فضائح معرض الزهور
أقفل معرض الزهور الدولي أبوابه وعادت زهيراته ونباتاته إلى مواقعها في المشاتل أو أخذت طريقها الى أحد البيوت الذي فضل أصحابه الاستمرار في الاستمتاع بجمالها وعطورها .
وتزيين دورهم بألقها، فقد استمر الاستعراض البديع لهذه الكائنات الفاتنة مدى عشرين يوماً كانت أثناءها حديقة تشرين « وهي في الاساس معرض دائم للزهور» تحتضن هذه الظاهرة الحضارية ككل عام، وتغص بالزوار ككل عام منذما بعد الظهيرة حتى ساعات متأخرة من المساء.
ومثلما أقفل معرض الزهور على هذه التظاهرة الجمالية أقفل أيضاً ككل عام على همومه ومنغصاته التي لايعيرها أحد الاهتمام المطلوب وتصم الآذان عن استغاثاته لابتعاده عاماً بعد عام عن الدولية بسبب تراجع المشاركة الدولية فيه الى حد الاقتراب من العدم فلولا مشاركة دولتين عربيتين أو ثلاث وشركتين أجنبيتين أو ثلاث لكان حرياً بنا ان نسميه معرض الزهور فقط وليس معرض الزهور الدولي ولو أن هذه المشاركات التي ذكرناها خجولة ولاتفي بالغرض.
وأما عن شعار المعرض وهو الوردة الدمشقية وانعدام وجودها في المعرض فقد بح صوتنا ونحن نتساءل عنها على مدى الأعوام السابقة ونبحث في موضوع غيابها وعندنا موطنها ومنشؤها ومرباها ويأتي الجواب دائماً أن توقيت المعرض يأتي في غير موعد إزهارها.. هذا الموعد الذي يأتي مع وقت الامتحانات وفي وقت الامتحانات لايمكن ان يقام المعرض.. لماذا؟ لا أحد يفهم سبباً لهذه المعادلة ولم نسمع عن نشاطات دولية زهرية أو غيرها في العالم أجلت بسبب امتحانات الطلبة علماً أن الوردة الشامية استوطنت الآن في هولندا وتنتج على مدى العام ويستفاد منها في الزيوت العطرية والعطور وغيرها من المجالات الأخرى فلم لا نستطيع إنتاجها لهذا المعرض كونها الشعار الأساسي له ولوزارة السياحة أيضاً.
أثناء جولتنا على أجنحة المعرض العربية والمحلية الرسمية وغير الرسمية والدولية لاحظنا تراجعاً كبيراً في المشاركة عاماً بعد عام.. أما الدول القليلة( النادرة) المشاركة من عربية وأجنبية فتصرح بأنها في طريقها الى عدم المشاركة بسبب مايوضع في طريقها من عوائق بالرغم من صدور عدة كتب وتوجيهات لتسهيل مهامهم وتذليل العقبات من أمامهم كما أن بعض مشاركات القطاع الخاص بدأ الملل يتسلل الى نياتهم في المشاركة لأنهم يجدون صعوبة في ادخال اصناف جديدة الى مشاتلهم يعول عادة القطاع الخاص على مشاركتهم في المعرض لشرائها من اجنحة الدول المشاركة لتطويرها وإكثارها في مشاتلهم إلا أن تراجع المشاركة الدولية والعوائق في طريق ادخال معظم الاصناف الجديدة تحول دون هذا التبادل الزهري الذي يجب أن يكون من أحد أهداف المعرض.
كما أن بعض الأجنحة تأخرت دعوتها الى المشاركة الى ماقبل الافتتاح بساعات مثل جناح ادارة المشاريع الانتاجية الذي لفتت نظرنا فيه ضآلة المعروضات مع أنه كان في السابق من الاجنحة الجيدة فأفاد السيد خلدون سكر من لجنة المبيعات في الجناح بقوله:
بلغنا قبل ساعات عن الدعوة للمشاركة صباح الخميس وهو يوم الافتتاح أي قبل ساعات من الافتتاح وخصصونا بنقطة ميتة من مساحة المعرض قرب ملاعب الأطفال حيث يندر الزوار أو يمرون مرور الكرام وبسبب هذا الوضع كانت مبيعاتنا قليلة ولم نستطع عرض المنتجات عرضاً جيداً ففي العروض السابقة كان الناس يلتقطون الصور التذكارية في جناحنا بسبب جماليته ونبيع بيعاً منقطع النظير فقد كان أمامنا الوقت الكافي للاستعداد للمعرض وكانت الدعوة تأتينا قبل شهر من الافتتاح، ونود الإشارة الى أنه من المفروض أن يكون لنا مقر جناح ثابت لاننا قطاع عام بالاضافة الى أننا من الشركات الرائدة في هذا المجال.
هذه الشركة أخذت في معرض العام الماضي الدرجة الاولى على مستوى المعرض والمشاركين كما تقول المهندسة إخلاص عقيل مديرة جناح الشركة الصينية المشاركة: أما هذا العام ونتيجة للعراقيل التي واجهتنا فالجناح هزيل ومعروضاته متواضعة وهي ليست من النباتات التي استقدمناها لنعرضها في المعرض لأن النباتات الصينية مازالت محجوزة في المرفأ.
أما السيد خالد اسبانو ممثل الجناح الصيني فيسرد المأساة بحرقة قائلاً: بقي المحتوى« الكونتيز» النباتي القادم من الصين في المرفأ طيلة أيام المعرض وأفرج عنه مع نهاية آخر أيام المعرض أي لم يعرض منه في الجناح أية نبتة بل جرى عرض نباتات من البلد أي من سورية نبتة.. من هنا ونبتة من هناك ويضيف السيد اسبانو:
إن الشؤون الزراعية في وزارة الزراعة هي التي منعت نباتات الجناح الصيني من الوصول الى المعرض بحجة أن إحدى نباتات« الكونتيز» ربما تحمل سوسة النخيل ولم يفرجوا بذلك عن أي نبتة أخرى من النباتات لتعرض في المعرض والآن انتهى المعرض وسمعنا أنهم سيفرجون عن النباتات وسيتلفون« السيجا» التي اتهموها بأنها تحمل سوسة النخيل علماً أنها نظيفة تماماً من السوس وطلبنا مراراً وبإلحاح ان يجروا الفحص عليها وفي حال ثبوت وجود اي حشرة فليتلفوها ولكنهم رفضوا قائلين لامصلحة لنا بوجودها ولن نفحصها حتى ظاهرياً وسنتلفها نهائياً علماً أن وزارة السياحة على علم بهذا الوضع ولا حل لديها وهي صاحبة المعرض وعليها أن تدافع عنه وتضعه على المسار الصحيح وتعمل على إنجاحه واستمراره ويمكننا القول إن مثل هذا التعامل لايشجع على الاستمرار في المشاركة فهذا الوضع هو هدر بلاطائل ومحاربة بعض الشركات والمنتجين لحساب آخرين تعمل على تراجع هذا المعرض الذي يهزل يوماً بعد يوم فبعض النباتات التي منعت عنا عرضت في أجنحة أخرى دولية أكوا جرين.
السيد عبد الباسط حطاب مدير الترويج في وزارة السياحة يرد بقوله أن وزارة الزراعة على الاقل يجب ان تكلف نفسها عناء فحص النبتة ولاتتلفها لأنها من النوع الغالي ويمكن زرعها في البلد فقد تعب مستقدموها في جلبها الى المعرض، كما أن من واجب وزارة الزراعة الاسراع في الفحص وفك الحجر عن النباتات قبل بدء المعرض وليس في نهايته لان في هذا العمل دلالات غير حميدة.
السيد ريمون حبيب قلبقجي القنصل العام لمملكة تايلانديقول:
لقد شاركنا منذ عشر سنوات في هذا المعرض وانقطعنا لوجود صعوبات ثم ذلل بعضها فشاركنا هذا العام ونأمل ان تتوسع علاقاتنا الاقتصادية في هذا المجال وغيره، أحببنا من خلال مشاركتنا كدولة أن نعرض نباتات لايعرفها الناس في سورية وبذلك نجذب سياحاً الى تايلاند ونعرف الشعب السوري على ورودنا ونباتاتنا الخاصة بمنطقتنا.. كانت المبيعات لابأس بها لكنها لم تكن حسب التوقعات لأن كلفة الشحن عالية جداً لأن النبات يأتي بالطائرة ولايشحن بالبحر لبعد المسافة والوقت.. في العام القادم سنتلافى هذا الأمر باستقدام نباتات لاتتلف بسرعة وتستمر بالحياة دون ماء لفترة طويلة كالاوركيد الذي لاينتج إلا في تايلاند، ونأمل استمرار التسهيلات، فمشاركتنا هذا العام كانت تجربة نأمل أن تستمر. أما مدير الجناح التايلاندي سمير زيتون فيقول جئنا هذا العام بزهور لاتوجد في سورية بل في تايلاند حصراً مثل زهرة الاوركيد وننتج منها 32 نوعاً، والدريسينا غورلي التي تعيش في الماء داخل الصالونات وزهرة اللوتس وغيرها.
الوردة الدمشقية التي هي شعار معرض الزهور الدولي منذ تأسيسه ثبت أن موطنها الأصلي في جبال القلمون وموقع انتاجها كجو ملائم هو قرية المراح وقد عرضت هذا العام وعلى استحياء أي بندرة لامثيل لها في جناح واحد تقريباً وبشكل غير لافت للنظر.. هذا الغياب للوردة الدمشقية هو أحد عيوب وسلبيات هذا المعرض وحين نسأل عن سبب غيابها يتكرر الجواب اما لأن وقت إنتاجها وتفتحها فات أوانه أو لأن إنتاجها قليل أو غير ذلك من الاعذار التي لاتقبل لأن وقت المعرض يجب أن يؤقت في فصل تكون فيه معظم الورود والزهور متفتحة وعلى رأسها الوردة الدمشقية أو فليلغوها كشعار وتصبح مثلها مثل بقية الورود، أما أن تبقى شعاراً لايلمحه الزائر في كل المعرض فهذا معيب علماً أن الطرق الحديثة للمستنبتات أصبحت تنتج زهوراً في غير أوانها أو يستمر إزهارها وقتاً أطول أو تنتج قبل أوانها كل هذا أصبح متوفراً فما هي الحجة... أيضاً توقيت المعرض يمكن ان يتغير حتى تتصدر الوردة الدمشقية هذا المعرض وتتربع على عرشه ومن المؤسف في هذا المجال أن نقول بأن إنتاج الوردة الدمشقية في حده الأعظم وتصديره والاستفادة القصوى منه نقل الى هولندا التي هي المنتج والمصدر الأول لهذه الوردة.
من أهم مبررات قيام هذا المعرض في سورية كونها تتمتع بموقع جغرافي متميز ومناخ بيئي متنوع بدءاً من المناطق الساحلية فالجبال فالمناطق الداخلية فالبادية وأيضاً وجود أعلى المناطق المرتفعة كجبل الشيخ ووجود مناطق منخفضة كوادي اليرموك هذا الوضع يهيئ سورية لتصبح من الدول المصدرة الى أغلب دول العالم أزهاراً ونباتات خاصة الى أوروبا الشرقية وهولندا والخليج إضافة الى خيرة المنتجين فيها إلا أن قصور القوانين واساءة تطبيقها عن قصد او غير قصد تفرغ هذا المجال من مضمونه وتبعد معرض الزهور بالذات عن أهدافه.. فالوردة الشامية التي تتميز بلادنا بانتاجها كونها الموطن الاول لها انقرضت تقريباً عندنا، وتكاثرت في هولندا ويمكن أن نتلمس المعنى الحقيقي للمقولة التي تفيد أن الأزهار والنباتات أبقى من النفط وأغلى من الذهب إذا عرفنا أن هولندا تبيع 1 كغ من زيت الوردة الشامية بما يعادل 4 كغ من وزنه ذهباً.
ومن البدهي أن نقول بأن عمر المعرض تجاوز ربع قرن وكل عام يتراجع عن العام الذي قبله من خلال المشاركة والعرض وبالتالي لم نؤثر من خلاله ولم نتأثر على الأقل في مجال تنوع النبات أو تطويره أو تهجينه أو في مجال الاستيراد او التصدير ومن المؤسف أن نسمع بأن بعض المصالح الفردية تتحكم فيمنع إدخال صنف لجناح ويسمح به لجناح آخر أو تحجر حاوية معروضات ويفرج عنها قبل انتهاء المعرض بقليل لمصلحة معروضات أجنحة أخرى كما أن هناك الخبرات الضئيلة لأشخاص يمنعون دخول هذا النبات ومن ثم يقرؤون عنه في الانترنيت أو مع الإلحاح يسمحون بدخوله وأهم مايجب الاشارة إليه هو إتلاف النبات الذي لايسمح بإدخاله ودون فحص.. أليس في هذا هدر غير مبرر هذا يدعو الى المطالبة بخبراء نبات حقيقيين وشرفاء وبقوانين جديدة واضحة تعي قيمة هذا المجال الزراعي الهام وتساهم في تطويره.. وبين هذا وذاك تجدر الاشارة الى البطاقات غالية الثمن ما دعا البعض للف والدوران حول الدخول الى المعرض وهناك بعض الأجنحة التي لاعلاقة لها بالأزهار مثل أجنحة العطور التي سمحت السياحة لها وأغلقت بعد الافتتاح بأيام وبسطات كانت تبيع أشغالاً يدوية وغيرها تمارس كتابة الأسماء على حبة الرز حسب الطلب وغيرها وغيرها من التي خولفت وهي بسطات وأعطيت الحق في جناح رسمي هذا العام مثل معرض ندى للفنون وغيرها.
على مانظن أن هذا المعرض يستحق الاهتمام اللازم والمدروس والحقيقي حفاظاً على سمعة بلدنا وعلى جماليته ولتحقيق الهدف المنشود من مناسبة كهذه.
فاديا شحيبر
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد