خصخصة على الطريقة السورية
إن دخول رأس المال الوطني في الاستثمار الزراعي والصناعي يعني "استيطانه" في الاقتصاد الوطني، وخروجه منهما ودخوله ميادين التجارة والخدمات والوساطة والسمسرة وغيرها، يعني "اغترابه" عن الوطن، لأنه رأسمال مائع غير ثابت، غير منتج زراعياً وصناعياً. يضاف إلى أنه يوسع ميدان نشاطه على حساب التوسع الأفقي في الزراعة والصناعة، ويحكم سيطرته على السوق ويضرب القطاع العام ويتلاعب بالنظام النقدي، ويبلبل قواعد الأسعار والأجور، أي يخلق الجو السلبي المعاكس لنمو القطاع العام والإنماء ويشجع النظام الاستهلاكي، ويفرض مفاهيمه الخطيرة على المجتمع الإنتاجي. المؤشرات تقول أن قطاع الصناعات التحويلية تراجع من 19.9% عام 2000 إلى 7.3 عام 2007 والمال والتأمين ارتفعت نسبته من 3.9% إلى 6.9% لنفس الفترة والخدمات من 8.8% إلى 15.5% لنفس الفترة، وبغض النظر عن دقة الأرقام التي تستند إليها الحكومة في تصريحاتها عن النمو فإنها تترنح عند تحليل إنتاجية عوامل الإنتاج وتراجع مساهمتها في النمو الاقتصادي فقد شكلت عام 2001 ما قيمته 3.65% من معدل النمو البالغ 5.19% في حين انخفضت عام 2005 إلى عام 2006 إلى أقل من 1%.
باختصار نقول إن السياسة الاقتصادية والمالية المتبعة اليوم قد أدت إلى تراجع النشاط الإنتاجي الزراعي والصناعي والتوجه نحو الخدمات والضاربات والكسب السريع بعيداً عن التنمية الحقيقية.
شركة التوكيلات الملاحية تقدم الخدمات اللازمة للسفن وناقلات النفط التي تأتي إلى سوريا وتقوم بعملية النقل البحري لتأمين نقل صادرات ومستوردات سورية بواسطة البواخر التي تملكها أو تستأجرها.
لاشك بأن هناك قصور إداري في هذه الشركة منذ تأسيسها وهناك فساد معلن وهناك فوضى وهناك شكاوى على هذه الشركة وتذمراً من قبل كافة المتعاملين معها حكماً خلال سنوات، وكان من المفترض البحث عن أسباب الخلل والإصلاح ولكن يبدو أن إصلاح الخلل ومحاربة الفساد لا تملك الجهات الوصائية القدرة على القيام بها بالإضافة إلى وجود مصالح لدى البعض والبعض، لذلك صدر المرسوم رقم 55 للعام 2005 القاضي بالسماح للوكالات البحرية الخاصة بالعمل في سورية وقد تأسست في مرفأ اللاذقية حتى الآن 70 وكالة تعمل بكل الوسائل للحلول محل شركة التوكيلات الملاحية والتي كانت تعتبر وكيلاً بحرياً لجميع خطوط السفن القادمة إلى سوريا. استولت الوكالات الخاصة على القسم الأكبر من عمل شركة التوكيلات وبذلك تراجع دورها وتراجع معه ما كانت تقدمه إلى الداخل الوطني. ففي العام 2001 بلغ حجم البضائع الواردة إلى المرافئ بحدود 5.7 مليون طن وبلغت أرباح التوكيلات منها 157 مليون ليرة سورية. وفي العام 2002 ارتفع الوارد إلى المرافئ إلى 8.473 مليون طن حققت منها التوكيلات ربحاً قدره 648.6 مليون ليرة سورية. وفي العام 2006 أي بعد دخول الوكالات الخاصة بلغ حجم البضائع الواردة إلى المرفأ 12.7 مليون طن كان ربح التوكيلات منها 197.6 مليون ليرة سورية، وهنا يظهر حجم الخسارة التي حلت بالتوكيلات والكم الهائل من الأرباح التي جنته الوكالات الخاصة. من جهة أخرى بلغ مجموع ما قدمته الوكالات الخاصة كضريبة دخل على الأرباح والمقدرة بحدود مليار ليرة سورية عن عام 2005 مبلغاً قدره 4.882 مليون ليرة سورية في حين حولت التوكيلات في العام كضريبة دخل ومن ربح قدره 203.9 مليون ليرة سورية مبلغاً قدره 69.9 مليون ليرة سورية ويظهر بذلك الفرق الذي لحق بالخزينة جراء ذلك. أما في العام 2006 فقد دفعت الوكالات الخاصة ضريبة دخل مبلغ 4.43 مليون ليرة سورية لنفس العام، إضافةً إلى ذلك فقد حولت التوكيلات أرباحها إلى صندوق الدين العام مئات الملايين.
الوكالات الخاصة قامت أيضاً بمخالفة المرسوم 55 والذي ينص على أن تستقدم هذه الوكالات خطوط ملاحية جديد وبواخر جديدة. ولكن هذا لم يحصل بل اقتصر عمل الوكالات الخاصة على سحب الخطوط والبواخر التي كانت مع شركة التوكيلات ولم تستقدم أي خطوط جديدة.
النقابات واتحاد العمل رفعا عشرات المذكرات إلى الجهات الوصائية محذرين وطالبين بالمحافظة على شركة التوكيلات الملاحية والعاملين فيها بما يحقق استمراريتها لأنها شركة قطاع عام رائد. وتعويضاً عن خسارتها بدفع رسم وكالة يعادل 60% من وارداتها لدفع رواتب العاملين فيها، وهناك 554 عامل في شركة التوكيلات مهددون بالتسريح لعدم وجود رواتب بعد تسريح 600 كاتب لصالح أصحاب رؤوس الأموال.
- شركة التوكيلات الملاحية تحمل الوكالات الخاصة تردي أسلوب العمل ويتضح ذلك من نسبة تضرر البضائع وغرامات التأخير على البضائع والحاويات التي تعمل لدى هذه الوكالات بالإضافة إلى عدم وجود نوايا حسنة من الوكالات الخاصة على الشركة الأم التوكيلات الملاحية والعاملين فيها. منهم من يحاول إنهاء الشركة من الطريق إذ طلب منها في أول اجتماع تخفيض الرسوم تمهيداً لإلغاء بدل رسم الوكالة التي يدفعونها إليها، لمعرفتهم المسبقة بأن ذلك الإجراء سيؤدي إلى عدم قدرتها على دفع رواتب العاملين، أي أن الشركة أصبحت رهينة لدى الوكالات الخاصة.
أيضاً عدم التزام الوكالات الخاصة بتعرفة رسمية موحدة أسوةً بتعرفة شركة التوكيلات وقد أثر ذلك على عمل الشركة ومن خلال الميزانيات الختامية نلاحظ انخفاضاً في الأرباح:
عام 2004 انخفضت الإيرادات حتى 6.425 مليون دولار.
عام 2005 انخفضت الإيرادات حتى 3.500 مليون دولار.
عام 2006 انخفضت الإيرادات حتى 1.441 مليون دولار.
وبلغ إجمالي خسائر الشركة السنوية عام 2006 نحو 10 مليون دولار.
وفي مرفأ طرطوس جرى ما جرى في مرفأ اللاذقية، رئيس نقابة عمال النقل البحري يقول في هذا الصدد: رفعنا مذكرات عديدة ونطلب من الجهات الوصائية حصر تصدير واستيراد بضائع القطاع العام بالتوكيلات الملاحية "فوسفات – حبوب" والعمل على تصديق التعرفة المقدمة من شركة التوكيلات الملاحية أسوةً بالوكالات الخاصة. زهنا نذكر بالمرسوم 55 لعام 2002 الذي سمح بعمل الوكالات الخاصة وفق أسس لم يتحقق منها شيء ونذكر أيضا أن شركة التوكيلات الملاحية في العام 2001 قبل عام من المرسوم المذكور حققت أرباحاً قدرها600 مليون ليرة سورية ووفرت 600 فرصة عمل لعمال مياومين. وهنا نسأل الجهات المعنية: ماذا حققت الوكالات الخاصة والتي يبلغ عددها في طرطوس 85 وكالة من أرباح للدولة؟ وكم عدد العمال الذي سحبتهم من سوق البطالة وأمنت عليهم؟ وأين هي الخطوط البحرية الجديدة التي استقدمتها منذ عملها حتى الآن؟
الوكالات الخاصة والجهات الوصائية أيضاً تحمل المسؤولية لشركة التوكيلات لعدم قدرتها على التجديد والمنافسة والتطور وتتهم الشركة بالبيروقراطية والروتين والترهل الإداري الذي يسري في عمل الوكالة.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
من المسؤول عن تطور هذه الشركة؟ ولماذا أبقيت هكذا دون تطوير أو إصلاح؟ وهل هي دولة ضمن الدولة لتطور عملها؟
على كلٍّ الوكالات الخاصة يعني إنهاء الشركة وطرح إلغاء العمولة التي تتقاضها الشركة من الوكالات الخاصة يعني إنهاءها وتسريح عمالها وعددهم 554 عامل بعد أن تم الاستغناء عن 600 كاتب تعداد كانوا يعملون مياومة.
ولكن انتبهوا.... لا خصخصة بالمفهوم العام ولكن الخصخصة هنا على الطريقة السورية!
قال السيد عامر شكري رئيس الاتحاد المهني للنقل في سوريا في مؤتمر الاتحاد مؤخراً حول التوكيلات الملاحية موضحاً:
منذ صدور المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام /2002/ وشركة التوكيلات الملاحية تمر بمرحلة حساسة وحرجة بسبب السماح للوكلاء الملاحيين للقطاع الخاص بالعمل إلى جانب الشركة وذلك بغية تنشيط عمل المرافئ السورية بالدرجة الأولى واستقدام خطوط ملاحية جديدة إلى القطر ولكن النتيجة كانت حتى تاريخ إعداد هذا التقرير لم يتم استقدام أي خط ملاحي جديد من قبل الوكالات الخاصة والذي حدث هو أخذ الخطوط الملاحية التي كانت لدى شركة التوكيلات الملاحية بالكامل تقريباً مما أدى إلى تراجع كبير في إيرادات الشركة بحيث كان متوسط الإيرادات في عام /1998/ ولغاية /2003/ مبلغ قدره /12/ مليون دولار بينما تراجعت هذه الإيرادات عام /2005/ إلى /5/ مليون دولار وهذا بدوره انخفض الكتلة النقدية المحولة من شركة التوكيلات الملاحية إلى الموازنة العامة للدولة عن طريق وزارة المالية بسبب تراجع إيراداتها.
المقترحات:
* تطبيق نص المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام /2002/ وعدم الترخيص للوكيل الملاحي بممارسة عمله ما لم يتقدم بعقد موقع مع شركة ناقلة واحدة على الأقل وذلك حفاظاً على مصلحة القطاع العام.
* تعديل قرار وزارة النقل رقم /750/ و/751/ بما يفيد عدم جواز توكيل بضاعة القطاع العام للقطاع الخاص.
نزار عادلة
بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد