عادة أم عبادة..النقاب عادةٌ وثنيةٌ قديمة

قد يحسَب بعضُ القراء الأعزاء أن قضيةَ النقابِ والحجاب هي مسألةٌ دينية من حق الفقهاءِ وحدِهِم مناقشتَها، إلا أنني أرى أنها مسألةٌ اجتماعيةٌ بالدرجة الأولى، والحق والواجب يقضيان أن تتِمَ مناقشتُها من قبل المعنيين بالخير العام.

الشيء الأكيد هو أنه لا ذِكر للنقاب في القرآن الكريم، فالنقاب الذي يطمِس هويةَ المرأة، هو عادةٌ وثنيةٌ قديمة ورثها اليهود، إذ كانت المرأةُ التي تطلب الولد أو المتعة، تتنقب قرب المعابد لقضاءِ حاجتِها مع من تختارُهُ من الرجال، دون أن تعرف هويتُها.

يجمع معظمُ علماءِ المسلمين على أن النقابَ الذي يطمِس هويةَ المرأة هو "عادةٌ لا عبادة" ولا يحظى إلا بتأييدِ قلةٍ قليلة من الشيوخ السلفيين والوهابيين، بل إن الشيخَ الألباني الذي يعتبر من أهمِ المرجعياتِ المعتمدة من قبل السلفيين في العصر الحديث، يؤكد مراراً في كتابِهِ الشهير: (حجاب المرأة المسلمة) على جوازِ كشفِ وجهِ المرأة، وهناك إجماعٌ نسبي بين فقهاءِ المسلمين على أن الحجابَ الشرعيَ لا يشمَلُ الوجهَ والكفين، بل يقضي بـ "وجوب تغطية الشعر والنحر".

يعلم من يعرفني أنني مع حريةِ الفردِ في القيامِ بما يشاء، شريطة عدمِ إيذاءِ الآخر، غير أنني أرى أن النقابَ والحجاب هما شكلٌ من أشكالِ الهيمنةِ الذكورية، بشكلٍ عام، ولا يعالجا بالمنع! بل إن منعهُما قد يكون له تأثيرٌ عكسي. فقد لاحظنا جميعاً أن عددَ النساء السافرات في سوريا قد تناقص إثر قيام بعض الشابات الحالمات بنزعِ الحجاب عن رؤوسِ النساء في دمشق عام 1981.

وأنا إذ أتفق مع القائلين بأن الحجابَ والنقاب قد تحولا الى سلاحين في حربِ الرموز بين ما يسمى الإسلامَ السياسي والمجتمعَ المدني، أجزم بأن الحجاب ليس هو الضامنُ لأخلاقِ النساء بل التربيةُ والتعليم. فالعفةُ والفضيلة صفتان موجودتان بين السيداتِ السافرات بقدرِ وجودِهِما بين المحجبات، لذا أطالب المراجعَ الدينيةَ أن تحسِمَ هذه المسألة بشكلٍ نهائي وأن تجيبَ المسلمين بشكلٍ لا يقبل أيَّ تأويل، مرةً واحدة وإلى الأبد، على السؤال الذي يتردد في أذهانِ الجميع: هل "الحجاب عادة أم عبادة"؟ علنا نوفر على أنفسِنا معركةً زائفةً أخرى تشغلنا عن الالتفاتِ إلى معارِكِنا الحقيقية المصيرية.

حسن م يوسف