ديانا جبور والتجربة الصينية
هل يمكن استنساخ التجربة الصينية سورياً فيما يخص خصخصة ملكية وسائل الاعلام , خاصة وأنها قد استطاعت جمع أضداد لا تجمع عادة ? فمع تحرير الملكية التي عادت على الحكومة والمحررين بالأرباح , تحررت كذلك الوسائل الاعلامية من الجمود الايديولوجي لكنها ( وهنا المفارقة ) حافظت على التزامها السياسي بخطة الحكومة .
أجزم بالنفي لاختلاف الشرط الموضوعي أولا , ولضرورة تفادي ما أعتقده عثرات تجربة سابقة ورائدة .
في الشرط الموضوعي ومع حقيقة أن الصين سوق عملاق تدور فيه ماكينة انتاج واستهلاك بالمليارات , يتحول جمهور الصحيفة اليومية أو المحطة التلفزيونية الى جماهير مستهلكة بنهم وقدرة شراء عالية , وبذلك يصبح مفهوما تدفق الاعلانات وتحقيق الأرباح العالية لوسائل النشر أو البث , وبالتالي يصبح من الضرورة بمكان القياس النسبي على التجربة الصينية , لأن السوق لدينا محدود , أي لا يمكن للاعلانات أن تتدفق الى الحد الذي تكفل معه تغطية الكلف والرجوع بأرباح , أقله ليس في المرحلة الأولى , ولذلك يصبح التحول التدريجي هو الحل , حيث تحل الشراكة محل التبعية أو الولاية والوصاية .
والتبعية لا تكون بالضرورة للحكومة , فهناك تبعية أخرى تتسم بالضراوة والاستلاب الأقسى ,أي تبعية السوق وهذا فرض مشكلات جديدة على الحياة الصحفية الصينية , منها الارتهان الى المزاج الشعبي أو بالأحرى الشعبوي , وبذلك تحولت الثقافة وأشكال التعبير الرصينة الى أضاح وقرابين على مذبح المال والاعلان , فبدلا من تمارس الوسيلة الاعلامية دورا تنويريا يأخذ بيد الجمهور ويرفعه , تنزل اليه وتحاول استرضاءه , وهذا يفسر الملاحظة التي أخذتها احدى القيادات الاعلامية الصينية على اذاعة ( البي بي سي ) من أنها لا تفكر وتبتدع أشكال جذب للجمهور , لأنها هيئة غير تجارية !
سوى المشكلات , هناك الاشكالات أو الأسئلة الأخلاقية الخلافية الجديدة التي بدأت تغزو الوسط الاعلامي الصيني , منها تكرار حالات الاسترزاق والارتهان لصاحب المال كسيد متسلط يشتري ما هو أكثر حساسية من مساحات البث أو النشر , ما دفع باتحاد الصحفيين هناك الى اضافة مهمة هجومية الى قائمة مهامه السابقة الدفاعية , وأعني معاقبة الصحفيين الذين يبيعون ذممهم , وقد باتوا يشكلون ما يشبه الظاهرة , فللمال عوارض قد تتجمع في حال التدفق المفاجئ كجائحة مرضية تودي بالكثيرين الكثيرين .
التجربة الصينية تحتذى لكن الوصول المتأخر عنها , يفرض بالضرورة الاستفادة من عثرات التجربة السابقة علينا .
ديانا جبور
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد