سمسرة الآباء والأمهات في سوق الفتيات

تدخل حاملة فناجين القهوة مرتجفة اليدين، مترددة الخطوات، فمصيرها وحياتها القادمة ستحدد بكلمة تنطقها أم العريس وابنها اللذان سيفصّلونها ويؤصلونها، فكل تفاصيل جسدها ووجهها، وحركاتها محسوبة، فالامتحان صعب ولا مجال للخطأ. 
 العادات والتقاليد والأعراف والثقافة المجتمعية التي ورثناها من آبائنا الذين أخذوها بدورهم عن أجدادنا... فلم تكن خيارنا، خضعنا لها رغم إرادتنا سواء تناسبت معنا أم لم تتناسب دون أن يسألنا أحد إذا كانت ضمن قناعاتنا أو مبادئنا.
مع التنويه بوجود عادات تحفظ كراماتنا وحقوقنا ويسر الجميع انتسابهم لمجتمعات تؤمن تقاليد كهذه وتحافظ عليها.
ومن العادات العفنة التي انتهت مدتها منذ أعوام غابرة ولم تعد تتوافق مع يومنا هذا، عادة مازالت بعض العائلات تؤمن بها وتنقاد لها ألا وهي طريقة الخطبة التقليدية التي لا تحمل إلا الإهانة والخزي للفتاة أو الطفلة في أغلب الأحيان.

بداية القصة تبدأ عندما سألت «حماة المستقبل» جارتها أو إحدى قريباتها عن فتاة مؤدبة «ومرباية» وأهلها ناس «أوادم» ميسورو الحال. وأحياناً تذهب أم العريس إلى حفلة زفاف أو استقبال لإحدى قريباتها لتبدأ بالبحث بين المدعوات عن عروسة رسمت تفاصيلها قبل أن تراها «طويلة، ممتلئة، فتم بحجم حبة الفستق، ويفضل أن تكون شقراء بعيون كبيرة وملونة»، وفي أحيان كثيرة تتطفل أم العريس على فتاة تجلس بجانبها في السرفيس، أو مرت أمامها في الشارع لتبدأ بملاحقتها للحصول على عنوانها، وطبعاً الأساليب والصدف كثيرة تكاد لا تحصى. ومع تقدم الأيام ظهر أسلوب تعارف يتبع بطريقة قد تفاجئ البعض، حيث تقوم أم العريس أو أخته بالاتصال بأي رقم يخطر على بالها أو من اختراعها، بطريقة عشوائية لتسألهم إذا كان لديهم فتاة مناسبة للخطبة، فتأخذ موعداً تحضيراً للخطوة التالية.

في جمعة عائلية مع بناتها تبدأ أم العريس بالإشراف على عملية الاتصال بعشرات الأرقام التي جمعتها، بطرقها المخابراتية الخاصة، لتحديد مواعيد مع أهالي الفتيات لتقوم بزيارتهم.
أهل الفتاة يقبلون بإعطاء موعد بعد إلقاء عدد من الأسئلة الغبية والمتخلفة أكثر من طريقة الخطبة هذه «السؤال الأول والأهم: ألديه بيت؟ وأين مكانه؟» فإذا كان الشاب لديه بيت في مكان محترم، فستنال والدته شرف زيارة أهل الفتاة للمرة الأولى. تذهب أم العريس في الموعد المحدد لترى الفتاة التي لم تتجاوز الـ17 سنة وكلما كانت أصغر كانت مناسبة أكثر حتى يربيها «عنتر زمانو على إيدو».
تقوم أم العروس باستقبالها بالـ «أهلاً والسهلاً» وبعد ربع ساعة تقريباً تدخل البضاعة بكامل أناقتها ليتم استعراضها وتفصيلها، الفتاة اعتادت هذا الوضع لأنها ليست المرة الأولى ورغم ذلك ترتسم على وجهها علامات الخجل والحيرة.
يبدأ فيض من الأسئلة ينهمر عليها من حماة المستقبل «شو إسمك حبيبتي؟، كم عمرك حبابة؟ شو عم تدرسي؟ووووووو؟؟؟؟؟؟». الإجابات تأتي قصيرة وعلى حجم السؤال لأنها إذا زادت كلمة أو أضافت تعليقاً فستكون في نظر الضيفة «مفزلكة» وقوية وهذا الوضع لا يناسبها.

إذا اجتازت العروس الامتحان الأول ونالت رضا أم العريس، فستنتقل للمرحلة الثانية، «يقبر أمو أجا دوره ليشوف زوق الماما». ترتيبات الزيارة الثانية لا تختلف كثيراً عن المرة الأولى. تدخل بعد ربع ساعة ليبدأ العريس بتفصيلها، بكل عين قوية، وهي تسترق النظر إليه كلما سنحت لها الفرصة.
وبعد نهاية الزيارة؛ الشاب من يحدد سير الأمور بغض النظر عن الفتاة، هل أعجبها الشاب؟ هل ارتاحت له وأحبته؟ فالمبادرة التالية هو سيدها... لتظل تنسج الأحلام في حال أعجبها الشاب بانتظار موافقة سي السيد على شكلها وحديثها التي لم تسمح لها تنبيهات أمها وجدتها وأختها الكبيرة بالانطلاق فيه والتعبير عن نفسها من خلاله.
وإذا لم تنل الفتاة رضا الشاب واستحسانه، فسيغض النظر عن موضوعها ليبدأ عملية بحث جديدة بمساعدة الوالدة المصونة، وتبقى الفتاة التي أعجبها الشاب بمتابعة نسج أحلامها ليمر وقت كاف يثبت لها أن الانتظار لم يعد ينفع.

- بعد أن تتم الموافقة المتبادلة من العريسين، يحدد موعد آخر للقاء جديد تتفق فيه الأمهات على قيمة المهر، وبعد صد ورد وأيمان معظمة، يتم الاتفاق على مقدم ومؤخر وفي بعض المجتمعات اختراع يسمى «لحين الطلب»، وطبعاً كلما كانت أصغر كان سعرها أكثر، وإذا كانت دارسة ومتعلمة وأهلها جماعة ميسورون فالتسعيرة تتغير، وكل شيء سعره معه، أما إذا كانت الفتاة مطلقة أو أرملة فتعدsecond hand يعني بسعر البالة «بضاعة مستعملة» بتنزل التسعيرة بطريقة مخيفة. وبعد لقاء الأمهات والاتفاق على التسعيرة النهائية، يحدد موعد اجتماع وجاهة الرجال لتوثيق كلام واتفاق النساء بشكل رسمي ليتم بعدها تحديد موعد الخطبة والعرس والتفاصيل الأخرى.
هذه الطريقة التقليدية في الخطبة تنتقص من قيمة الفتاة فتؤذي مشاعرها وتضعها في الكفة الناقصة، إضافة إلى تحجيمها وإحباطها نتيجة رفضها من العريس الذي لم تعجب أمه أو أخته بها، وخاصة إذا أعجبها هو فستشعر بالنقص والخيبة.
إضافة إلى أن هذه الطريقة في الزواج تؤدي إلى طريق واحد لا محالة: الطلاق بنوعيه سواء أكان عاطفياً أم رسمياً، وإذا كتب لهذا الزواج أن يكون ناجحاً ففي حالات نادرة جداً، فكيف سيكتب النجاح لارتباط غير مبني على التفاهم وعلى نقاش مشترك واهتمامات مشتركة. زواج قائم على زيارة عائلية وبضع كلمات ورضا الأهل.
هذا الأسلوب بالخطبة والزواج تطور اجتماعي لعملية وأد البنات أيام الجاهلية، فبدلاً من قتلها للتخلص من عارها أصبحت ترمى لأول عريس يطرق الباب للتخلص من همومها على مبدأ «هم البنات للممات». هناك فئة من الناس الذين يتبعون هذا التقليد الاجتماعي يعتبرون الخطبة التقليدية هي الطريق الصحيح لبناء أسرة صحيحة، وخاصة أنه يتم السؤال عن أخلاق ودين الفتاة والشاب، طبعاً الأخلاق والدين شيئان مهمان وعمودا الزواج الناجح، ولكن وجود أخلاق عند الشخصين المقبلين على الزواج لا يعني أن التفاهم الذي يشكل المحور الأساسي والداعم للزواج، سيخلق بينهما تلقائياً.

دارين صالح

المصدر: الوطن السورية