سياسة التحالفات السورية.. كتاب لبشار الجعفري يبحث في تاريخنا المعاصر

12-05-2015

سياسة التحالفات السورية.. كتاب لبشار الجعفري يبحث في تاريخنا المعاصر

يسد كتاب سياسة التحالفات السورية 1918-1982 للدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة يسد فراغا في المكتبتين العربية عموما والسورية خصوصا ذلك لأنه من الكتب النادرة التي بحثت في التاريخ السوري المعاصر بعيدا عن أي تحزبات أو اصطفافات أو أيديولوجيات مسبقة فضلاً عن غناه بالمعلومة التاريخية والكشف عن الكثير من الأسرار التي خبأتها زوايا السياسة ودهاليزها.

ومادة الكتاب كما يوضح المؤلف هي في الأساس مضمون أطروحة دكتوراه دولة في العلاقات السياسية الدولية التي حصل عليها من جامعة السوربون في باريس في عام 1989 لكنه كما يبين قام على مدار الأعوام الماضية بمراجعتها وإغنائها وتنقيحها ببعض المراجع المهمة التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين وبما يتلاءم مع روحية البحث العلمي وتثبيت أو تطوير حقائق سياسية ذات صلة مباشرة بالتطورات والتحديات التي واجهتها المنطقة وسورية بشكل خاص منذ عام 1989 وحتى أيامنا هذه.

والواقع أن كتاب الدكتور الجعفري تحرر نهائيا من المطبات التي وقعت فيها المؤلفات التي تناولت تاريخ سورية الحديث فجنح بعضها إلى الإغراق في الايديولوجيا ما أضعف الجانب العلمي فيها وقلل من أهميتها أو محاولة إظهار مكونات المجتمع السوري كفئات متنافسة ومتعارضة وهو ما اتسمت به النظرة الغربية للمؤلفين الأوروبيين والأمريكيين أو الاكتفاء بمراجع محددة للبحث وتكرار ما جاء فيها ولا سيما كتب باتريك سيل دون البحث عن آفاق أخرى تعطي البحث التاريخي مجالا أوسع.

وعمد المؤلف في الكتاب إلى استقاء معلوماته من مراجع شتى عربية وأجنبية ونشرات وكالات الأنباء ومقالات الصحف فضلا عن حوارات شخصية قام بها ليأتي الكتاب جديدا في كل شيء وفي الوقت ذاته موغلا في الموضوعية التي ضاهى بها كتابات الغربيين.

وعند قراءة الكتاب نجد أن الدكتور الجعفري غاص عميقا في دهاليز السياسة وكشف الكثير عن خفاياها ليدلنا من غير أن يصرح بذلك أن ما تشهده سورية حاليا حصيلة محاولات عمرها عشرات السنين من أطراف غربية وإقليمية وعربية أرادت منذ زمن التحكم في القرار السوري وتطويع هذا البلد لمصلحتها لما تشكله من أهمية على مستوى المنطقة والعالم بأسره.

وعبر الكتاب يوضح المؤلف بالوثيقة كيف تورط إقطاعيون سوريون ولبنانيون في بيع أراضيهم داخل فلسطين لمستوطنين يهود مقابل مبالغ خيالية قبيل نشوء الكيان الصهيوني وكيف تسبب الحكم الهاشمي في الأردن في عهد عبد الله الأول باستشهاد عدد كبير من الجنود والضباط السوريين خلال حرب سنة 1948 إضافة الى المباحثات السرية التي دارت بين عبد الله الأول وزعماء صهاينة.

كما يعرض المؤلف وجهات نظر لباحثين غربيين تعكس حقيقة نظرتهم السلبية للعرب وعن اعتبارهم أن القومية العربية هي التهديد للهيمنة الغربية لتمسكها بالعلمانية ورفضها هيمنة الدين ولموقفها من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين.

ويسهب المؤلف في شرح الأهمية التاريخية لسورية الطبيعية منذ أقدم العصور والتي أدت دوما دورا استراتيجيا في الدفاع عن المنطقة حيث سعى الساسة السوريون منذ الأزل الى الدخول في تحالفات أو قيادتها للتصدي للعدوان الخارجي وصولا إلى القرن العشرين عندما تحررت سورية من العثمانيين لتقع في قبضة الاحتلال الفرنسي والنضال الوطني الذي أثمر عن تحقيق الاستقلال سنة 1946 بعد مقاومة عسكرية وسياسية طويلة وإثر ضغوط دولية على الفرنسيين.

ويقف الدكتور الجعفري عند مرحلة ما بعد الاستقلال وتأثير القضية الفلسطينية على الوضع السياسي الداخلي السوري ومرحلة الانقلابات العسكرية التي نجد أنها حدثت نتيجة لتدخل أنظمة عربية سعت لإيصال شخصيات تحقق مصالحها إلى سدة الحكم في سورية حتى قيام الوحدة مع مصر والتي طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر أن تكون اندماجية خلافا لرغبة السوريين حتى يستطيع لعب دور أكبر في المنطقة عبر الهيمنة على القرار السياسي السوري.

ونجد في الكتاب أن العداء الذي طبع تعامل السياسة المصرية مع حزب البعث في سورية والعراق خلال حقبة الستينيات لعب دورا سلبيا في عدم قيام رد عربي حقيقي إزاء الاعتداءات الاسرائيلية رغم مطالبات السوريين المتكررة بذلك حتى وقوع نكسة حزيران عام 1967 لنكتشف بعدها عبر صفحات الكتاب أن مصر طلبت وساطة الملك الأردني الحسين بن طلال في فتح قناة تفاوض سرية مع الكيان الصهيوني.

ويشير الكتاب إلى سعي القائد الخالد حافظ الأسد الدؤوب خلال مرحلة السبعينيات لصنع تحالف عربي تجلى في حرب تشرين التحريرية ثم مع دول ما سمي جبهة الصمود بعد خروج مصر من دائرة النزاع العربي الاسرائيلي ثم مع العراق وحربه مع إيران مبينا أن الموقف السوري الرافض لهذه الحرب والداعي للتنسيق مع القادة الإيرانيين الذين أعلنوا موقفا واضحا من القضية الفلسطينية شكل محورا جديدا في المنطقة بات يحسب له ألف حساب.

كما يتطرق الكتاب إلى ملف الحرب الأهلية اللبنانية كاشفا عن الدور الإسرائيلي في إذكاء الصراع الداخلي داخل هذا البلد والذي أخذ بعدا طائفيا مقدما الوثائق التي تؤكد محاولات ساسة اسرائيليين منذ الخمسينيات العثور على شخصية عسكرية لبنانية تقيم تحالفا مع الكيان الصهيوني وتسهل له احتلال لبنان.

وفي إطار دراسة المؤلف لماهية التحالفات السورية يجد أن ميزة هذه التحالفات على الصعيد العربي رفضها للنزعة السورية الإقليمية وتثمينها الدائم للعروبة وتصديها القاسي للنزعات الانعزالية وأما على الصعيد الخارجي فهي تدعيم العلاقة التحالفية مع الدول الصديقة والحفاظ على الاستقلال الوطني ودمج الصوت العربي الموحد في نسيج لعبة التوازنات الدولية بما يخدم الحفاظ على سمعة وكرامة ومصالح العرب.

وإذا كان الكتاب إضاءة حقيقية لتاريخ بلد حيوي ومحوري في المنطقة وعلاقاته خلال فترة لاهبة من القرن العشرين لغناه بالمعلومة واهتمامه بالتوثيق الدقيق والمرجعية العلمية فإن غلبة الجانب الأكاديمي تؤثر على الإحاطة به من القارئ العادي لأن المؤلف لم يعمد إلى تبويبه وفق التسلسل التاريخي بل وفق الأفكار التي عنون بها الأقسام الرئيسية للكتاب.

يشار إلى أن الكتاب من إصدار دار بيسان للنشر والتوزيع في لبنان سنة 2015 ويقع في 685 صفحة من القطع الكبير.

والجدير ذكره أن مؤلف الكتاب الدكتور بشار الجعفري الذي يشغل حاليا مندوب الجمهورية العربية السورية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك حاصل على إجازة في الأدب الفرنسي ودبلوم دراسات عليا في الترجمة والتعريب من جامعة دمشق سنة 1978 وماجستير في العلاقات السياسية الدولية من المعهد الدولي للإدارة العامة في باريس سنة 1982 وماجستير في إدارة المنظمات الدولية من جماعة سو بباريس سنة 1982 ودكتوراه في العلوم السياسية من نفس الجامعة سنة 1984 ودكتوراه دولة في العلوم السياسية من جامعة السوربون بباريس سنة 1989 ودكتوراه في تاريخ الحضارة الإسلامية في جنوب شرق آسيا من جامعة شريف هداية الله بإندونيسيا سنة 2002 وله العديد من المؤلفات وهي “الجماعات المصلحية الضاغطة في الولايات المتحدة الأمريكية” سنة 1983 و”السياسة الخارجية السورية 1982 – 1946″ سنة 1986 و”الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد” سنة 1994 و”أولياء الشرق البعيد” سنة 2003.

سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...