حوار مع د. قصاب حسن حول تحضيرات (دمشق عاصمة الثقافة العربية)
في كل عام يقوم وزراء الثقافة العرب باختيار عاصمة عربية للثقافة، بحيث تنعم هذه العاصمة على مدار عام كامل بالاهتمام وتسليط الأضواء عليها، ولكن أن تختار دمشق لتكون عاصمة عربية للثقافة لعام 2008 فهذا أمر مختلف، لأنها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وانطلاقاً من هذه الخصوصية فإن المطلوب من احتفاليتها أن تتناسب مع أهمية عاصمة عريقة وأصيلة كدمشق، ولهذا بدأت الاستعدادات منذ الآن لإقامة احتفالية تليق بها والبداية كانت من خلال قرار السيد رئيس الجمهورية بتسمية الدكتورة حنان قصاب حسن أميناً عاماً للاحتفالية، وقد التقتها البعث للحديث عن الاستعدادات الحالية للاحتفالية.
> لنتحدث في البداية عن أهمية اختيار دمشق كعاصمة عربية للثقافة للعام 2008؟.
>> هناك تقليد اختيار العواصم العربية دورياً لتكون عواصم عربية للثقافة، كما توجد عواصم أوروبية للثقافة، بالإضافة إلى هذا الطابع الدوري هناك شهرة سورية ودمشق تحديدا كملتقى لطرق التجارة بين حضارات العالم القديم وكمركز للتفاعل وكبلد يحتوي على مواقع أثرية وسياحية هامة وعلى مدن عريقة كل هذا يعطي لدمشق خصوصية هامة وتميزا لا مثيل له في المنطقة والعالم، وكما قال لي قبل أيام مسؤول ثقافي في منظمة دولية : «رأينا مدناً كثيرة تصير عواصم عربية للثقافة وكان الأمر جيداً، لكن دمشق أمر آخر، كلنا بانتظار دمشق !».
إبراز دور دمشق هذا في احتفالية كبيرة وهامة على الصعيد العربي والعالمي ليس بالأمر الهين، ولذلك فإن المسؤولية تبدو كبيرة للغاية والمهمة صعبة.
> ما هو المطلوب برأيك لاستثمار هذه الاحتفالية على أكمل وجه ..؟ وكيف السبيل لإقامة احتفالية تتناسب وحجم أهمية دمشق كأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ..؟.
>> المطلوب هو الانطلاق من تحديد واعٍ للصورة التي نريدها أن تظهر لدمشق كعاصمة عربية للثقافة.. دمشق هي أقدم مدينة حية في التاريخ هذا يعني أنه لابد من التركيز على عراقتها وأصالتها وموقعها كملتقى طرق وكنقطة انطلاق الحضارات، وفي الوقت نفسه إبرازها كمدينة معاصرة حية وحيوية تواكب الحداثة في العالم على الصعيد التنفيذي لابد أيضا حشد الطاقات واستثمار الزمن بشكل فعلي لنتوصل إلى تنفيذ محكم ودقيق وصحيح وأنيق للفعاليات التي يتم الآن تحديد نوعيتها وأمكنتها ولمن تتوجه وكيف وأين ومتى.. والأمر الأهم بالنسبة لنا هو التوصل إلى تخطيط صحيح وتنظيم دقيق وتنفيذ محكم، فالغلط غيرمسموح والفوضى مرفوضة لا بد إذن من تشكيل فريق واع لمسؤولياته ولتفاصيل عمله ومدرب بشكل جيد.
> ماذا عن تحضيراتكم واستعداداتكم الحالية على هذا الصعيد..؟ هل تم تحديد نوعية الفعاليات التي ستقام ..؟
>> في الوقت الحالي نحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على الهيكل التنظيمي والأمور اللوجستية التي لا بد منها للشروع في العمل وأعني بذلك إيجاد مقر وتشكيل الفريق العامل وتحديد المهام وهذا لايعني أننا سننطلق الآن من الصفر، حيث كان هناك مشروع مبدئي عملت عليه لجنة عليا شارك فيها السادة وزيرا الثقافة والسياحة ووضعت فيه الخطوط العريضة للاحتفالية على هذا المشروع المبدئي نقوم الآن ببناء التفاصيل ووضع آليات التنفيذ الضرورية وستكون هناك فعاليات في مجال الأدب والفن التشكيلي والموسيقا والمسرح والرقص والسينما، كما ستكون هناك ندوات على المستوى العالمي ومؤتمرات حول التاريخ والآثار، وقد بدأنا فعلياً بالقيام باتصالات على المستوى العربي والعالمي لتحديد الفعاليات الخارجية التي ستتم خلال الاحتفالية وتستضيفها دمشق كما هو التقليد عادة والجدول الزماني والمكاني لهذه الخطوط العريضة موجود لدينا وعليه نبني ما يمكن أن يضاف وما يمكن أن يطرأ لاحقا .. هناك اقتراحات كثيرة تأتينا وستأتينا من المثقفين والفنانين وستخضع كلها للجنة اختيار تقرر أيها يصلح للتقديم بناءً على معايير موضوعة مسبقاً.
> هل هناك نية للاستعانة بخبرات أجنبية أو عربية لضمان حسن سير الاحتفالية..؟.
>> لا.. فاللجنة العليا التي عملت حتى الآن لم يكن فيها أي شخص غير سوري، وسيكون هناك دور كبير لشخصيات سورية مقيمة في الخارج ولها سمعتها الكبيرة وتستطيع أن تستقطب الانتباه وتجلب بحكم وجودها في الخارج وبحكم خبراتها فعاليات هامة، لا بد من القول: إنه لدينا في سورية كفاءات ممتازة قادرة على إدارة الاحتفالية بشكل ممتاز.
و ستكون هناك دورات تدريبية للفريق العامل في مجال العلاقات العامة والإدارة الثقافية قد نستعين فيها ببعض الخبرات الخارجية لنتوصل إلى تشكيل مجموعة مؤهلة بشكل جيد هذا يعني اننا لا نرفض المشورة والمعونة إن أتت، بل على العكس نتمنى أن نستفيد من كافة الخبرات ضمن المعايير التي تضعها الأمانة.
> كإدارة للأمانة العامة للاحتفالية.. ماهي التحديات التي تواجهكم في نجاح هذه الاحتفالية..؟.
>> التحدي الأكبر هو أن نستطيع التوصل إلى فعاليات لها طابع مختلف عما يتم تقديمه عادة في المشهد الثقافي إذ يجب أن يشعر الناس أن هذه السنة «2008» استثنائية ولذا كانت ضرورة اختيار فعاليات متميزة نوعاً حتى ولو لم تكن كثيرة بالعدد.
هناك تحديات كثيرة أخرى أولها اختيار العاملين في تنظيم وإدارة الاحتفالية بناء على معايير الكفاءة والاختصاص والمعرفة بأصول إدارة المشاريع الثقافية وآليات التنفيذ والقدرة على التفرغ وتقبل العمل ضمن فريق. هذا الاختيار يحتوي على مزالق وصعوبات وعتب من الأصدقاء ونود هنا أن نؤكد على أن من لم يتم اختيارهم في المجالس وفرائق العمل سيكون لهم دورهم في الفعاليات نفسها وأرجو أن تكون هذه رسالة واضحة لكل الذين نعرف أهمية موقعهم في المشهد الثقافي، فلو أردنا أن نشرك في الإدارة كل من نحبهم ونقدرهم ونحترمهم لكان علينا أن نؤلف مجالس من مئات الأشخاص وهذا أمر مستحيل لأن العدد الكبير سيوقعنا في الفوضى والتخبط وسوء التنظيم.
> أية خصوصية يجب أن تكون لاحتفالية دمشق عاصمة عربية للثقافة..؟
>> الخصوصية التي نطمح لها هي أن تلبي الفعاليات متطلبات النخبة المثقفة السورية والعربية والعالمية، أي أن تكون على درجة عالية من الأهمية، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون هناك فعاليات تتوجه للشباب وللأطفال وللناس العاديين أينما كانوا حتى ولو لم يكونوا من المعنيين بالشأن الثقافي نتمنى أن نتوصل لأن تتحول المدينة بكل أحيائها ومناطقها خلال سنة الاحتفالية إلى مركز ثقافي مفتوح دائم ومتنقل في الوقت نفسه - وهذا الأمر الذي ندرسه حاليا- نتمنى أن نتوصل إلى ألا تقتصر الفعاليات على مدينة دمشق ولا أن تكون موضوعاتها دمشقية بحتة، فدمشق كانت وما زالت مدينة مفتوحة لكل الناس ولكل الثقافات وإن أردنا أن تستحق اسمها وشهرتها وموقعها فيجب أن تظهر في الاحتفالية كمكان لقاء يتجاوز الحدود الجغرافية. يجب أن تكون بالفعل عاصمة عربية للثقافة.
> ما هو المطلوب من المثقف السوري بشكل خاص، ومن المواطن بشكل عام ليساهما بشكل فعال في نجاح هذه الاحتفالية..؟.
>> المطلوب هو الدعم بأشكال عديدة ومن الجميع، فمن المواطن العادي سنطلب المساعدة في جعل دمشق تبدو خلال العام 2008 نظيفة أنيقة لأن الأنظار ستكون مسلطة عليها في تلك السنة والأمر يبدأ من اليوم ويمكن أن يتكرس كتقليد يستمر إلى ما بعد انتهاء الاحتفالية إننا نرجو من كل مواطن أن يتجول اليوم في المدينة بعيون مفتوحة ليرى ما هي المشاكل المدينية التي تساهم في التلوث البصري والقمامة المرمية في الشارع، والغسيل المنشور بشكل عشوائي على الشرفات والألوان المتناقضة في طوابق البناية نفسها الخ.. وسيجد المواطن أن المدينة نفسها ستكون أفضل مما هي عليه اليوم طالما أن محافظة دمشق قد بدأت منذ شهور بإجراء تعديلات جذرية على شكل المدينة في مشروع تحديث وتجميل وتنظيم، ستؤمن البنية التحتية التي تسمح لدمشق أن تصير كما نريدها في عام 2008 نظيفة وأنيقة.
أما من المثقف فإننا نتمنى أن يحشد كل طاقاته الإبداعية ليستفيد من تلك الفرصة الاستثنائية ليقدم أشياء متميزة، فالباب مفتوح للاقتراحات وهناك لجنة ستدرس بعناية كل الخيارات ليتم انتقاء أفضلها ضمن المعايير والأسس التي ترتأيها اللجنة القائمة على الاحتفالية.
> إلى أية درجة يمكن الاستفادة من تجربة احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية لتطوير وإغناء احتفالية دمشق عاصمة للثقافة ..؟.
>> طبعاً يجب الاستفادة من تلك التجربة بنواحيها الإيجابية والسلبية، كما يجب الاستفادة من تجارب المدن الأخرى التي كانت عواصم عربية للثقافة قبل الآن، لذلك فإننا نحاول أن نطلع على كل ما يجري حالياً في الجزائر والتي تم اختيارها عاصمة عربية للثقافة لعام 2007 وكل ما تم في المدن الأخرى لنرى أين كانت المشاكل فنتجنبها، وما هي الفعاليات الهامة والمتميزة لنستطيع أن نقوم بشيء مماثل لها.. لن ننقل ولن نكرر بل سنستخلص الأفضل والأحسن من كل التجارب السابقة.
> اختيارك كامرأة لترأسي إدارة الأمانة العامة للاحتفالية هل يضفي ذلك خصوصية معينة على مجرى الاحتفالية، وماذا يعني لك هذا الاختيار..؟.
>> لست أدري إن كان ذلك الأمر هو المعيار الذي تم على أساسه اختياري، أو إن كان المعيار الوحيد «أتمنى ألا يكون كذلك!!»، وحتى لو كان فإن وجود امرأة في هذا الموقع أمر حيوي له بعده الهام في وقت تسود فيه نظرة انتقاصية إلى منطقتنا التي تصور على أنها مكان متخلف وبعيد عن الحضارة، لكن من يعرف سورية يعرف تماماً أن المرأة قد نالت فيها حقوقها مبكرة وأنها لعبت دائماً دوراً أساسياً في الشأن الثقافي والسياسي والاجتماعي، هذا ليس بالأمر الجديد ويجب أن نبرزه كأحد الملامح الإيجابية والمتميزة لسورية.
أمينة عباس
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد