سيناريو إعادة تطبيع العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى أين؟
الجمل: تحدثت التقارير الإعلامية عن بعض التحركات الجارية في العلاقات التركية-الإسرائيلية وذلك على أمل أن تعود علاقات خط أنقرا-تل أبيب إلى حالة التعاون الماضي بدلاً من حالة الصراع الحالي: فما هي هذه التحركات؟ وما هي مفاعيلها؟ وما مدى مصداقية الرهان على إمكانية عودة الحيوية والدفء لدبلوماسية خط أنقرا-تل أبيب؟
* ملف العلاقات التركية-الإسرائيلية: توصيف المعلومات الجارية
شهد ملف العلاقات التركية-الإسرائيلية تطوراًَ متزامناً، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال تزامن تطورات الأحداث والوقائع الجارية على خط دبلوماسية أنقرا-تل أبيب على النحو الآتي:
• قيام أنقرا بإرسال فريق إطفاء تركي للمشاركة في الجهد الدولي المتعدد الأطراف لجهة مساعدة إسرائيل في إطفاء حريق الكرمل والسيطرة على نيرانه قبل أن تستفحل أكثر فأكثر.
• استضافة العاصمة السويسرية جنيف للقاء دبلوماسي جمع بين والتركي فيريدون سينيرليوغلو السفير الذي يتولى حالياً منصب مساعد وزير الخارجية التركي.
تشير المعطيات والوقائع الجارية إلى أن ردود أفعال تل أبيب إزاء تركيا تميزت هذه المرة بأنها أكثر إيجابية عما كانت عليه في الماضي، ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:
• الأداء على الجانب الإسرائيلي: وقد تضمن الآتي:
- تعمد قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي شخصياً باستقبال وفد وحدة الإطفاء التركية.
- إعلان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الاتصالات قد بدأت ومازالت جارية مع تركيا.
- حديث مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى بوجود محاولة جارية لوضع مسودة اتفاق يتم التفاهم حوله ورفعه لأنقرا وتل أبيب لجهة الموافقة النهائية عليه.
• الأداء على الجانب التركي: وتضمن الآتي:
- قيام تركيا بإرسال مساعد وزير الخارجية لمقابلة السفير الإسرائيلي وليس إرسال سفير لمقابلة سفير كما جرت العادة والأعراف الدبلوماسية.
- قيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالاتصال هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفتح النقاش معه.
- تأكيد أردوغان لنتنياهو بأن تركيا وإن كانت تصر على مطالبة إسرائيل بالاعتذار ودفع التعويضات، فإنها سوف تساهم في جهود مساعدة إسرائيل لإطفاء النيران، وبالتالي فهي تنظر بشكل منفصل لهذه وتلك.
* جدول أعمال جنيف الإسرائيلي-التركي: ماذا تقول التفاصيل؟
أشارت بعض التسريبات الإسرائيلية إلى أن لقاء جنيف التركي-الإسرائيلي سوف يتضمن القيام بالآتي:
- التفاهم التركي-الإسرائيلي حول كيفية حل الخلافات الجارية على خط أنقرا-تل أبيب.
- وضع السيناريو المقبول ضمن الحد الأدنى الذي يتيح لكل طرف تلبية مطالب الآخر.
- الاتفاق على صيغة مقبولة إسرائيلياً-تركياً لجهة قيام تل أبيب بدفع التعويضات المطلوبة تركياًَ للخسائر الناتجة عن حادثة قافلة الحرية.
- الاتفاق على الترتيبات الدبلوماسية المشتركة لجهة قيام انقرا بإعادة سفيرها إلى تل أبيب، وفي نفس الوقت قيام أنقرا باعتماد أوراق السفير الإسرائيلي الجديد والذي سوف يحل محل السفير الحالي لدى تركيا غابي ليفي والذي تنتهي فترة عمله في مطلع الصيف القادم.
تقول التسريبات الإسرائيلية بأن سيناريو إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا في طريقه إلى أن يرفع من وتائر الخلافات بين معسكر الليكود الإسرائيلي الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعسكر إسرائيل بيتنا الذي يقوده وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان . وفي هذا الخصوص أشارت التسريبات إلى أن مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي قد أكد وجود الاتصالات التركية-الإسرائيلية، وأكد أيضاً بأن وزير الخارجية ليبرمان قد تم إطلاعه بالتطورات الجارية على خط تل أبيب-أنقرا ولاحظت الأوساط المختصة بالشأن الدبلوماسي-السياسي الإسرائيلي بأن مكتب وزير الخارجية والوزير ليبرمان نفسه قد امتنعا عن تقديم أية تعليقات حول هذه التطورات، الأمر الذي فسره المحللون السياسيون بأنه يندرج ضمن رفض الوزير ليبرمان لمحتوى التحركات الجارية في جنيف على خط تل أبيب-أنقرا، إضافةً إلى سعي ليبرمان إلى التمسك بموقفه السابق إزاء كيفية تطبيع العلاقات التركية-الإسرائيلية ورفضه القاطع لمبدأ قيام إسرائيل بالاعتذار وتقديم التعويضات، وبالتالي، فمن المتوقع أن تجد مسودة الاتفاق الإسرائيلي-التركي المتوقعة المزيد من تحفظات ورفض ليبرمان، وحالياً، تشير التسريبات إلى أن سيناريو الاتفاق سوف يتضمن إلزام إسرائيل بالآتي:
- تقديم اعتذار مخفف اللهجة.
- تقديم التعويضات على أنها تعويضات إنسانية لمساعدة أسر الضحايا وليس لصالح الحكومة التركية.
هذا، وإضافة لذلك، فقد أشارت التسريبات الإسرائيلية إلى أن الموقف التركي الحالي الذي بدا منفتحاً إزاء عودة تطبيع علاقات أنقرا مع إسرائيل هو موقف سببه الآتي:
• الضغوط الأمريكية المتزايدة على أنقرا.
• انخفاض عائدات السياحة التركية بسبب الانخفاض الكبير في أعداد السياح الإسرائيليين هذا الصيف.
• حاجة تركيا المتزايدة لتنفيذ صفقة الطائرات الإسرائيلية بدون طيار.
• مخاوف تركيا من احتمالات نجاح تل أبيب في بناء تحالف إسرائيلي-يوناني يؤثر على حسابات أنقرا إزاء الصراع التركي-اليوناني حول الملف القبرصي وملف الجزر البحرية المتنازع عليها في المنطقة البحرية.
• مخاوف تركيا من أن تنجح مبادرة الشراكة الشرقية في استقطاب أذربيجان وأرمينيا والتي بدأت حالياً في مساعي حل نزاع إقليم ناغورنو-كرباخ، وكيفية خروج القوات الأرمينية من أذربيجان.
تشير التوقعات إلى احتمال نجاح اتفاق جنيف في استعادة حالة تطبيع العلاقات الدبلوماسية على خط أنقرا-تل أبيب، ولكن برغم ذلك، فمن الصعب على إسرائيل الالتزام باعتماد الأداء السلوكي الشرق أوسطي الذي يحترم حقوق الآخرين ويساعد على تحقيق الاستقرار. وفي نفس الوقت من الصعب على أنقرا القبول بالتجاوزات والانتهاكات الإسرائيلية العدوانية المتكررة، وذلك لأن حكومة حزب العدالة والتنمية التركي هي ليست حكومة تكنوقراط، وإنما هي حكومة مشروع إحيائي نهضوي تركي، وبالتالي، فإن الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية سوف يظلان أكثر ارتباطاً بالرأي العام التركي، الذي أصبح خلال الفترة الراهنة أكثر حساسية لجهة الرفض القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، وبالتالي فمن غير الممكن عملياً للسلطات التركية قمع الرأي العام التركي والوقوف إلى جانب إسرائيل على غرار ما كان يحدث في الماضي، ومن ثم فإن أي عدوان إسرائيلي سوف تقابله الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع السياسي التركي، وعندها لن يكون أمام نخبة حزب العدالة والتنمية الحاكم سوى خيارين: الأول هو الوقوف إلى جانب الرأي العام التركي الرافض لإسرائيل، والثاني هو الوقوف إلى جانب إسرائيل وخسارة الرأي العام التركي، وهو ما لا يستطيع أحد أن يقوم به طالما أن الخسارة سوف تكون فادحة، فهل يا ترى سوف تكف إسرائيل عن انتهاكاتها العدوانية لكي تكسب تركيا؟ أم أن الحكومة التركية سوف تقف حالياً إلى جانب إسرائيل لكي تخسر شعبها؟!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد