حول عمليات تغيير الجنس في سورية
كانت هي فأصبحت أو تحولت إلى هو أو بالعكس....
أخبار كهذه تشدنا عندما تطالعنا بها وسائل الاعلام من هنا وهناك...
وانشدادنا إليها ليس لأن الطب يجترح المعجزات ويقوم بالعمليات النوعية فقط.. بل لأمور أخرى مثل... عدم فهمنا لحالة التحول هذه وأسبابها، وتساؤلاتنا الكثيرة عن النوازع النفسية التي جعلت منه أو منها يتحولان جنسياً....
هل هي أهواء شاذة؟ أم لأسباب فيزيولوجية وطبية حقيقية..؟
وليس قليلاً... أننا قد نصادف أحياناً أشخاصاً بالغين ممن يختلط أو يلتبس علينا جنسهم من الناحية الظاهرية، فنراهم في ملامحهم مابين الذكورة والأنوثة....
ولابد أن نشير الى أنه سبق أن نوقش هذا الأمر (عمليات تغيير الجنس) في ندوة حول طب الأطفال أقامتها الرابطة السورية لجراحة الأطفال بالتعاون مع مديرية الصحة ونقابة الأطباء بحمص في صيف العام الماضي...
وقد دعي إليها آنذاك رجال طب وقانون ودين...
الطبيب عدنان حزوري اختصاصي جراحة الأطفال والجراحة البولية والتناسلية عند الأطفال سبق له أن أجرى العديد من هذه العمليات في حمص. وقد أفادنا أن عددها قد وصل إلى ثماني عمليات... ثلاثة منها وصل السن بأصحابها الى مافوق (12) عاماً....
وعقّب د.حزوري على ذلك بقوله: «من المفترض أن لا يتقدم العمر بالأطفال الى هذا الحد كي يأتي أولياؤهم بهم لتحويل أو تصحيح جنسهم، لأنه لو تم التشخيص والعلاج بشكل باكر أي قبل نضج الطفل وإحساسه بجنسه، فلن يوجد تأثير نفسي سيء على المريض... ولكن المشكلة عند تأخر التشخيص.
وفي حالات مماثلة... عند ولادة الطفل، يشخص الجنس الحقيقي له اعتماداً على الفحص السريري وعلى تحليل الصيغة الصبغية والتحاليل المخبرية الهرمونية والصور الشعاعية، بعدها توضع خطة للمعالجة وكذلك للجراحة لإصلاح التشوه الظاهري...
وإن الإمكانيات متوافرة لدينا لمثل هذه العمليات...
وقد قام الطبيب نفسه بالعديد منها سواء بالتحويل باتجاه جنس الأنثى أو باتجاه جنس الذكر وكانت النتائج ممتازة ومماثلة للنتائج العالمية...
حالات الخنثى المسجلة شبه نادرة:
وفي مجال التعداد والتقصي لمثل هذه الحالات، أفادنا الأستاذ المحامي ابراهيم عبيد (وكان ممن دعي إلى تلك الندوة) بأنه ولدى مراجعته لمديرية الأحوال المدنية حول الحالات غير واضحة الجنس والتي تسجل على أنها ذكر ولكنها في خانة العلامات الفارقة تسجل على أنها خنثى...
وجد بأنها شبه نادرة، ويرجعها إما إلى قلة الوعي وإما بدافع من مراعاة التقاليد والأعراف وإما خشية الأهل على مولودهم، فيعمدون إلى تسجيله على ماهو راجح مبدئياً أو كما يرتؤون من جهة أخرى.
ولدى عودته الى سجلات محكمة الصلح بحمص... وجد التالي:
في 2003 دعوى واحدة، صدر بها قرار لتصحيح الجنس من ذكر إلى أنثى...
2004 ثلاث دعاوى، اثنتان منها صدر بهما قراران لتصحيح الجنس من أنثى إلى ذكر، وشطبت واحدة.
وفي 2005 أيضاً ثلاثة... صدرت بها قرارات لتصحيح الجنس من أنثى إلى ذكر.
في 2006 قضيتان، ردت إحداها لعدم الثبوت، وصدر قرار بالثانية ليصبح أنثى بدلاً من ذكر.
في 2007 دعوى واحدة ليصبح ذكراً بدلاً من أنثى...
ويرى الأستاذ عبيد أنه يجب مقارنة هذه النسب مع الاحصاءات الطبية المسجلة حول تغيير الجنس كي نقف على واقع هذه الحالة وطرق معالجتها طبياً وقانونياً
ويضيف بأن الدعاوى تقام عادة على أساس وجود خطأ في تسجيل المولود.. ويتم أثناءها عرض الحالة على لجنة طبية تقوم بتحديد الجنس وبناء على قرارها تقرر المحكمة تصحيح القيد أو رد الدعوى لعدم الثبوت.
مع والد لطفلة لم تتجاوز السنة من عمرها، والتي عندما ولدت اختلط أمر جنسها على ذويها، لهذا وبعد شهور ثلاثة أخذوها إلى مشفى الأطفال بدمشق وأجريت لها صور شعاعية بينت امتلاكها لجهاز تناسلي داخلي أنثوي، ثم أتى بها ذووها إلى د. عدنان حزوري لعلاجها، وتم لهم ذلك...
عنها، حدثنا والدها بأنها أول أولاده وتتمتع حالياً بصحة جيدة، وهو سعيد بها... والأمر قد مرّ بشكل عادي لدى الأسرة بكاملها نظراً لصغر سنها...
لايوجد جنس ثالث:
وعن التسميات المتداولة مثل الجنس الثالث، الخنثى، اللامصنفون جنسياً..
قال د. حزوري: ربما مثل هذه التعاريف لم تعد مقبولة بعد اليوم، فالخنثى إنسان له جنس إما ذكر وإما أنثى، وقد حلّ التقدم الطبي مشكلة هؤلاء ممن يسمون «بالجنس الثالث».
وباختصار فان طفلاً ما قد يولد بأعضاء تناسلية خارجية شكلها مغاير لحقيقة جنسه والسبب خلل هرموني أو صبغي أثناء الحياة الجنينية مايؤدي الى خلل في الأعضاء الجنسية الخارجية وأحياناً الداخلية، معطياً للطفل مظهراً مخالفاً لجنسه الحقيقي، ومع وصوله سن البلوغ تظهر التناقضات الفيزيولوجية والتشريحية مع الجنس المسمى له من قبل ذويه.
وعن العوامل المحددة لجنس الخنثى؟ أجابنا د. حزوري:
تتداخل عوامل عديدة في تحديد الجنس المستقبلي للخنثى، أهمها الصبغيات ثم المعايير التشريحية للطفل و أيضاً المعايير الهرمونية، وهما أمران تقدرهما خبرة الطبيب، ولكن يظهر لدينا في بلدنا عامل اخر لايقل اهمية هو العامل الاجتماعي ورغبة الاهل في جنس المولود الذكر، ويعتبر هذا معوقاًَ طبياً مزعجاً... إضافة الى عامل آخر هو خيار المريض نفسه، ويحدث هذا عندما يصل الى سن التمييز والإحساس بجنسه، إذ ربما اختار جنساً مخالفاً لقرار الطبيب.
حدثنا د. حزوري عن قصة عايشها كطبيب وهي عن شاب في الرابعة عشرة من عمره وقد عاش حتى هذه السن بين ذويه وأقرانه كذكر....
في ظاهره، كانت تغلب عليه الصفات الذكورية كالصوت الخشن، شعر الوجه.... وإن شابته بعض الملامح الأنثوية كالحوض العريض.... إضافة الى مشكلة أخرى... استدعت المشورة الطبية والفحوصات وغيرها، فتبين اعتماداً على الصبغيات وعلى وجود جهاز تناسلي أنثوي داخلي ضرورة تحويله الى أنثى أي جنسه الحقيقي لكنه أي الشاب وصل الى حد الأزمة والاكتئاب والانكفاء، وبات يخشى عليه من الاقدام علٍى الانتحار، وبدا من الصعب أو المستحيل إقناعه بالتحول إلى فتاة.
وأمام كل ذلك مراعاة لوضعه النفسي وخشية على حياته، وبعد موافقة ذويه وبناء على رغبته كان القرار بإصلاح العيب الذي يعاني منه حالياً عن طريق الجراحة ثم ضخ الهرمونات الذكرية شهرياً كعلاج (علماًَ بأن نسبة الهرمونات المذكرة لديه كانت بشكل عادي أعلى من المؤنثة).
وحول إمكانية وصوله إلى أن يكون ذكراً كاملاً؟
ومن هنا عاد وأكد الطبيب عدنان حزوري على أهمية تسلح الأهل بالوعي كي لا يتقدم العمر بأطفالهم الى مرحلة يصبح بها للعامل الاجتماعي والنفسي دور في اتخاذ القرار الطبي...
وكيلا يتعرض الطبيب لخيار صعب أمام حالة يعالجها كأن يهدد المريض بالانتحار أو يصاب بالاكتئاب وغيره من امراض نفسية فيما لو حوّل الى غير مايرغب...
عن هذا أجابنا عضو جمعية علماء المسلمين بحمص فضيلة الشيخ الأستاذ عبد السلام محمداه: «من الأجدى أن تسبق كل عملية تحويل جنسي تهيئة سلوكية ونفسية، لأن الأمر ليس فقط معالجة طبية، بل أيضاًِ تغيير للأفكار ومعالجة سلوكية ونفسية....
وفيما لوحصل أن اتخذ أحد الأطباء قراراًِِِ في حالة معقدة إلى حد ما على الجانب النفسي فهي مبررة لأن ماقرره الطبيب تم بناءً على أساس نفسي، ولأن الحالة النفسية هي شأن معتبر في مجاله العلمي الصحيح... لكن يبقى الأساس في مثل هذه العمليات هو الجانب الطبي أي القيام بدراسة تشريحية وغيرها تؤكد غلبة جانب على آخر، لأن الأمر لا يتعلق بإرادة ورغبة الشخص بل بيسر وطبيعة حياته فيما بعد.
هل تضيع حقوق القاصرين؟
في ورقة العمل التي قدمها المحامي الاستاذ ابراهيم عبيد في ندوة طب الاطفال آنذاك، طرح عدة تساؤلات هامة مثل...
من هو صاحب القرار بإجراء العمل الجراحي وتحديد جنس المولود؟
وماذا لو تصرف الطبيب بشكل مغاير للرأي العلمي؟
أو لو أخطأ في تشخيص الحالة؟
أو لو اتخذ قراراً بما يخدم مصالح ولي القاصر من الناحيتين المالية أو المعنوية كالإرث وخدمة العلم؟
من هنا.... ولحسم هذه الأمور يرى الاستاذ «عبيد» ضرورة فتح ملف للحالة تعرض به كافة التفاصيل من اختبارات وتحاليل ورؤية الطبيب المعالج، ومن ثم عرض كل ذلك على لجنة مختصة بإشراف وزارة الصحة لدراسة الحالة مجدداً بما يعطيها الحق في إعطاء الإذن بالعملية أولا.
وأيضاً ماذا لو أن القاصر بعد بلوغه سن الرشد لم تعجبه الحالة التي أصبح عليها أو ارتاب بها وأقام الدعوى بمواجهة الطبيب؟
والاجابة هي: مادام الطبيب قد درس الحالة بشكل علمي دقيق وحصل من ولي الأمر على إذن للقيام بالعملية، واتبع أصول وقواعد المهنة فانه لا يتحمل أية مسؤولية بمواجهة القاصر...
ولكن قد يركز هذا الأخير في دعواه على نقطة محددة وهي تواطؤ ما للطبيب مع ولي الأمر....
من هنا يؤكد المحامي عبيد على ضرورة تشكيل مثل تلك اللجنة لإعطاء القرار الأخير للحالة بعد التثبت من وضعها، وبذلك يتخلص الطبيب من أية مسؤولية قد تلحق بهذا الخصوص.
ونعتقد أن السؤال الذي قد يتبادر هو...
هل إجراء مثل هذه العمليات أمر تسمح به الاديان؟
وإلى أي حد؟...
فضيلة الشيخ عبد السلام محمداه، كان من المدعوين الى تلك الندوة لإبداء الرأي.... وحول حدود الممنوع والمسموح؟
أجابنا: موقف الدين من هذه العمليات إيجابي ليس كما يتهمنا عادة بعض المثقفين... شرط أن تقيّم الحالة وفق ميزان علمي صحيح كي نصل الى نتائج صحيحة، تعتمد وتقوم على إنسانية وكرامة الانسان واستقراره وسعادته، بما لا يوصلنا الى العبث والفوضى كما يجري في عمليات التجميل التي باتت تجري كتبديل الملابس.
إذاً من الناحية الشرعية، لا مانع من معالجة شخص يحمل جانبين أنثوي وذكري لأنه من الخطأ أن يعيش هذا الشخص في حالة من الاضطراب النفسي.
وأضاف الاستاذ محمداه: حالياً صار يحكى عن الجراحة التناسلية لدى الأطفال على خلاف الماضي، عندما كانت تحاط بالسرية وتسبب الحرج لأصحابها... وقد لا نزال حتى الآن بحاجة لمزيد من تفهم هذه الحالات والوعي لها....
لكن الاعتراض من الناحية الشرعية يكون على شخص طبيعي لكنه يحمل هوى أو ميولاً نفسية نحو التحول للأنوثة والذكورة دونما دواعٍ طبية وعضوية كحالة «سارة» مثلاً وهو ذكر تحول إلى أنثى عن طريق ضخ الهرمونات، وهذا مالا يقبل به الدين الاسلامي وكافة الشرائع والاديان..
وفي تلك الندوة، جرى نقاش حول ماإذا كانت تترك الحرية الشخصية للخنثى في تقرير تحويلها أم يجب التقيد بالميزان العلمي الصحيح وبالحالة الطبية...؟
هالة حلو
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد