حوار مع الرئيس البرازيلي الجديد
■ هل يمكن اعتبار سياستك الاقتصادية استمراراً لسياسة سلفك؟
ــ لن يكون ذلك عادلاً لأننا تسلّمنا بلداً يعاني من اقتصاد محطّم ومشاكل مالية، ونعيده اليوم آمناً، ونحن واثقون بأنه سيتحسن من الآن وصاعداً. بعد سنوات وعقود من التضخم المرتفع ومن الاختلالات في الموازنات وفي الحسابات الخارجية، استطعنا أخيراً وضع الاقتصاد البرازيلي على سكة التنمية المستدامة. لدينا اليوم شبكة من العناصر الإيجابية المتكاملة: نمو اقتصادي مع تضخّم منخفض وتوفير فرص عمل، تزايد الصادرات مع توسع السوق الداخلية، تزايد التسليف والاستثمار مع انخفاض مستوى الفوائد ونسبة «خطر البلد» (تقدير نسبة الخطر الاستثماري). إن هذا التمازج بين العناصر المؤاتية يعدّ حدثا استثنائياً في تاريخ البرازيل.
■ ألا يعتبر الطريق الذي تسلكونه بطيئاً للتحديث الاجتماعي الذي تحتاج إليه البرازيل؟
ــ الآن، أكيد أنه بعد تخطي الاختلالات والسيطرة على التضخم، سنكون بظروف مؤاتية لنتقدم بسرعة أكبر نحو نسب نمو أكثر صلابة ولنحارب الفقر ولنقلّص الفوارق الاجتماعية من خلال اندماج اجتماعي متزايد لأكثرية البرازيليين.
■ كيف تقوّم حصيلة الإنجازات الاجتماعية خلال ولايتك؟
ــ نجحنا في تطوير سياسة خلق فرص عمل وفي تقليص الفوارق الاجتماعية وفي عملية الدمج الاجتماعي. بين عامي 2003 و2006، وفّرنا 7.6 ملايين فرصة عمل، منها 5.7 ملايين وظيفة مسجلة، ما يمثل أكثر من مئة ألف فرصة عمل شهرياً، أي عشرة أضعاف ما حققه سلفنا. كذلك، نجحت حكومتنا في إخراج أكثر من 8 ملايين برازيلي من الفقر المدقع. أما برنامج «المنحة العائلية»، فهو أحد أكبر برامج إعادة توزيع المداخيل في العالم وأكثرها فعالية. وقد استفادت منه أكثر من 11 مليون عائلة كانت تعيش تحت خط الفقر. وتدل الأرقام أن هذا البرنامج ـ إضافة إلى ارتفاع الحد الأدنى وتوسيع سياسة التسليف والاستثمارات في البنى التحتية ـ ساهم في تراجع البؤس بنسبة 19 في المئة. وهكذا، ستتمكن ملايين العائلات التي تستفيد منه اليوم من إيجاد مخارج تجعلها تستغني تدريجاً عن دعم الدولة.
■ لماذا تبقى البرازيل غارقة في نفق من العنف لا ينتهي؟
ــ بداية، يجب تذكير القارئ اللبناني أن الدستور البرازيلي جعل الولايات مسؤولة عن الأمن العام على أراضيها. بالرغم من ذلك، حققنا نتائج طيبة في هذا المجال أيضاً: وضعنا الأسس لنظام أمني مندمج يسمح بالتنسيق بين أجهزة الولايات الست والعشرين وبين البوليس المركزي لتداول المعلومات والتنسيق والدعم. واستثمرنا في البوليس المركزي بشكل واسع من خلال مضاعفة موازنته وزيادة عناصره بنسبة خمسين في المئة. وأعدنا بناء السجون الفيدرالية، بعد أن تخلى الحكام عن هذه المهمة المحددة في القانون منذ عام 1984، وقد وفرنا أكثر من 20 ألف محل جديد في السجون، وأنت تدري كم من المشاكل في السجون البرازيلية تنتج أيضاً عن تضخم عدد المعتقلين الذين يفوق عددهم إمكانية استيعاب هذه السجون.
■ ولكن الحكومة المركزية هي مسؤولة عن حماية الحدود حسب الدستور؟
ــ صحيح، ولكن هذه المشكلة تطال جميع الدول. أول دولة تستثمر في الأمن، عالمياً، هي الولايات المتحدة، وحدودها مع المكسيك أصغر خمس مرات من حدودنا. وبالرغم من ذلك، لم يستطيعوا الحدّ من دخول المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيهم. في ما يخصنا، أعطينا الأولوية ليس فقط لضبط المخدرات على الحدود لئلا نكتفي باعتقال سائق شاحنة بل لملاحقته متى يدخل إلى أراضينا حتى يصل إلى هدفه لنستطيع القضاء على الشبكة بأكملها.
■ الفساد قضية مزمنة في البرازيل، وتعلمون أنها تحولت إشكالية كبيرة خلال ولايتكم. ما هو السبب؟
ــ لأنه لم تؤمن في تاريخ البرازيل ظروف لمحاربة الفساد كالتي وفرناها في ولايتنا. ولم تطلق حرية عمل البوليس المركزي واستقلاليتها كما أطلقناها. النتيجة الموضوعية أنه لم يتم التحقيق والاقتصاص من قضايا الفساد كما حصل في عهدنا. أكثر من 275 عملية خاصة أدت إلى اعتقال أكثر من 3200 مخالف، منهم 1300 متورط بالفساد. وهي شبكات في أكثرية الحالات «معشعشة» في الوزارات منذ عقود. أيّاً يكن، فالمعركة مستمرة، ما دمت موجوداً في سدة الرئاسة، وكل من تورط سيعاقب بشدة، ولن «أغطي» أحداً. لن نهادن مع الفساد وسنستمر نحاربه من خلال احترام القوانين والمؤسسات. إضافة إلى ذلك، محاربة الفساد تتطلب لقيام بإصلاح سياسي عميق.
■ حول هذا الموضوع، لماذا لم تبادر إلى القيام بإصلاح سياسي وانتخابي، علماً بأن المراقبين يرون أنه ضرورة ماسّة لتحديث الحياة السياسية ولمحاربة الفساد؟
ــ لديّ قناعة عميقة بأن أكثرية عارمة في المجتمع واعية لضرورة تعديل الهيكلية السياسية من خلال اعتماد التمويل الرسمي للحملات الانتخابية وفرض الوفاء الحزبي ومنع التنقل من حزب إلى آخر في الولاية الواحدة، وإلغاء إمكانية تجديد الولاية التي أقرّت عام 1996، وصولاً إلى تدابير أخرى لا مجال لتفصيلها الآن. البرازيل بحاجة إلى إصلاح سياسي طارئ لأن الإصلاح السياسي هو مصدر جميع الإصلاحات.
لم يفتني هذا الأمر مع أن المبادرة في هذا المجال تعود إلى السلطة التشريعية في نظامنا، لا إلى السلطة التنفيذية. وكان لدينا أولويات أخرى لأننا تسلّمنا كما سبق وقلت اقتصاداً محطماً. أما الآن، وبعد أن نجحنا في إعادة البرازيل إلى السكة، وبعد أن أكملت الديموقراطية البرازيلية مرحلة في غاية الأهمية إذ تداولت كل أحزابنا الكبيرة على السلطة، أعتقد أن الظروف أصبحت متوافرة لإقرار إصلاح سياسي وانتخابي عميق.
■ ألا تعتقد أن الحياة السياسية تحتاج إلى انتظامات من نوع آخر تسمح بأن تتقدم الإصلاحات بسرعة بدلاً من أن تراوح مكانها خلال سنوات طويلة بسبب غياب الأكثريات السياسية الثابتة؟
ــ سأتحمل شخصياً مسؤولية بناء التحالفات التي على الحكومة القيام بها لتأمين الأكثرية التي تحتاج إليها في الكونغرس لإقرار المشاريع التي ستسمح بالاستمرار في مسيرة إصلاح البرازيل وتغييرها. سأناقش هذه المواضيع مع الحلفاء، ومع «حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية» (أكبر حزب برازيلي وبيضة القبان في المجلس الجديد)، ومع الأحزاب الأخرى، ومع حكام الولايات لتوفير ظروف الاستقرار السياسي التي يحتاج إليها البلد. إضافة إلى ذلك، كما سبق وقلنا، البلد بحاجة ماسة إلى إصلاح سياسي يقوي الأحزاب ويربط بين الناخب والمشاريع الوطنية لكل الأحزاب، إصلاح يقوي آليات تتيح معالجة التشوهات التي تعاني منها حياتنا السياسية.
■ ممن ستتألف أكثريتك السياسية؟
ــ سنحكم البلد مع القوى السياسية التي أيّدتنا في الانتخابات، ولكننا منفتحون لعقد كل الاتفاقات الضرورية مع المعارضة حول المشاريع ذات المصلحة الوطنية. هذا يتطلب عقد اتفاقات حول القضايا التي تهم كل البرازيليين مثل قانون التربية وقانون المؤسسات الصغيرة وإصلاح الضمان الاجتماعي وتنظيم الضرائب في الولايات، إضافة بالتأكيد إلى الإصلاح السياسي...
■ أنتقل إلى السياسة الخارجية. كيف تقوّم ولايتك الأولى، وماذا تنوي القيام به في الولاية الثانية؟
ــ في ولايتي الأولى، ازداد وزن البرازيل السيادي في العالم وسأحاول ترسيخ هذا الاتجاه في ولايتي الثانية. ستبقى البرازيل تناضل في الهيئات الدولية من أجل نصرة عالم متعدد الأقطاب والمساهمة في إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وستطور البرازيل مبادراتها لنظام اقتصادي ومالي وتجاري أكثر عدالة، تستفيد منه بالأولوية الدول الفقيرة والنامية، ويساهم في تقليص الاختلالات العالمية. ستبقى البرازيل منكبّة على معركتها ضد الجوع، ومع السلام القائم على إقامة علاقات بين الدول على قاعدة احترام سيادة كل واحدة منها وعدم الاعتداء عليها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ومن الطبيعي، سنبقى نعطي الأولوية لبناء الاندماج الأميركي الجنوبي، إن في إطار «المركوسور» أو في إطار مجموعة الدول الأميركية الجنوبية بشكل خاص. وفي الوقت نفسه، سنطوّر ما نسميه بالعلاقات الجنوبية ــ الجنوبية أي مع دول القارة الأفريقية التي لا يمكن تركها تغرق في أزماتها. وهذا لا يمنع أن يكون لنا علاقات جيدة مع الأسواق الكبيرة الأميركية الشمالية والأوروبية والآسيوية، كما هي الحال حالياً حيث لدينا مع كل هذه الأسواق علاقات إيجابية وسيادية.
■ ولكن أخصامكم يقولون إنكم استبدلتم العلاقات التقليدية بهذه الأسواق الكبيرة بالعلاقات مع الدول الفقيرة، وإنكم تركتم مشروع الألكا (السوق الأميركية الموحدة) يتعطل؟
ــ هذا افتراء، ويكفي أن تعود إلى أرقام تجارتنا الخارجية لترى كم تطورت، لا بل تضاعفت علاقاتنا التجارية مع هذه الأسواق الكبيرة. من ينتقد سياستنا هم أنفسهم الذين يريدون وضع سياستنا الخارجية في حالة من التبعية إزاء الولايات المتحدة وأوروبا. علاقات البرازيل جيدة مع هذه الدول، ويجب أن تستمر على هذا المنوال. ولكن علينا أن ننوع علاقاتنا كل مرة أكثر وأكثر لأن التبعية هي نقيض السيادة. في ما يخص «الألكا»، ندافع في إطارها عن مصالحنا الوطنية والإقليمية، وقد تحددت في اجتماع ميامي طرق التقدم في المفاوضات، مع أنه يوجد الآن توافق بين جميع أعضائها أن الأولوية في الوقت الحاضر يجب أن تعود إلى المفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية...
■ أنت الذي بادرت الى عقد القمة العربية ــ الأميركية الجنوبية. ما الغاية من هذه المبادرة وكيف تقوِّم نتائجها حتى الآن؟
ــ شكّلت القمة بين العالم العربي وأميركا الجنوبية مبادرة سبّاقة وجريئة، ناتجة عن إرادة جامعة بنقل تاريخنا الطويل في التعايش إلى تحالف بين مجموعتين مصممتين على تحديد مكانتهما في عالم أكثر عدالة وتضامناً. لدينا قناعة تجمعنا بأن الحوار والتعارف المتبادل هي أهم أدوات نملكها لتقريب مناطقنا وتخطي فوارقنا وتوحيد شعوبنا. يعيش العالم العربي وكذلك أميركا الجنوبية مرحلة حاسمة في بناء الديموقراطية وفي استعادة النمو، وعيون المجموعة الدولية متجهة إليهما. لقاء القمة بين العالم العربي وأميركا الجنوبية الذي كان للبرازيل شرف استضافته كان ينوي تدعيم علاقاتنا السياسية وتطوير علاقاتنا التجارية والبحث في سبل التعاون للقيام باستثمارات مشتركة إن في العالم العربي أو في أميركا الجنوبية. سنحاول في الولاية الثانية توسيع مجال العلاقات التجارية والسياسية لترسيخ تبادلات تكون، عاماً بعد عام، أقوى وأجرأ وأكثر إنتاجية. والمسافة التي قطعناها منذ انعقاد القمة تدل على أننا على الطريق الصحيح. ولكنني أنوي أيضاً تجديد التجربة من خلال الدعوة إلى عقد قمة بين القارة الأفريقية وأميركا الجنوبية. هذه مساهمتنا في بناء عالم متعدد الأقطاب، كما يشكل هدف تغيير جغرافيا العالم التجارية أحد طموحاتنا الكبيرة. طموحات حكومتي هي المساهمة لجعل العالم أكثر ديموقراطية، ولجعل التجارة تسري بسهولة أكبر بين الدول، ما سيسمح بزيادة الإنتاجية وثروة كل دولة وخصوصاً الدول الأكثر فقراً.
حاوره: بول الأشقر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد