شيراك أمام القضاء الفرنسي: متهم في صيغة شاهد

20-07-2007

شيراك أمام القضاء الفرنسي: متهم في صيغة شاهد

حين انتخب جاك شيراك لولاية رئاسية ثانية سنة ،2002 كتب احد الكتاب الفرنسيين يقول “ان الفرنسيين امام مفارقة عجيبة، فبدلا من ان يودع شيراك في سجن سانتييه، ها هو يعود من جديد الى قصرالأليزيه”. رغم مرور حوالي خمس سنوات على هذه الجملة المعبرة جدا، فقد اكد القضاء الفرنسي امس، انه ليس في وارد أن يغلق الملفات القضائية للرئيس السابق، وهاهو يبدأ باستجوابه ك “شاهد” في قضية تمويل حزب اليمين التقليدي الرئيسي، “التجمع من اجل الجمهورية” الذي كان قد اوصله الى الرئاسة في دورتي 1995 و2002 قبل ان يتحول بعد فوزه في الولاية الثانية، الى حزب “ الاتحاد من اجل الحركة الشعبية”.

لم تعهد فرنسا استجواب رئيس سابق، لا كمتهم ولا كشاهد منذ تأسيس الجمهورية الخامسة سنة ،1958 وقد خرج الرؤساء السابقون من “الأليزيه” بسمعة عطرة، من دون ان تلحق بأحدهم تهمة فساد واحدة، ولهذا يعتبر شيراك استثناء بين زعماء فرنسا الكبار، فقد بقيت الشائعات وتهم الفساد تطارده قبل وصوله للرئاسة، واثناء وجوده في الأليزيه لمدة 12 سنة، وهو معروف عنه انه رجل وظف نفوذه السياسي في خدمة شؤونه الشخصية، واستفاد لذلك من صداقاته المتعددة من اليابان وحتى لبنان مرورا بإفريقيا، ورغم ان القضاء لم يطله شخصيا، فإن هناك عدة ملفات قضائية تبدأ وتنتهي عنده، ولم تتح للقضاء ولا مرة امكانية الامساك بالخيط السري الذي يوصله الى اللاعب الاساسي. فالمسألة بقيت قبل كل شيء متعلقة بالحصانة التي كانت يتمتع بها، وكلما ذكر اسمه في السابق كان هناك طريقة لابعاد الشبهة عنه، وهناك رجال يسقطون قبل ان تصل السكين الى حلقه. بالامس ليس بالبعيد احترق اقرب اصدقائه رئيس الوزراء الاسبق وعمدة مدينة “بوردو” الحالي آلان جوبيه، واليوم تدور الدوائر على رئيس وزرائه الشاعر والمثقف دومينيك دوفيلبان، الذي بات على قاب قوسين او ادنى من السجن.

لم تكن مفاجأة مسألة استجواب شيراك امس ك “شاهد”، من طرف “آلان فيليبو” قاضي محكمة منطقة “نانتير”، المكلف بالتحقيق في قضية فساد تتعلق بتمويل حزب “الاتحاد من اجل الجمهورية”(فضيحة حقيبة الاموال)، و”وظائف وهمية” في بلدية باريس، التي بقي شيراك يشغل موقع عمدتها حوالي 18سنة( 1977-1995) هذا غير الحسابات الشخصية في الخارج، ومنها في الخصوص ذلك الذي جرى الحديث عن انه افتتحه في اليابان، والطريف في الأمر ان التحقيق من طرف جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية من حول هذا الحساب، كان السبب في قرار شيراك سنة 2002 اعفاء رئيس الجهاز في حينه، السفير جان كلود كوسران من مهامه، وتشاء الصدف ان يتولى هذا الديبلوماسي المرموق حاليا مهمة اعادة تفعيل الحوار اللبناني اللبناني. وكانت سنة 2002 الاكثر اثارة على صعيد هذا الملف حينما اثار القاضي “اريك هابلان” فضيحة “الحقائب المليئة بالاموال”، التي وضعت في حسابات حزب “الاتحاد من اجل الجمهورية”.

لقد حاول هذا القاضي عبثا اقناع شيراك بحضور الاستجواب كشاهد، لكنه رفض في صورة قاطعة وتحصن من وراء الحصانة، بل ذهب اكثر من ذلك عندما استصدر قرارا من “محكمة التمييز”، يمنح رئيس الدولة حصانة دائمة طيلة ولايته الدستورية، وبذلك وقعت القضية على مساعديه وخصوصا جوبيه الذي حكم في قضية “الوظائف الوهمية”، بالسجن لمدة 14 شهرا مع وقف التنفيذ، وتم تجريده من حقوقه الدستورية لمدة سنة، بالاضافة الى مجموعة أخرى من المساعدين منهم ميشيل روسان .

لم يذهب شيراك امس الى مكتب القاضي، وانما حضر القاضي لاستجوابه في المكاتب الجديدة التي يشغلها كرئيس سابق، وتم استجوابه بصفة “شاهد”، وهي وضعية تقع في منزلة وسط بين الشاهد العادي، والمتهم الذي يمتلك القضاء ضده قرائن محددة.

وأشار محامي الرئيس السابق ان الاستجواب تركز على الملفات القديمة، ولم يتطرق الى قضية “كليرستريم”، التي يجرى التحقيق بصددها حاليا، وتم الحديث اكثر من مرة عن ضلوعه فيها. وبدت اوساط الرئيس السابق واثقة من ان تبقى المسألة عند حدود الاستجواب، الذي يهدف لاغلاق الملف القضائي لجملة القضايا السابقة، وهي ترى انه لن يتعرض لأية مساءلة قانونية. وبررت ذلك ببعض المواد الدستورية، ومبادئ حقوق الانسان. إلا ان اوساطا مراقبة في باريس تقدرأن ملف شيراك القضائي تم فتحه ولن يقف عند هذا الحد، وفي حين يستبعد دخوله السجن، فإنه سوف يتعرض لحملة تشهير معنوية، بينما سيقع الاذى الفعلي على مساعديه كالعادة، ويتوقع في هذا الاطار ان يسقط دوفيلبان ككبش فداء لقضية “كلير ستريم”، مثلما دفع جوبيه ثمن قضية “الوظائف الوهمية”.

بشير البكر

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...