عمال وطلاب فرنسا يثورون على ساركوزي

21-11-2007

عمال وطلاب فرنسا يثورون على ساركوزي

غلبت نوستالجيا الثورة الطلابية في أيار 1968 على آلان كريفين. القائد التروتسكي الفرنسي، لا يمزح حين يحلم وهو يوزع منشوراته أمام محطة «البور رويال» المغلقة.
الحشود طلابية وعمالية مثيرة للتفاؤل الراسخ و«فرنسا التي تتظاهر نهضت من تنويم (الرئيس الفرنسي نيكولا) ساركوزي المغناطيسي لها». وجازم كعادته في أحكامه ألان كريفين «الشرط الذي لا رجعة عنه للحصول على شيء في المفاوضات هو النفخ في الإضراب والتظاهر، فلم يتحقق شيء في هذه البلاد من دون حشد وتعبئة في الشارع».
وعلى بعد أمتار، قرينه في رابطة الشيوعيين الثوريين، مرشح الرئاسة اليساري الخائب، وساعي البريد عندما تبتعد السياسة اوليفييه بيزنسنو، يقول «نعمل ما بوسعنا لكي تنتصر حركة الطلاب والعمال، ولن نتراجع، هناك الآن في فرنسا من يقاوم سياسة ساركوزي».
وساركوزي، هو أيضا، لن يتراجع قيد أنملة، ويستطيع الفرنسيون أن يتظاهروا ما شاؤوا تحت المطر «فأنا لست مسؤولا عن إصلاح تأخر حصوله، ولا وقوعه في مسار العهد، فالضرورة تفرضه ولا تراجع عنه».
لم يقاوم الرئيس الفرنسي رغبة عارمة، بزرع الفرقة بين المضربين وغير المضربين، ولم يرتفع كما تجدر به الرئاسة والمنصب إلى حياد بين فرنسا التي تتظاهر وتطالب بألا يطيل الرئيس سني الخدمة ثلاثا قبل أن يتقاعد أهلها، وبين فرنسا التي تئن من فرط السير بين أمطار باريس منذ أسبوع، ومن غياب قطار الأنفاق.
ساركوزي في خطاب مسائي أمام مؤتمر للعمد، اتخذ من فرنسا شاهدا على افتقار الإضراب من كل معنى «سوى اتخاذه الفرنسيين رهائن لمشيئة قلة من المتمسكين بامتيازات الماضي»، مطالباً بعدم «تركيع الاقتصاد» الذي يتكبّد، بحسب الحكومة، خسائر تصل إلى «400 مليون يورو يومياً».
وخلال ساعات بعد ظهر أمس تحقق للنقابات بعض ما أرادت من السير تحت رذاذ خريفي عنيد. واجتمعت تظاهرات الطلاب، والمعلمين، وعمال النقل، وبعض الشجعان في القطاع الخاص، لترسل موفديها اليوم إلى وزارة العمل مسلحة بـ700 ألف متظاهر في العاصمة ومدن أخرى، اختاروا أن يعودوا إلى عبور البولفارات الباريسية ذاتها، التي عبروها حشودا متفرقة الأسبوع الماضي، بعد أن لبى النداء حشد أكبر من المحتجين.
«يجب ألا نذهب إلى التفاوض من دون الشارع»، كان يطمئن المتظاهرون بعضهم بعضا، بعد أن ظهرت وجوه جديدة لم يكن لها أن تهبط من ساحة المونبارناس نحو محطة أوسترليتز ،لكنها عادت إليها أمس من ساحة إيطاليا في الدائرة الرابعة عشرة .
وخلال أسبوع على الأقل، تحققت النقابات من تصميم أكبر في قاعدتها على مواصلة الإضراب، كما اكتشف وزير العمل كزافييه برتران حدود المناورة التي لعبتها الحكومة، بزرع الفرقة بين النقابات، وتوزيع عروض للتفاوض على بعضها، وحجبها عن البعض الآخر أملا بعزل الأقوى أي «الاتحاد العمالي العام».
لكن هذه النقابة ونقابتين يساريتين أقل أهمية، تحرزان معا أكثرية من المنتسبين، بين 164 ألف عامل في السكك الحديدية. وتبين أنه بوسع نقابة «الاتحاد»، التي تتمتع بتأييد الثلث أن تستمر، لو شاءت، وحدها بالإضراب لتفرض شللا، ليس كليا على قطاع النقل الباريسي، بشكل خاص، لكنه كان كافيا خلال الأيام الماضية، لزرع جزء كبير من الفوضى في حياة فرنسية شديدة الاعتماد على القطارات، ونقمة متزايدة، على تلكؤ الحكومة في التقدم بعروض جدية للنقابات.
وبات واضحا أن تعفن الإضراب من الداخل ليس رهانا واقعيا، يمكن الاستمرار باعتماده سياسة، للي ساعد النقابات. ورغم تراجع ثلاث نقابات عن الإضراب إلا أن شيئا كثيرا لم يتغير في الفوضى التي تعيشها باريس.
ووسعت تظاهرة الأمس من قاعدة الاحتجاج، والمطالب، فبعد أن كان مقتصرا على مقاومة التعديلات التي ينوى ساركوزي إحداثها في نظام تقاعد السكك الحديد، بات على الحكومة أن تجد أجوبة لمطالب قطاعات إضافية في القطاع العام والخاص، تريد أن يعمل الرئيس على تحقيق وعد انتخابي رئاسي، أن يعمل كل ما بوسعه لرفع القدرة الشرائية للفرنسيين، وهو وعد تكفل المتظاهرون أمس، بإعادته إلى الطاولة، لا سيما أن الرئيس لم يحسم أمره بعد.
فإما أن يستمع لنصائح وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد التي تلح على اعتماد خطط للتقشف الاقتصادي، أي خفض الإنفاق العام، وتجميد سلم الرواتب لخمسة ملايين عامل في القطاع العام، وإما أن يصغي لمستشاره الخاص جان كلود غينو، بعدم اللجوء إلى ما لجأ إليه سلفه جاك شيراك في الماضي من التقشف الاقتصادي الذي أفقده كل مصداقية جمهورية.
وبانتظار أن يحسم الرئيس أمره، تستمر التظاهرات..

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...