عصابات الغوطة تتصارع فيما بينها على الزعامة والسيطرة بكل الأساليب الإجرامية المتاحة لها
تتجه الأحداث في الغوطة الشرقية إلى مزيد من التصعيد بفعل التطورات المستجدة فيها، خصوصاً لجهة الحديث عن المصالحة مع الجيش السوري، أو لجهة الخشية من تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» إليها.
وبينما انشغلت فصائل الغوطة في محاولة إفشال المصالحة، والعمل على تطويق الخلايا التي يشتبه بمبايعتها لـ «داعش»، كانت «جبهة النصرة» تنقل معركتها ضد «فصائل الاعتدال» من ريف إدلب إلى ريف حلب الغربي، الذي شهد اشتباكات بينها وبين «حركة حزم» المدعومة غربياً.
وتخضع التطورات في الغوطة الشرقية لعاملين مستجدين: الأول القلق الذي سببه إعلان «الدولة الإسلامية» عن ظهوره العلني في الغوطة بعد اختفاء دام عدة أشهر، والثاني بدء الحديث، للمرة الأولى، عن مصالحة تشمل إحدى مدن الغوطة هي مدينة عربين. وإذا كان العامل الأول وضع بعض الفصائل تحت وطأة الإحساس بالخطر، نتيجة إدراكها معنى عودة «داعش» إلى المنطقة بعد الضربات العنيفة التي تلقاها من قبلها، وأودت بحياة العشرات من قادته، فإن العامل الثاني لعب على وتر الثقة بين بعض الفصائل التي بدأت تتبادل الاتهامات بالعمالة للنظام السوري. وقد أدى كلا العاملين إلى اشتباكات بين الفصائل.
وكان أبرز المستهدفين في الحملة التي شنّها «فيلق الرحمن» على خلايا متهمة بمبايعة «الدولة الإسلامية»، القائد السابق لـ «ألوية الحبيب المصطفى» القائد الحالي لـ «كتائب جند العاصمة»، التابعة لـ «ألوية الحبيب المصطفى»، أبو هارون جوبر. وداهمت مجموعة من «فيلق الرحمن» مقره الكائن في مدينة عربين، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بين الطرفين، سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى، وانتهت باعتقال أبو هارون واستسلام المتواجدين من عناصر كتيبته.
وأكد البيان الصادر عن المكتب الإعلامي في «فيلق الرحمن» على ارتباط «جند العاصمة» بتنظيم «الدولة الإسلامية»، متهماً أبا هارون «بمبايعة زعيمه (أبي بكر) البغدادي وتلقيه المال منه، وإيواء رؤوس العصابة في الغوطة الشرقية، وتقديم المساعدة إلى الخلايا الأمنية التي ارتكبت عدة جرائم». وكشف البيان عن ملاحقة «جماعة أبو زيد حوران» في بلدة عين ترما لنفس الأسباب.
ويتخوف بعض نشطاء الغوطة من أن تتحول تهمة مبايعة «داعش» إلى ذريعة تستخدمها الفصائل القوية للتخلص من خصومها. وفي هذا السياق، يشير أحد النشطاء إلى أن أبا هارون جوبر مطلوب من قبل زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش، لأنه قرر في كانون الأول الماضي، عندما كان يتولى قيادة «ألوية الحبيب المصطفى»، الانسحاب من التحالف مع علوش، وتعليق عضوية جماعته في «القيادة العسكرية الموحدة» التي يتولى علوش منصب «القائد العام» فيها، الأمر الذي اعتبره الأخير خروجاً عن طاعته، وهو ما استحق عليه أبو هارون هذا المصير الذي انتهى إليه.
وتزامناً مع ذلك، شهدت عربين، خلال اليومين الماضيين، اشتباكات أخرى، جرت هذه المرة بين «جبهة النصرة» و «لواء أم القرى»، والسبب إصرار الأخير على استكمال المفاوضات مع الجيش السوري لإتمام الاتفاق حول المصالحة في المدينة. وقد سبب اكتشاف ورقة مرسلة من قيادة اللواء إلى الجيش السوري لتجديد المفاوضات، إثارة غضب «النصرة»، التي سارعت إلى اعتقال أبي نعيم يعقوب الذي كان يحمل الرسالة، ثم عمدت إلى تطويق مقار اللواء في عربين، ما أدى إلى اندلاع الاشتباكات بين الطرفين سقط بسببها العنصر في «النصرة» أبو البراء الدوماني قتيلاً، واعتقل عدد آخر، وهو ما جعل عناصر «جبهة النصرة» يعلنون الاستنفار في المنطقة، بينما سارع عناصر «أم القرى» إلى نصب الحواجز وتحصين مواقعهم استعداداً لأي طارئ. وما زال التوتر يخيم على المدينة، خصوصاً بعد تهديد «جبهة النصرة» باقتحامها لتحرير معتقليها والانتقام لمقتل أحد عناصرها.
وفي غضون ذلك، كان عناصر «النصرة» على موعد مع معركة أخرى، لكن هذه المرة في حلب، وضد «حركة حزم»، التي تعتبر من أبرز الفصائل التي يصفها الغرب بـ»الاعتدال». حيث قامت مجموعات من الجبهة أمس بمحاصرة قرية الشيخ سليمان في ريف حلب الغربي، وداهمت مقار «حركة حزم» ومستودعات أسلحتها، بينما كانت مجموعات أخرى تنصب الحواجز وتنشر القناصين على أسطح الأبنية المحاذية لطريق أتارب ــ سرمدا.
وأعلنت «جبهة النصرة»، في بيان، أن سبب الهجوم هو «فشل المفاوضات لإطلاق سراح اثنين من عناصرها معتقلين لدى الحركة». غير أن مصدراً متابعاً قال، إن «هجوم النصرة يأتي في سياق محاولتها الهيمنة على الأرض، وتوسيع مساحة نفوذها وسيطرتها، ويبدو أن شهيتها انفتحت على ريف حلب بعد أن سيطرت على ريف إدلب».
وبما أن أي هجوم يحتاج إلى سبب، يقول المصدر إن «السبب المباشر للهجوم على مقار حركة حزم في الشيخ سليمان، هو وصول معلومات إلى جبهة النصرة بأن أحمد شما أحد قادة الحركة قام قبل أيام بتفريغ مستودعات الأسلحة ونقلها إلى منطقة غير معروفة، الأمر الذي أغضب جبهة النصرة التي تعتبر هذه المستودعات ملكاً لها، وتتهم حركة حزم بالاستيلاء عليها إبان المعارك مع جمال معروف، وقبل توقيع اتفاق تحييد حلب آنذاك».
ولم تؤد الاشتباكات بين الطرفين إلى وقوع قتلى، لكن «جبهة النصرة» تمكنت من اعتقال 15 عنصراً من «حركة حزم»، يعتقد أنهم سلموا أنفسهم من دون مقاومة.
وأصدرت الحركة بياناً اتهمت فيه «جبهة النصرة بالغلو والتكفير»، مؤكدة أنها ستدافع عن نفسها حتى آخر قطرة دم. ودعت باقي الفصائل إلى تفعيل اتفاق تحييد حلب، نظراً إلى خطورة الوضع في المحافظة، مهددة «بسحب مقاتلينا من كافة نقاط الرباط على جبهات حلب (ضد الجيش السوري) للدفاع عن مقار الحركة من غدر أي باغٍ».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد