سلميَّة .. أم .. مسلَّحة؟
الجمل- عبدالله علي: هل الثورة "سلمية" أم "مسلحة"؟ الإجابة عن هذا السؤال دخلت في حيِّز المواقف السياسية المسبقة، وتجاوزت كونها نتيجة يمكن الاستدلال عليها بالبراهين والأدلة. فالقائلون بـ"السلمية" ينطلقون من موقف أزلي معارض لنظام الحكم، ويرون في كل حركة احتجاج ضده، تعبيراً عن قناعتهم السياسية ووسيلةً لتحقيق أغراضهم في التخلص منه، ثم يسبغون على هذه الاحتجاجات ما يتلاءم مع مصالحهم من صفات. متغاضين، عن وعي أو غير وعي، عمَّا يمكن أن يفرزه الواقع من أدلة أو قرائن تتناقض مع تلك الصفات، أو يحاولون تفسير تلك الأدلة والقرائن بطريقة تعسفية وذلك في محاولة منهم لتحييدها وإبقاء الغموض مسيطراً على تفاصيل المشهد. وهو ما يمنع من تشكيل صورة ذهنية واضحة لدى المواطن عن مجريات الأمور من شأنها أن تتنافر مع بناء الوعي الجديد الذي يحاولون تشييده كي يكون منبعاً ثرَّاً للدوافع الثورية المطلوبة لشحن حركة الاحتجاج.
كذلك القائلون بأنها "مسلحة" ينطلقون من موقف أزلي مؤيد لنظام الحكم، ويتعاملون مع الموضوع بنفس الطريقة السابقة لكن بشكل عكسي.
وهكذا نلاحظ أن السؤال المطروح أعلاه، قد استحال إلى نوع من التجريد، وأنَّ "السلمية" أو "المسلحة" أصبحت بمثابة مترادفات لغوية لمصطلح "الحق" و"الباطل" المجردين، فمن يقول بـ"السلمية" كأنه يقول أنا "الحق" وغيري "الباطل" وكذلك الأمر بالنسبة لمن يقول بأنها "مسلحة" يعتقد بأنه الحق وغيره الباطل.
ومن شأن إضفاء التجريد على موضوع السؤال السابق وربطه بالحق والباطل، أن تترتب عليه نتائج في غاية الأهمية:
الأولى، وتتمثل في أن الإجابة عن السؤال تصبح بمثابة المسلمات البديهية التي لا يمكن إخضاعها لمعايير الإثبات أوالنفي بالأدلة والبراهين. وبالتالي سوف يبقى كل طرف متمسكاً بقناعته "السلمية" أو "المسلحة" مهما كانت الأدلة التي تثبت العكس.
الثانية، أنَّ كل طرف ينظر إلى أحداث اليوم، على أنها مجرد احتمال ممكن يساعده على تبرير قناعاته المسبقة، ولا يمكن أن يجذب انتباهه في تلك الأحداث إلا ما يتوافق مع مصالحه وأهدافه، وبالتالي من العبث أن ننتظر وقوع حدثٍ ما ونتوقع منه تغيير قناعة أحد الطرفين. وعلى سبيل المثال فإن لعبة "الفيديوهات" و"الفيديوهات المضادة" لمشاهد العنف المتبادل، ليست الغاية منها إقناع الطرف الآخر، بقدر ما هي توفير التبريرات من قبل كل طرف لنفسه للتمسك أكثر بقناعته المسبقة ذاتها.
الثالثة، يغدو الحوار في ظل النتيجتين السابقتين، أمراً عبثياً ولا فائدة منه، طالما أن كل طرف مؤمن بأنه هو الحق وغيره الباطل.
رابعاً، في ظل إضفاء التجريد على السؤال السابق، فإنه من المؤسف والمؤلم القول بأن الإجابة عليه لن تكون إلا بالقوة، وأن الطرف الأقوى هو من سيحدد الإجابة المناسبة ويقول ما هو الحق وما هو الباطل، بغض النظر عن القيمة الأخلاقية لمفهومي الحق والباطل. وذلك لأن انعدام إمكانية تخلِّي أي طرف عن قناعاته المسبقة وتمسكه بها وإيمانه بأحقيتها، ينقل الموضوع من إطار التفاعل الايجابي بين طرفين مختلفين، الأمر الذي كان يمكن أن يتوافر في الحوار لو أن الموضوع لم يجرَّد، إلى إطار محاولة كل طرف إقصاء الطرف الآخر وإسكات صوته سواء مادياً أو معنوياً أي بالقتل أو الإكراه، وهذا ما يفسر لنا العدد الكبير من الضحايا الذين يسقطون يومياً من الطرفين.
خامساً، الاحتكام إلى القوة وإلغاء دور العقل والحوار، من شأنه أن يهدد الوطن السوري بمخاطر جمة قد يكون أولها الاقتتال المحلي بين الفئات المختلفة، ولا يكون آخرها خطر التدخل العسكري الخارجي الذي ما تزال ظلاله ترفُّ فوق ترابنا. إضافةً إلى إنَّ حسم الموضوع بالقوة لا يمكن أن يعني انتصار طرف وخسارة طرف، لأن القوة لا تولد إلا القهر والقهر لا يولد إلا الكبت والكبت لا يمكن أن يعقبه إلا انفجار جديد، وبالتالي سوف نبقى مهددين بسؤال جديد يدخلنا في متاهة أخرى قد لا نجد السبيل للخروج منها.
التعليقات
الحق موزَّع!!
انتصار؟؟ سلمية؟؟ مسلحة؟؟
أحييك صديقي(أبو مجد)سواء كنت
ثورة المنافقين اخوان الشياطين
ارجوكم لاتدمروا هذا الوطن الجميل
تحصدون ماتزرعون
1000%
إضافة تعليق جديد