سبع نظريات لتفسير تراجع واشنطن عن الضغط على إسرائيل لوقف توسيع المستوطنات
الجمل: أعلنت الإدارة الأمريكية بشكل مفاجئ عن وقف جهودها الرامية إلى الضغط على إسرائيل لجهة دفع تل أبيب من أجل وقف توسيع بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية: فما هي أبعاد ومعطيات هذا القرار الأمريكي الذي يعتبر من بين أكثر القرارات خطورة ليس على عملية سلام الشرق الأوسط وإنما على توازنات الصراع العربي-الإسرائيلي بمختلف مكوناته لرئيسية والفرعية؟
* محفزات القرار الأمريكي المفاجيء
تلقت الأوساط الشرق أوسطية والدولية بشكل مفاجئ وبشيء من الدهشة قرار واشنطن بوقف جهود الضغط على إسرائيل من أجل وقف توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وعلى خلفية ذلك برزت العديد من الآراء التي سعت لتوضيح أسباب القرار الأمريكي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• النظرية التفسيرية الأولى: تقول بأن جماعات اللوبي الإسرائيلي الناشطة في أوساط الأجهزة التنفيذية والتشريعية الأمريكية هي المسؤولة عن صناعة هذا القرار.
• النظرية التفسيرية الثانية: تقول بأن الإدارة الأمريكية الديمقراطية قد عقدت صفقة مع الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأمريكي بما تضمن تقديم الإدارة الأمريكية المزيد من التنازلات لصالح الجمهوريين الداعمين لإسرائيل مقابل أن يقوم الجمهوريون بتقديم المزيد من التنازلات لصالح الديمقراطيين، وبالتالي، تمت مقايضة أجندة السياسة الخارجية الأمريكية لصالح الجمهوريين بأجندة السياسة الداخلية الأمريكية لصالح الديمقراطيين.
• النظرية التفسيرية الثالثة: تقول بأن الإدارة الأمريكية الديمقراطية قد أدركت بأن الضغط على إسرائيل سوف لن يجلب لها سوى معارضة وانتقادات حلفاء إسرائيل داخل الولايات لمتحدة الأمريكية، وقد أدركت بأن هزيمة الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس الأخيرة كانت بسبب ضغوطها المتزايدة على إسرائيل، ومن ثم فقد رأت الإدارة الأمريكية بأن خيار الابتعاد عن نقطة الصدام مع تل أبيب هو الأفضل لجهة تعزيز شعبية الديمقراطيين في أوساط الرأي العام الأمريكي الذي تسيطر عليه جماعات اللوبي الإسرائيلي وجماعات المسيحية-الصهيونية التي تجد مساندة حوالي 80 مليون أمريكي.
• النظرية التفسيرية الرابعة: تقول بأن صدور القرار الأمريكي جاء ضمن سيناريو تم إعداده بالتنسيق مع إسرائيل سلفاً، بحيث تضغط واشنطن وبالمقابل تمتنع تل أبيب ثم تقوم واشنطن بتقديم الحوافز لاسترضاء تل أبيب. والآن، بعد أن حصلت تل أبيب على الأموال والأسلحة الأمريكية المتطورة، استنفذ السيناريو أغراضه وجاء القرار الأمريكي ليؤكد نهاية المشهد الأخير.
• النظرية التفسيرية الخامسة: تقول بأن صدور القرار الأمريكي جاء ضمن صفقة على خط تل أبيب-واشنطن بحيث الامتناع الأمريكي عن الضغط على إسرائيل وقيام واشنطن بغض النظر عن توسيع المستوطنات يقابله على الجانب الآخر امتناع إسرائيل عن توجيه أي ضربة عسكرية ضد إيران وإغفال تل أبيب النظر عن تطورات البرنامج النووي الإيراني.
• النظرية التفسيرية السادسة: تقول بأن صدور القرار الأمريكي جاء بعد إدراك واشنطن بأن الضغط على إسرائيل لن يؤدي إلى نتيجة مثمرة، وبالتالي فمن الأفضل التخلي عن مسار الضغط والتحول للمسارات الأخرى التي يمكن أن تثمر عن نتائج إيجابية.
• النظرية التفسيرية السابعة: تقول بأن إسرائيل قد عاقبت الإدارة الأمريكية على ضغوطها السابقة عن طريق قيام "الأيادي الإسرائيلية الخفية" بتسريب الوثائق السرية الأمريكية وتمريرها إلى موقع ويكيليكس بما أدى لإدراك الإدارة الأمريكية بأن استمرار الضغط على إسرائيل سوف يعرض السياسة الأمريكية للمزيد من الخسائر الفادحة، وبالتالي كفت الإدارة الأمريكية عن مسار الضغط لجهة تفادي قيام إسرائيل بالمزيد من العمليات السرية الانتقامية.
هذا، وبرغم تعدد النظريات التفسيرية، فهناك رأي يقول بأن كل هذه النظريات التفسيرية السبعة صحيحة، وبالتالي فقد تكاملت كل هذه الأسباب بما أدى إلى دفع الإدارة الأمريكية لجهة العثور على المخرج المناسب لتنفيس هذه الضغوط، ولم تجد من مخرج سوى الامتناع عن مواصلة الضغط على إسرائيل.
* الأبعاد السلوكية السياسية على قرار الامتناع الأمريكي
تشير المعطيات الجارية إلى أن قرار الامتناع الأمريكي لجهة عدم الضغط على إسرائيل بسبب المستوطنات هو قرار سوف يؤدي إلى نشوء موجة من الصدامات الإيجابية التأثير على إسرائيل والسلبية التأثير على الفلسطينيين، وفي هذا الخصوص نشير إلى تحليل أداء الصدمات السياسية المتوقعة على النحو الآتي:
- الصدمة المؤسسية: على خلفية قرار الامتناع الأمريكي سوف تعمل الأجهزة والمؤسسات الإسرائيلية دون خوف من أي ضغوط أمريكية، وبالمقابل سوف تعمل المؤسسات والأجهزة الفلسطينية تحت فزاعة عدم المصداقية طالما أن السلطة الفلسطينية ظلت تراهن على الدور الأمريكي الفاعل لجهة الضغط على إسرائيل من أجل إنجاح المفاوضات.
- الصدمة الرمزية: قرار الامتناع الأمريكي ألحق ضرراً بالغاً بمصداقية توجهات محمود عباس وحركة فتح الفلسطينية، فقد ظلوا يراهنون على الورقة الأمريكية كوسيلة للضغط على إسرائيل، ومن الناحية الأخرى، فقد عزز قرار الامتناع الأمريكي موقف معسكر بنيامين نتنياهو والحكومة الإسرائيلية وجماعات اليمين الديني الإسرائيلية التي ظلت تراهن على مدى قدرة إسرائيل في فرض السيطرة والنفوذ على عملية صنع واتخاذ القرار التنفيذي والتشريعي الأمريكي.
هذا، ونلاحظ أيضاً أن قرار الامتناع الأمريكي جاء في وقت يتزامن مع اعتراف البرازيل والأرجنتين رسمياً بالدولة الفلسطينية ضمن حدود ما قبل عام 1967، وبكلمات أخرى، عندما بدأت بعض دول العالم في تشديد الضغط على إسرائيل بدأت أمريكا في تخفيف الضغط على إسرائيل بما يفسح المجال أكثر ويعطي إسرائيل المزيد من القوة المعنوية لجهة رفض ومواجهة ضغوط المجتمع الدولي. وعلى ما يبدو، فإن قرار الامتناع الأمريكي جاء لجهة إطلاق إشارة أمريكية لكل دول العالم بأنه من غير الممكن أو المسموح لها أمريكياً تجاوز خطوط واشنطن الحمراء والضغط على إسرائيل.
تحليل تداعيات قرار الامتناع الأمريكي يشير إلى أن الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية وحركة فتح قد أصبحت محدودة للغاية، وفي هذا الخصوص تقول التقارير الأمريكية بأن واشنطن سوف تعود خطوتين للوراء لجهة القيام بالآتي:
- اعتماد تكتيك المفاوضات غير المباشرة.
- تعيين مبعوث أمريكي خاص للشرق الأوسط.
وتأسيساً على ذلك تقول التسريبات بأن قرار الامتناع الأمريكي سوف يطيح بالمبعوث الحالي السيناتور جورج ميتشيل واستبداله بالخبير مارتن أنديك –السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ورئيس معهد سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز الأمريكية. هذا وتشير التوقعات إلى صدمة قرار الامتناع الأمريكي سوف لن تتوقف عند حدود عملية سلام الشرق الأوسط، وإنما على الأغلب أن تتعدى ذلك ضمن نطاق واسع يشمل التأثير على تماسك حركة فتح الفلسطينية الداعمة للسلطة الفلسطينية، ويشمل إضافةً لذلك التأثير على توازنات صراع الأجنحة داخل حركة فتح، إضافةً إلى تزايد ارتفاع بعض الأصوات الفلسطينية التي رأت قرار الامتناع الأمريكي بمثابة الخطوة الأولى في اتجاه سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية. وتشير التسريبات إلى أن إسرائيل تحاول الجمع بين مزايا قرار الامتناع الأمريكي ومزايا بقاء واستمرارية السلطة الفلسطينية الحالية برئيسها محمود عباس، وتدرس تل أبيب الآن إعطاء بعض المزايا لمحمود عباس بما يحفظ ماء وجهه أمام الفلسطينيين، وعلى الأغلب تتمثل هدية بابا نويل الإسرائيلي لمحمود عباس في هذا الكريسماس في توسع محدود إضافي لنطاق الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية، أي سحب بعض الحواجز العسكرية الإسرائيلية وتسليم مواقعها لقوات الأمن الفلسطيني، بحيث يبدو السيناريو وكأنما محمود عباس قد نجح في تحرير بعض الأراضي الفلسطينية من قبضة الإسرائيليين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد