عن «البينتريّة» ولعبة السيّد والعبد
شرح بينتر لجريدة «لو موند» الفرنسيّة أحد أسراره: «الكتابة بالنسبة إليّ، أن أفتح كل مرّة باب منزل مجهول وأدخل. لا أعرف من يوجد في الداخل، ولا من سيدخل من الباب الآخر...». الإنسان غالباً وحيد، لدى هارولد بينتر الذي تأثّر ببيكيت وكافكا وفيرجينيا وولف وإليوت ودوستويفسكي وهمنغواي. شخصيّاته ضحيّة عنف العالم الخارجي. تتخبط وسط عالم عبثي لا يترك أيّ أمل بالخلاص، فريسة القلق والعزلة والقمع. إنها معظم الوقت ضحيّة صراعات خارجيّة، سطحيّة، تجعل حياتها تتأرجح بين التراجيدي والمضحك. لذا نراها تتكلّم لتربح الوقت فقط، تضيع في شعاب أحاديث فارغة لتتهرّب من قول الأشياء. وتلك المناخات أطلقت عليها صفة «البينتريّة»، وهي مفردة دخلت القاموس الانكليزي لتختصر تجربة غدت اليوم من كلاسيكيات المسرح الحديث.
إنّه أكثر كتاب جيله خصوبة وتجديداً، كما تشهد مسرحياته التسع والعشرون التي جعلت منه رأس حربة «الموجة الجديدة» في بريطانيا. مسرحه المقلق ينتمي إلى عالم اللامعقول، وقد طعّمه بالنيو ـــ طبيعيّة الانكليزيّة التي تشتغل على نقل أمين للإطار الخارجي. أضاف هارولد بينتر ذلك الشك العميق في العالم وتلك الريبة في التعامل مع الآخر الذي يخلق هوّة كبيرة بين ما يقال وما لا يقال، قطيعة راديكاليّة بين القول والكيان. وفي هذا اللامكان، No Man>s Land حسب عنوان مسرحيّة شهيرة له (1975)، تمتد أرض المحظورات الخصبة التي زرع فيها أساسات عمارته الدراميّة. عالم تنتظم فيه العلاقات على أساس الثنائيّة الهيغليّة الشهيرة: السيّد والعبد. هناك دائماً شخص يحاول أن يخضع الآخر ويقمعه ويعمل على إلغائه.
بين نصوصه: «المجموعة» (1961)، «العشيق» (1963)، «دعوة إلى الشاي»، (1965)، «القبو» (1967)، «العودة إلى الوطن»، «منظر طبيعي» (1968)، «الصمت» و«الليل» (1969)، «أيّام زمان» (1971)، «الخيانة» (1978) حيث يستوحي علاقته بممثلته الأثيرة فيفيان ميرشانت بطلة أجمل مسرحيّاته التي قضت عام 1982 من إدمان الكحول، بعدما تركها من أجل الليدي أنطونيا فريزر، «شيء مثل الألسكا» (1982)، «واحد للطريق» (1984)...
وكتب بينتر أيضاً سيناريوهات «الخادم» فيلم جوزف لوزي الشهير (1963) الذي تعاون معه أيضاً في «الحادثة» (1967) و«الرسول» (1971). وكتب أيضاً للوتشينو فيسكونتي سيناريو مقتبساً عن رائعة بروست «بحثاً عن الزمن الضائع»، لكن المعلم الإيطالي لم يصوّره. وعن رواية فيتزجيرالد «التايكون الأخير» اقتبس سيناريو فيلم إيليا كازان الشهير (1976)، وله أيضاً سيناريو «عشيقة الضابط الفرنسي» (1981، إخراج كاريل ريز).
بيار أبي صعب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد