عادل محمود : حسيب كيالي وسخرية لا تكفّ عن معاقبة العالم
الكتابة هي ثرثرة حكواتي على الورق. رغبة شفوية في القول والبوح وملء رئة الهواء بما يشكل الحيّز المرئي من العالم.
ليس هناك كتَّاب «غير موهوبين» لأن الكتابة موهبة كشم مضاعف بأنف مخصص لتمييز العطور, كما في كتاب زوسكيد «عطر الوردة». وربما تكون الكتابة موهبة الإعاقة كالعَرَج والحَوَل وجنون الرؤيا... تلك الاعاقة المتحولة الى دواء التعويض عن فداحة النقص الكائن في العالم.
ثمة موهوبون اكثر: اولئك الساخرون. الذين ان فتحوا فمهم فلكي يكشفوا لك عن اسنان الوجود وقد تكلخت من جثة الأمس! والذين يريدونك بقوة, ان تشاركهم فكاهة حياتنا وهي تلمّ من تحت الرجل الحي بساطاً لأنه ذاهب بعد هنيهة الى الجحيم.
«حديقة مقابل حلم... هذا عدل» ان العبارة من فم مملوء بالسخرية. وليس المفارقة البارعة. ففيها ما يكفي من الامل والعبث والاكتفاء وملة الانتظار.
قليلون هم الساخرون الموهوبون في بلادنا. ولكن احدهم كان من الطفولة الى الكهولة وحتى الموت مليئاً بسخرية لا تكفّ عن معاقبة العالم.
هذا الرجل اسمه حسيب كيالي من سوريا (إدلب) كان ابوه «مفتياً» ولكنه أولد حسين شيوعياً. في السجن, ايام الوحدة السورية المصرية, كان يسلي السجناء برواية الحكايات الطريفة.
يذكر رفاق حسيب كيالي «انه كان مستغرقاً في الحكايات في المهجع, عندما انفتح الباب, وطلب السجان من الرفيق خليل حنا. ان يتبعه الى غرفة التحقيق. قلنا له: إياك ان تنهار. فقال: كيف سأنهار ولم اسمع بقية قصة حسيب؟ ثم عاد بعد ثلاث ساعات مهشماً. فطلب, حتى قبل ان يشرب, ان يكمل له حسيب القصة. ففعل. وضحك خليل من كل قلبه, حتى وصلت قهقهته الى السجان, فصاح: وهل التعذيب يُضْحِك يا ابن القحبة؟
هكذا الكتاب الشفوي. فكيف بالمكتوب؟ لقد ادرك الطغاة دائماً خطر الحكي. وخطورة الكتابة. ولذلك دائماً تمنع الكتب في السجون الفادحة. ولأن الشيوعيين العرب مشهورون بحبهم للقراءة. فقد كانت عقوبتهم منع الكتب. ولأن الشيوعية متهمة بالإلحاد. كانت العقوبة الأشد, بنظر السجان, هي توزيع المصاحف والكتب الدينية على السجناء.
لن يستطيع احد منع القراءة لا في السجن بالمنع. ولا في الخارج بتزوير اهتمام البشر... باستهلاك المرئيات. الكتاب أ حد الباقين مع الصرصور, الى الابد, بعد القصف الذري للمعرفة.
كان الاسكندر المقدوني ينام وتحت مخدته: سيفه والإلياذة»!!
عادل محمود
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد