سوريا تصلح اقتصادها لتستقطب الاستثمارات
مر قرار رفع سعر المازوت في سوريا بسلام، أو على الأقل هذا ما يجزم به الكثير من المسؤولين الاقتصاديين السوريين، باعتبار أنه تم احتواء ارتفاع الأسعار بقرارات مساعدة زراعية، تزامنت مع زيادة الرواتب.
لكن ثمة استنتاجا آخر يسوقه مسؤولون وخبراء اقتصاديون، وهو أن «قرار الإصلاح الاقتصادي في سوريا وصل إلى نقطة اللاعودة»، وخصوصاً بعد إنجاز جزء كبير من التغيير التشريعي (نحو 1000 مرسوم وقانون أنجزت خلال أربع سنوات)، ما يعني أن الجزء الرئيسي من القانون السوري تغيّر.
وفي هذا السياق، تبرز تحولات عديدة، بينها تحرير الأسعار بحيث تصبح «الحرية هي الأساس والمنع هو الاستثناء»، أي أن مواد محدودة هي التي ستبقى مدعومة حكومياً، فيما تخضع بقية المواد لشروط العرض والطلب، الأمر الذي يعتبره المسؤولون السوريون من متطلبات المرحلة التي تمزج بين الإدارة المركزية للاقتصاد وإدارة الســوق له، ما ترك تأثيراً كبيراً على سوق العمل، فارتفع من يعمل لحسابه في سوريا إلى مليونين ومئتي ألف من بين خمسة ملايين و300 ألف عامل، عن مليون ونصف المليون في ,2004 وهي أرقام فسّرها محللون اقتصاديون حكوميون أن «المجتمع السوري بدأ يؤمن بالمبادرة الخاصة»، معتبرين أن أهم ما يواجه الاقتصاد السوري هو تحسين شروط البيئة الاستثمارية، بدت ملامحها تظهر وتحديداً من الخليج العربي.
ويقول مسؤول كبـير إن ســوريا تريــد أن «تصبح وطنــاً للاستثــمار قريباً»، محذّراً «أي مســؤول يقول لا للمســتثمر بأنه سيــفقد موقعه»، موضحاً «تم وضع آلية تسمح بتحديد مكــمن العقبات المعطِّلة، لتتم معالجــتها بحــزم»، خــاتماً إن أمام بلاده «فرصاً ممتازة وهي ليست مستعدة لتضييعها بسبب رئيس بلدية»!
وكانت الحكومة اتخذت، بعد جلسة ترأسها الرئيس السوري بشار الأسد قبل نحو شــهرين، قراراً للتشديد في مكافـحة الفـساد. كما سبق للحــكومة أن صادقت على اتفـاقية مع الأمم المتحدة لمكــافحة الفساد، تشمل العــمل على تتــبع ملكيات المسؤولين الحكوميين، بمختلف مستوياتهم، (وزراء ومحافظون وقضاة ومشرعون ورؤساء البلديات والمدراء العامون..الخ).
وثمة قرار آخر يتمثل في تصريحات معلنة لرفع سعر الفيول للسعر العالمي بنهاية تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة، وذلك في نهاية عام .2010 وهذا لا يأتي فقط في سياق التحرك المدروس نحو اقتصاد السوق، وإنما أيضا لمواجهة تحديات أخرى، كالارتفاع الشديد في أسعار النفط، والتغير المناخي وانعكاساته على أسعار المواد الغذائية، إضافة للحاجة إلى تأمين احتياجات البنية التحتية لمواكبة التدفق الاستثماري (بلغ حجم الاستثمار 450 مليار ليرة سورية في 2007 مقارنة بـ 156 ماياراً في 2000).
ولهذا تعمل الحكومة، على ثلاثة محاور: الزراعة والصناعة والســياحة. ويبــرز الاهتمام جلياً على صعيد المحور الأول من أجل «تحــقيق الأمن الغذائي»، عبر تنمية الريف وتعديل الخطة الزراعية العامة ودعم المحاصيــل الاستراتيــجية، ودعوة الصناديق العربية لاســتصلاح الأراضي (وثمة مشروع مع صندوق عربي لاستصلاح 40 ألف هكــتار في شمــال شرقي سوريا) في إطار «استغلال كل نقطة مياه ســورية» أي دجلة والفرات.
صناعياً، تسعى الدولة لتنمية الصناعة التحويلية وتشجيع الاستثمار الصناعي عبر إنشاء صناديق دعم، كما تبدو الدولة جادة في «منع حالة المعامل الخاسرة»، وإن كان المسؤلون يشددون على أنه لن يتم تسريح أي عامل حكومي، رغم الفائض الكبير في مؤسساتها ومصانعها.
ثمة إحســاس كبير لدى المســؤولين الحــكوميين أن العجلة تحــركت بشكل فاعل، وإن كان «الإدراك العام أننا ما زلنا في الــبداية» وأن مؤشرات «التنوع في مصادر النمو، وتوسع خيــارات المواطن السوري مبشرة»، إلا أن التحديات تبــقى ماثــلة في تدني مستوى الدخل مقارنة بالأسعار وتراجع مؤشرات الطاقة، حتى مع خيار الاقتصاد السوري التحول تدريجياً نحو الغاز بعد الانتهاء من ربط الشبكتين العربية والأوروبية.
وتأمل الحكومة السورية بأن يأتي الانفراج السياسي الذي بدأت تختبره مؤخراً بمزيد من الاستثمارات، عله يوسع آفاق اقتصاد سورية أكثر.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد