحكي العرض قصة حب يجمع ما بين شاب وشابة، أدى الأدوار (كوزيت حداد، سعد الغفري) ينتميان إلى دينين مختلفين يتزوجان على الرغم من معارضة أهليهما، وعلى الرغم من بؤس الظرف الذي نما فيه حبهما.. ولتبدأ عيشة القلة والعوز.
تنبثق مشكلات وتطفو أمور صعبة المنال، على سطح العيش المشترك (الهش مادياً) بالرغم من وجود الحب.. إلا أنه لن يكون بوليصة التأمين على الحياة السعيدة، لن يكون الحامي.. أو حتى تأشيرة المرور للرغد والهناء وراحة البال..
هكذا يترصد بعبع الفقر بالعاشقين.. يشاطرهما كل شيء.. ولينجو الحب بنفسه رامياً إياها من شباك تلك الأوضة المهلهلة.. الموضوعة المطروحة في العمل.. عولجت سابقاً، وقدمت في الدراما التلفزيونية بكذا رؤية تحاول قول إنه حتى الحب يُخنق، يُغتال في بيئة غير صحية لنموه.
وكما لو أن في الأمر نوعاً من المؤامرة، تحاك بدقة وتخطيط عال لإفشال أي تجربة حب..
هناك وباء ينشر هواءً فاسداً يلوث كل شيء متى ما لامسه.
ظواهر ومظاهر اجتماعية مرضية.. كذب.. غش... رياء تغلف جميعها معاً وتقدم لنا تحت يافطة (العلاقات العامة - public relation)..
ارتفاع في الأمور المادية وانهيار في القيم المعنوية الأخلاقية وأولاها الحب.
ينجح العرض بملامسة كل هذه القضايا بأسلوب بسيط سلس لا تعقيد فيه، ودون فجاجة أو مباشرة واضحة.
العرض الذي اتسم بأداء عفوي يتخذ إيقاعاً متسارعاً نوعاً ما، لكن باتزان ووعي لمجريات أحداثه - الزمن فيه يرصد ليلة سهرة عيد الزواج - وكل ما يعرض علينا يتم في سياق هذه الليلة، نتعرف على القصة بأكملها عبر تذكر الزوجين لأهم تفاصيل حياتيهما الماضية.
مع ملاحظة الانسجام بأداء الاثنين، واكتشافنا لمقدرات جديدة ومساحات أدائية مفاجئة ولاسيما عند (سعد) الذي نوع بهذا العرض وخرج من حلةٍ اكتساها سابقاً.
ولكن..
ومع أن أولى وأبرز ما حصده العمل هو الكثير من ردود الأفعال المواكبة لمفارقاته المهضومة..
بقي منحازاً لكسب المزيد من الضحكات المتعالية على حساب ذاك الجانب الأخر... الجانب المخبأ غير المشغول عليه ظاهرياً بنفس المستوى الذي قدمت فيه الضحكة بعناية وبطريقة مدروسة والمنتهجة كطريقة عمل.
سينوغرافيا العرض
قدمت هندسة جميلة لتلك الأوضة الضيقة التي توسطت الخشبة.. أوضة بجدران متحركة تفتح وتغلق بحسب متطلبات المشاهد.. جدران تعتليها وتلتصق فيها خيطان العنكبوت وكما لو أنها تجاعيد رسمت على وجه ذاك الحب الذي هرم وشاخ في الأوضة هي أوضة الحب الذي نسكن فيها جميعاً لكن تحت سقف من عدم.
لميس علي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد