عين العرب تتساقط أمام «داعش» .. والتخاذل

07-10-2014

عين العرب تتساقط أمام «داعش» .. والتخاذل

المذبحة في عين العرب بحق الآلاف ممن قرروا البقاء في المدينة والدفاع عنها أمام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» تبدو قريبة أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يمكن اعتباره أول هزيمة فعلية، يلحقها «داعش» بما يفترض انه «تحالف ضد الإرهاب»، الذي يزعم التدخل لإنقاذ الأقليات والأكراد من مجازر «دولة الخلافة»، وفضيحة إنسانية لأربعين دولة وقعت على بيان احتواء «داعش» وقتال الإرهاب، الذي لم تمنعه غارات التحالف من مواصلة التقدم نحو عين العرب، وقريبا من الحدود التركية، وبحماية دبابات الجيش التركي، ما يجعل ما بعد سقوط المدينة الكردية السورية، منعطفا لمرحلة تنفتح على عمليات تطهير عرقي واسع في الشمال السوري.
وقال زعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد، في لقاء معه في باريس بالأمس، «إننا قد اعتقدنا، نحن الأكراد، أن المجازر وعمليات التطهير العرقي قد انتهت بانتهاء القرن العشرين، وإذا ما حدثت مجازر غدا في كوباني لا نريد أن يتباكى احد علينا، لان الجميع يعرف ما يجري في المدينة، خصوصا الدول الكبرى».عناصر من «داعش» قرب علم التنظيم فوق تلة مطلة على عين العرب امس (ا ف ب)
وابتعدت مسألة عين العرب من احتمالات وضعها على أي أجندة أممية، إذ أفشل الأميركيون، بحسب مصدر ديبلوماسي غربي، مشروع بيان رئاسي كانت تعد له الأمم المتحدة، لإدانة حصار المدينة، والتحذير من احتمالات ارتكاب مجازر فيها.
وتتضافر مؤشرات سياسية وميدانية، أميركية وكردية وتركية، لدفع المدينة الكردية السورية نحو سكاكين جنود زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، في غضون أيام، في حين يحاول الأكراد إشاعة أجواء من التفاؤل القسري، والاستناد إلى المقاومة الصلبة التي تبديها وحدات حماية الشعب، والتضحيات التي يقدم عليها المقاتلون والمقاتلات على خطوط القتال، وفي بعض الأحياء التي وصلتها قوات «داعش» بالأمس. وذكر «المرصد السوري لحقوق الانسان» ان عناصر «داعش» سيطروا على احياء المدينة الصناعية ومفرق الجديدة وكاني عربان شرق عين العرب.
إلا أن عدم تكافؤ القوى مع «داعش»، والحقائق الميدانية الصعبة، باتت تفرض نفسها، إذ يواجه ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل في المدينة، موجات من ستة آلاف من السلفية الوهابية، استولت، كما قال صالح مسلم محمد، «في الشهرين الأخيرين على أسلحة أربع فرق من الجيش العراقي، ومخازن للفرقة 17 السورية في الرقة وفي مطار الطبقة، وعشرات دبابات أبرامز الاميركية، ومخازن أسلحة الجيش الحر في باب الهوى، فيما نقاتلها نحن بمعدات بسيطة من بنادق واربي جي».
وقامت قيادية في وحدات حماية المرأة التابعة لوحدات حماية الشعب باقتحام تجمع لعناصر «الدولة الإسلامية»، واشتبكت مع عناصر التنظيم وفجرت بهم قنابل كانت بحوزتها قبل أن تفجر نفسها بقنبلة. وهي المرة الأولى التي تنفذ فيها مقاتلة كردية مثل هذه العملية.
وقال رئيس هيئة الدفاع في عين العرب عصمت الشيخ «إذا دخلوا كوباني ستكون مقبرة لنا ولهم، ولن نسمح لهم بالدخول ونحن أحياء. فإما أن ننتصر أو نموت. وسنقاوم حتى النهاية».
فميدانيا أولا، احدث المهاجمون من «داعش»، خلال الساعات الماضية، سلسلة اختراقات في المدينة، التي رأت راية البغدادي السوداء ترفرف للمرة الأولى، فوق مبنى من احد أحيائها الشرقية، فيما قال الأكراد إنهم أوقعوا المجموعة التي رفعتها في كمين، وقتلوا 25 مقاتلا منها، فيما كانت هضبة مشتة نور، التي تؤمن سيطرة بالنيران على المدينة، تتداعى أمام هجوم انتحاريين «داعشيين» بشاحنتي متفجرات.
ويبدو السؤال عن سقوط المدينة الكردية السورية مفارقا، باعتبار أن أرياف المدينة الواسعة، قد فرغت من الآلاف من سكانها، وان أكثر من 180 ألفا منهم قد عبروا الحدود التركية - السورية نازحين إلى منازل الأقرباء، على المقلب التركي الكردي، وفي حمى العصبيات العائلية والعشائرية الكردية الواحدة التي فرقتها سايكس - بيكو، وان أكثر من 350 قرية، أي مجمل الأرياف، قد أضحت في قبضة «داعش» منذ أيام. وليس ما يجري الدفاع عنه في عين العرب، سوى جزء يسير وأخير، من قلب منطقة الإدارة الذاتية الكردية، التي سقطت بيد «الدولة الإسلامية».
وانكشفت محدودية ضربات التحالف، وعدم وجود كوباني أو المشروع الكردي على لائحة أولويات التحالف. فرغم تنفيذ بعض الغارات على أرتال «داعش» حول عين العرب، سلم صالح مسلم «بأنها لم تكن ذات فائدة كبيرة، لغياب القوى البرية الضرورية لقتال داعش ومن حق كوباني أن تطلب المساعدة، من أي كان لوقف هؤلاء الهمج، وإذا قارنا الوعود والتعهدات بما يحدث، وضربات التحالف غير المفيدة، فنحن نعتقد أنهم يفعلون ذلك من باب رفع العتب لا أكثر، وان هناك مساومات سرية كبيرة تجري علينا».
ولم تستطع التهديدات بمجزرة في عين العرب إغلاق ملف الخلافات الكردية، خصوصا بين «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني و«الاتحاد الديموقراطي». إذ لا ينتظر مقاتلو كوباني أي مساعدة عسكرية من كردستان العراق، الذي تلقى كميات كبيرة من الأسلحة والصواريخ المضادة للدروع في الأسابيع الأخيرة «لأننا نرى أن التزاماتهم وعلاقاتهم الدولية، والإقليمية لا تسمح لهم بتزويدنا بها».
وتهاوت الآمال المعقودة على الوعود التركية الأخيرة بمنع سقوط عين العرب، وتعهدات قدمت إلى صالح مسلم الذي تقود قواته في وحدات حماية الشعب، معركة الدفاع عن المدينة. ويقول مصدر كردي إن الأتراك وعدوا بعد الزيارة التي قام بها مسلم إلى اسطنبول الجمعة الماضي، بترك ممر آمن، داخل الأراضي التركية، لتعزيزات من مقاتلي «الاتحاد الديموقراطي»، وتسهيل مرورها من عفرين والقامشلي إلى عين العرب، بدلا من مواصلة إرسال مقاتلين أكراد من «حزب العمال الكردستاني» إلى المدينة، عبر الحدود التي قام الجيش التركي بإغلاقها فور انتهاء زيارة مسلم، ونشر المزيد من الدبابات بالقرب منها.
ونفى صالح مسلم محمد أن يكون الأتراك قد تقدموا بشروط للمساعدة على إنقاذ كوباني، لكن مقربين من زعيم «حزب الشعب الديموقراطي» الكردي صلاح الدين دميرطاش، الذي اعد الزيارة، قالوا إن المطالب التركية لمنع سقوط عين العرب، تتجسد في تخلي «الاتحاد الديموقراطي» عن مشروع الإدارة الذاتية، والانضمام إلى «الجيش الحر»، والتخلي عن أي علاقة مع النظام السوري. وهي كلها مطالب تعد انتحارا سياسيا بالنسبة إلى «الاتحاد الديموقراطي» الذي يقود مشروعا استقلاليا على مراحل، إذ بنى هيكلية إدارية منتخبة في الشمال السوري، قبل أن تشن عليه تركيا حربها، عبر الجماعات «الجهادية» السورية المعارضة، التي مولتها وسلحتها، بدءا من معارك رأس العين، مع «جبهة النصرة» قبل عام ونصف العام، وصولا إلى حرب «داعش»، المستمرة منذ أكثر من عام، في تل ابيض، وحصار عفرين.
وقال صالح مسلم، بشأن المطالبة التركية باستضافة «الجيش الحر» في المناطق الكردية، «قلنا لهم لا مانع في استضافة أي قوة علمانية تؤمن بالتعددية، معتدلة، لكنها غير موجودة». ونعى الثورة السورية برمتها، وقال «كان هناك ذات يوم ثورة بهدف محاربة النظام، لكنها انحرفت عن مسارها، وتحولت سوريا إلى ساحة اقتتال للجميع. وقد وقفنا إلى جانبها في البداية ثم تبين لنا أن هناك قوى تدير اللعبة من خلف الستار، ورفضنا أن نكون أداة بيد النظام، وقررنا أن نخلق الإدارة الذاتية».
ولا يبدو الموقف التركي واضحا لصالح مسلم محمد بعد ساعتين من الاجتماع مع مسؤولين في الاستخبارات في اسطنبول. وقال، «نحن لا نفهم، لا موقفهم ولا دوافعهم، وقلنا لهم إن امن الحدود يهمنا، وقلنا لهم إذا كانوا يلوموننا على علاقتنا بحزب العمال الكردستاني فهم يفاوضونه. وأبلغناهم أن مسار السلام في تركيا لا علاقة له بالمشكلة الكردية في سوريا، حيث نعمل على نيل حقوقنا ضمن سوريا موحدة ديموقراطية تعددية، لا تنال من المصالح التركية».
وتراجعت مؤشرات التدخل التركية، مع إتمام «داعش» المهمة المطلوبة بضرب المشروع الكردي في الشمال السوري، وانتزاع عين العرب من الإدارة الذاتية وتدميرها. وجاء مؤشر إضافي من حلف شمال الأطلسي ليغلق باب أي تورط في عملية إنقاذ أو تدخل يتعدى الحدود التركية، كما أغلق احتمال التدخل التركي، بإعلان أمين عام «الأطلسي» ايان سولتنبرغ أن «الحلف سيحمي حدود تركيا من أي تهديد»، وهو إعلان يسحب من التداول أي مشاركة أو تغطية أطلسية لأي عملية عسكرية تركية في الشمال، ويغسل يد أنقرة من تصريح رئيس وزرائها احمد داود اوغلو قبل يومين من أن «أنقرة لن تسمح بسقوط كوباني»، من دون أن تتضح لا الوسائل ولا الإمكانيات ولا الإستراتيجية، ولا الدوافع التي تجعل أنقرة تهب لنجدة عدوها اللدود، «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري، في حصار احد معاقله الأساسية، فيما يكمن هدفها وطموحها في تصفية قلب الإدارة الذاتية الكردية، ومنع قيام ظهير جديد للحركة القومية الكردية المسلحة في سوريا، وذراعها الأساسي «حزب العمال الكردستاني»، يوازي بخطر تهديده، خطر جبل قنديل في شمال العراق، الذي تحول إلى معقل لآلاف المسلحين الأكراد.
ويبدو أن «داعش» بدأ التحضير لما بعد عين العرب، بالحشد حول الحسكة، منطقة الإدارة الذاتية الكردية الثانية. وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «30 مقاتلا كرديا على الأقل قتلوا في انفجار شاحنتين يقودهما انتحاريان ينتميان إلى الدولة الإسلامية عند المدخل الغربي لمدينة الحسكة». وقال مديره رامي عبد الرحمن «قتل 30 من عناصر وحدات حماية الشعب وقوات الاسايش (عناصر الأمن الكردي) في انفجار شاحنتين يقودهما انتحاريان عند المدخل الغربي لمدينة الحسكة».

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...