ضعف الوعي التأميني لدى المواطن السوري
ربما لا يقل حجم حالة الترقب والقلق تجاه أداء سوق التأمين السورية بصيغتها الجديدة، عن حجم التعويل على هذه السوق، المنتظر منها أن تحقق إضافة اقتصادية من جانب واجتماعية من جانب آخر.
وتعود حالة القلق هذه ليس للشكل الفني والهيكلي الذي استقرت عليه صيغة السوق الجديدة في مرحلة إعادة الاقلاع والانتعاش بل لخصائص المجتمع السوري، والاعتبارات التي يتم اعتمادها عادة كمؤشرات، يمكن من خلالها التنبؤ بمستوى الأداء المنتظر.
ودعونا نعترف هنا أن ثمة معطيات كثيرة، لا تخلو من بعض السلبية في ايحاءاتها، الأمر الذي يصعب المهمة أمام الشركات الجديدة الوافدة؟
لأن المطلوب ليس فقط صياغة وبناء سوق وإيفاءها مستحقاتها فنياً وتشريعياً ، بل يتعدى الأمر إلى ضرورة صياغة ثقافة تأمينية في مجتمع ، طالما كان تعاطيه مع هذا الجانب الحيوي محدوداً.!!
أربع شركات تأمين جديدة. حصلت على تراخيص مزاولة ، بعضها أقلع وبعضها يستعد للاقلاع، والجميع مشغول حالياً، بوضع برامجه وتفصيلها على قياس السوق السورية، التي لا تشبه في خصائصها أياً من أسواق التأمين العربية.
وثمة بعض المؤشرات التي يمكن استنتاجها من استبيان كانت أجرته هيئة الإشراف على التأمين تعكس بدقة الخصائص التي أشرنا إليها، وبالتالي تضعنا أمام تفاصيل صورة المهمة الصعبة.
فعلى سبيل المثال - حسب الاستبيان- 79.8٪ من السوريين ليس لديهم فكرة عن التأمين، و85.9٪ يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة للتأمين!!
ومازال حتى الآن في هذا العصر، عصر انتعاش تجارة الخدمات، 11.4٪ من السوريين يعتقدون أن التأمين يخالف الدين، رغم أن العينة المستفتاة، كلها من المثقفين وبعضهم نخبة!!
ومازال 8.8٪ يعتقدون أن ثمة تشابهاً بين القمار والتأمين.!!
كما يعتقد 41.4٪ من العينة أن التأمين على السيارات -مثلاً- يشبه الضريبة.
وكل المعطيات السابقة تندرج في خانة قصور الوعي التأميني. وهو العقبة الصعبة ، أمام تحرك الشركات الجديدة، وهي بحاجة لبذل جهود مضنية ، لتجاوزها.
يضاف إلى ذلك عقبة أخرى ربما تبدو أصعب من إشكالية الوعي التأميني وهــي معــــدلات دخــــل الأفــراد ، المتواضعة نوعاً ما ، والتي تجعل من شراء وثيقة التأمين فعلاً ترفياً، يسقط اعتباره كأولوية، أمام إلحاح المتطلبات المعيشية اليومية.
وقد خرج لنا استبيان هيئة الإشراف على التأمين بنسبة 57٪ يعتقدون أن وضعهم المادي يمنعهم من حجز مكان لهم تحت مظلة تأمينية.
عقبتان ليستا بالسهلتي التجاوز والمعالجة، ضعف الوعي التأميني وضعف الدخل المادي للمواطن السوري. ويبقى من الفضول هنا السؤال: كيف ستتجاوز الشركات الجديدة هاتين العقبتين وماذا أعدت لذلك؟؟
لا يبدو عزت الاسطواني مدير عام الشركة المتحدة للتأمين متشائماً من وضع السوق، رغم إدراكه للعقبات الماثلة أمامها وخاصة عقبتي الوعي التأميني وضعف الدخل المادي. ويعتقد أن معالجة هاتين المسألتين ممكنة وسيكون ذلك بشكل تدريجي ومدروس. فالوعي التأميني سيتم العمل عليه عبر كادر تسويق مدرب قادر على الاقناع، وإزالة اللبَّس في النظرة إلى سلعة التأمين. ثم عبر التعاون مع مختلف وسائل الإعلام فهي الأقدر على بلورة ثقافة تأمينية جديدة، تتيح مناخاً جيداً لانتعاش سوق التأمين.
أما فيما يخص الجانب الآخر المتعلق بتواضع معدلات الدخل وبالتالي تواضع حصة الفرد السوري من إجمالي أقساط التأمين السنوية المعلنة. والتي لم تتجاوز 6 دولارات للفرد الواحد سنوياً، فيرى الاسطواني: ان تواضع هذه الحصة لا يعود فقط إلى ضعف معدل دخل الفرد في سورية ، بل إلى عدم وجود منتجات تأمينية في السوق السورية، تلبي متطلبات كافة الشرائح الاجتماعية.
فالسوق هنا تفتقر بالدرجة الأولى للتأمين الصحي ثم لتأمينات الحياة، وهما منتجان على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لشركة التأمين وللزبون على حد سواء.
لذلك يتوقع أن يحظى هذان المنتجان بإقبال واسع، ولا سيما، أن «المتحدة» طرحتهما بأسعار متواضعة تتناسب مع دخل الشريحة الكبرى من المواطنين السوريين. فمثلاً تم تسعير وثيقة التأمين الصحي بـ 6 آلاف ليرة سورية حتى عمر 18 سنة، وبحجم خطر يصل إلى 1.5 مليون ليرة سورية .
كما تم إعداد خدمات إضافية جاذبة، مرافقة لوثيقة التأمين الشامل للسيارات، وبشكل عام تم تحضير سلة منتجات وافية تناسب متطلبات كافة أشكال النشاط الاقتصادي والفردي الاجتماعي وهذا يعد بنسب تسويق وأداء جيدة ويعتبر الاسطواني أن بيع شركته لأكثر من 500 وثيقة تأمين في دمشق وحلب، وبأقساط تزيد عن 40 مليون ليرة سورية خلال الأيام الأولى للاقلاع، هر مؤشر جيد ويدعو للتفاؤل بمستقبل السوق بشكل عام.
إذاً، الضعف في الوعي التأميني والدخول المادية، لن يكونا عقبتين مثبطتين لأداء السوق السورية. لكن إلى أي حد يمكن التفاؤل بانتعاش السوق، وهل ستحصد الشركات الجديدة أرباحاً جيدة ، يمكن من خلالها استنتاج أن تطوراً لافتاً طرأ على أقساط السوق، وبالتالي على حصة الفرد السوري من إجمالي هذه الأقساط سنوياً..؟
هنا يفصل الاسطواني بين الأرباح والأقساط في السنوات الأولى للاقلاع. ويرى أنه قد لا تتحقق أرباح تضاف على قيمة السهم في الشركة هذا العام لكن ذلك ليس مؤشراً يمكن الركون إليه في توقع حجم الأقساط المقبلة. وبالتالي تقدير حصة الفرد السنوية من الأقساط.
فثمة زبائن سوريون كثر وكبار انضووا تحت مظلات شركات تأمين خارج سورية، بسبب غياب بعض المنتجات وضعف مستوى الخدمات في السوق السورية. وهذا واقع ساد لفترة طويلة من الزمن . هؤلاء سيعودون إلى السوق المحلية. لأنهم قاطعوها مكرهين عندما لم تتوفر لهم المنتجات المطلوبة، وعودتهم مضمونة لأنهم ليسوا مضطرين للبحث عن منتج في الخارج عندما يتاح أمامهم وبشكل ميسَّر هنا في سوقهم، ثم أنهم سيحظون هنا بغطاء قانوني، قد لا يكون متاحاً لهم في الخارج.
كل ذلك إلى جانب المنتجات الكثيرة المعدة للطرح في السوق وأشكال التسويق وتقديم الخدمة ، والتوعية ، يعد بشيء من التحسن في إجمالي أقساط السوق، وبالتالي ارتفاع حصة الفرد السوري منها، تلك الحصة التي سترتفع بكل تأكيد مع نهاية هذا العام لكن ربما بشكل طفيف، لكنها ستكون أفضل بكثير في العام القادم.
إذاً، ثمة تفاعل منتظر في سوق التأمين السورية، وربما يمكن تلمس شكلاً من أشكال المنافسة فيما بين الشركات، فهل سينعكس ذلك على الزبون ، ويتيح أمامه سلعة تأمينية أكثر جودة وأقل سعراً، وبالتالي يحفزه ليكون زبوناً جديداًَ لقطاع طالما قاطعه لأنه كان غائباً عن مضمار أولوياته..؟
مدير عام «المتحدة» يرى أن المنافسة ستكون منافسة في شكل وجودة الخدمة، ووسائل تقديمها، وليس بالسعر، لأن موضوع السعر لم يعد قابلاً للكثير من النقاش والجدل، لأنه مفصل على قياس معدلات الدخل في سورية. وهي متواضعة كما نعلم، بالتالي كان السعر متهاوداً لدرجة أن تخفيضه أكثر من ذلك سيؤثر على جودة المنتج وشكل الخدمة.
المنافسة في السوق السورية الآن وفي المدى المنظور منافسة في الخدمة وليس في السعر. والخدمة عامل مهم في الجذب والاقناع وبالتالي يمكن التعويل عليها كعامل حسم في المنافسة، ثم في تفعيل وتنشيط السوق، عبر تفعيل أداء مختلف الشركات العام منها والخاص.
ناظم عيد
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد