حسن نصر الله رجل عام2006
اذا كان رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري رجل عام 2005 بامتياز في لبنان، فان لقب عام 2006 يذهب بدون شك للامين العام لحزب الله حسن نصر الله.
شكل اغتيال الاول في فبراير/ شباط 2005 زلزالا سياسيا، وصلت هزاته الارتدادية الى دمشق التي سحبت جيشها من لبنان، بعد وجود دام نحو ثلاثة عقود، تحت ضغط شارع غاضب، ومجتمع دولي لم يكف منذ عام 2004 والتمديد للرئيس اميل لحود عن مطالبة سورية بوقف تدخلاتها في لبنان مستندا بذلك الى القرار 1559 الصادر عن مجلس الامن الدولي والذي يفرض كذلك نزع سلاح الميليشات.
اما الثاني، اي حسن نصر الله، فهو الذي تمكن خلال عام 2006 ان يحقق بقيادته لحزب الله، ما لم ينجزه اي جيش عربي في اكثر من ستة عقود من النزاع مع اسرائيل، وهو اثبات قدرة على القتال دون الانكسار، ولاكثر من شهر، ضد جيش اعتاد على حسم حروبه مع البلدان العربية في غضون ايام.
حرب يوليو/ تموز 2006، والتي يمكن وصفها بالزلزال اللبناني لهذا العام، انتهت دون ان يحقق اي من الطرفين اهدافه المعلنة. فاسرائيل التي قالت في الايام الاولى للحرب انها ستقضي على حزب الله لم تتمكن من ذلك اذ قاتلها الحزب بالوتيرة نفسها منذ الدقيقة الاولى حتى الدقيقة الاخيرة.
اما حزب الله، وبالاضافة الى فشله حتى الآن بتحقيق هدف عملية "الوعد الصادق" حيث خطف جنديين اسرائيليين لمبادلتهما بثلاثة اسرى لبنانيين في السجون الاسرائيلية، فقد قبل بالقرار الدولي رقم 1701 الذي وضع حدا للعمليات العسكرية من جهة، الا انه من جهة ثانية وضع الحزب تحت "الاقامة الجبرية" باستقدام 15 الف جندي اجنبي الى جنوب لبنان يسهرون على ان يكون قسم كبير من الجنوب منطقة خالية من كل سلاح ظاهر ما عدا القوات الدولية والجيش اللبناني، ما يحد حكما حركة عناصر واسلحة الحزب على طول الحدود مع اسرائيل وبالتالي، يكون الحزب قد فقد قدرته على المناورة في هذه المنطقة.
جلسات الحوار
على الرغم من ان الحرب كانت الحدث الابرز لعام 2006 في لبنان، الا ان ما سبقها وما نتج عنها على الساحة الداخلية لم يكن اقل اهمية
اختتم عام 2005 على مقتل النائب والصحفي جبران تويني الذي كان الاخير في سلسلة اغتيالات حصدت الصحفي سمير قصير والامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي، ومحاولات اغتيال طالت وزير الدفاع الياس المر والصحفية مي شدياق.
كانت نتيجة اغتيال توني في اواخر 2005، ازمة وزارية افتتح بها عام 2006 اذ قرر وزراء الطائفة الشيعية الاعتكاف عن حضور جلسات الحكومة بعد اصرار الحكومة على استعجال طلب تأليف محكمة ذات طابع دولي من الامم المتحدة لمحاكمة قتلة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
دام اعتكاف الوزراء الشيعة سبعة اسابيع حتى بداية فبراير/ شباط 2006، حيث تقررت عودتهم بعد اطلاق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مبادرة سياسية تقضي بعودة الوزراء الى الحكومة، وعقد جلسات حوار وطني بين القوى الاساسية في البلاد ومناقشة المواضيع السياسية الاساسية المطروحة واهمها ازمة رئاسة الجمهورية، وموضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وسلاح حزب الله وتصحيح العلاقات اللبنانية-السورية من خلال اقامة علاقات دبلوماسية بين بيروت ودمشق.
اتفق المتحاورون على انهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات في مهلة ستة اشهر، كما اتفقوا على استمرار التحقيق الدولي في اغتيال الحريري واقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسورية على مستوى السفارات وتحديد الحدود لاسيما في منطقة مزارع شبعا.
اما في موضوع رئاسة الجمهورية فلم تصل القوى السياسية الى حل يرضي الداعمين لاميل لحود المقرب من سورية ومعارضيه الذين يرون ان التمديد للحود عام 2004 جاء بضغط سوري ويطالبون بانتخاب رئيس جديد للبلاد
اخيرا في ما يتعلق بسلاح حزب الله، بقيت هذه القضية محط نقاش حاد قدم خلاله الحزب ما سماه بـ"استراتيجية دفاعية" تبرر ابقاء السلاح لانه "رادع ويهدف الى حماية لبنان من الهجمات الاسرائيلية"، غير ان الحزب لم يتمكن من اقناع باقي الاطراف بجدوى استراتيجيته، وكان يجري التحضير لمناقشة هذه الاستراتيجية وعرض استراتيجيات اخرى على طاولة الحوار في النصف الثاني من شهر يوليو/ تموز، الا ان حزب الله قرر تنفيذ عملية "الوعد الصادق" قبل استكمال هذا النقاش، ووقعت الحرب التي استمرت 34 يوما.
الحرب والمرحلة الجديدة
دون الدخول في تفاصيل الحرب فان حصيلتها الميدانية كانت متصاعدة منذ ان بدأت اسرائيل عملياتها الحربية. وانتهت الحرب بمقتل اكثر من 1200 شخص وتهجير اكثر من مليون لبناني من قراهم في الجنوب والبقاع وحتى الضاحية الجنوبية لبيروت
كما ادت الى دمار واسع طال الكثير من الابنية السكنية، ولكن الاهم كان الضرر الذي حل بالبنية التحتية من جسور ومحطات تحويل كهرباء وطرقات ومطارات ومرافئ... كما لوحظ تركيز اسرائيلي على تدمير مؤسسات اجتماعية واقتصادية واعلامية تابعة لحزب الله.
ظلت النتائج السياسية طي الكتمان حتى الاسبوع الاخير من الحرب حيث افتتحت المرحلة السياسية بقرار مجلس الوزراء اللبناني بالاجماع ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب، وهو الامر الذي لطالما عارضه حزب الله بحجة انه لا يقبل بان يلعب الجيش اللبناني دور حرس الحدود الاسرائيلي.
وكانت هذة الخطوة تمهيدا لصيغة القرار الدولي رقم 1701 الذي اوصى بانتشار قوة دولية من 15 الف جندي في جنوب لبنان، تزامنا مع عدد مماثل للجيش اللبناني، ولكن بتعليمات واضخة بالا تكون المهمة البحث عن سلاح حزب الله ونزعه، باستثناء مصادرة كل سلاح ظاهر من قبل الجيش اللبناني وحده.
منذ ان دخل القرار الدولي حيز التنفيذ في الرابع عشر من اغسطس/ آب الماضي، بدأت عملية الاستثمار السياسي لنتائج حرب يوليه/تموز. بغض النظر عن تأثير الحرب على الداخل الاسرائيلي الذي لن نغوص في تفاصيله، فان الوقع السياسي لهذا الشهر من الدمار والقتل والتهجير في لبنان كان كبيرا جدا.
الاشتعال السياسي
منذ ان نفذ حزب الله عمليته في 12 يوليو/ تموز، كانت الاصوات المعارضة للحزب والتي تتمثل تحديدا بقوى الاكثرية الحاكمة التي باتت معروفة بقوى الرابع عشر من آذار تقول بعدم جدوى عملية الاسر التي ادخلت لبنان في حرب كان بالغنى عن نتائجها الوخيمة. الا ان هذا الطرف السياسي كان يدعو الى ترك النقاش في جدوى افتعال العملية الى ما بعد انتهاء الحرب.
اشتعل النقاش منذ اليوم الاول لتوقف القصف، فبينما كانت قوى 14 آذار تقول ان الخاسر الاكبر هو لبنان بسبب ما خلفته آلة الحرب الاسرائيلية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي بالاضافة الى الدمار والقتل، صور حزب الله نهاية حرب تموز على انها انتصار له وترجم هذه الوجهة من خلال الاسراع بالقيام بحملة دعائية كبيرة من صور ضحمة ولافتات ومهرجانات تحت عنوان "النصر الالهي".
برر حزب الله موقفه بقدرته على الصمود في وجه العمليات العسكرية، وقدرته على الرد ان صاروخيا في الداخل الاسرائيلي او على الجبهات من خلال تكبيد الجيش الاسرائيلي خسائر بالعتاد والارواح لم يسبق لها مثيل.
ذهبت الامور الى ابعد من ذلك اذ تكرس واقع الاختلاف الداخلي بين حزب الله والسلطة خلال ما سمي بـ"مهرجان النصر الالهي" حيث حل حسن نصر الله، وللمرة الاولى بعد الحرب، خطيبا في جمهور واسع جدا احتشد ليستمع اليه.
في هذا اليوم الذي وقع في 22 سبتمبر/ ايلول الماضي، حدد نصر الله ثوابته السياسية التي تمثلت بدعوته لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة لتحل محل حكومة رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة، كما اعطى قراءته لمرحلة ما بعد حرب تموز 2006 على الصعيدين الاقليمي واللبناني. فقال نصر الله ان "بناء دولة عادلة وقوية وقادرة يبدأ اولا بتشكيل حكومة وحدة وطنية جادة"، مضيفا ان "قوة حزب الله احدثت تراجعا حادا لخطط الولايات المتحدة فيما يتعلق بعملية السلام الجديدة في الشرق الاوسط
بدأت ترجمة هذه الخلافات الداخلية تتبلور، اذ لاقى حزب الله في معركته السياسية ضد الحكومة حليفه ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر، وحركة امل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري، واحزاب وتجمعات اخرى عرفت بولائها لسورية مثل تيار المردة وعلى رأسه سليمان فرنجية، ورئيس الحكومة السابق عمر كرامي والحزب السوري القومي الاجتماعي.
وتشكلت بذلك جبهة عريضة انضوت القوى التي تؤلفها تحت العناوين التي حددها حزب الله لهذه المرحلة. وتحول هذا التجمع في غضون اقل من شهرين الى تكتل معارض كبير يحمل مشروعا سياسيا يبدأ بالمطالبة بثلث اعضاء الحكومة زائد واحد بما يتيح للاقلية منع الاكثرية من اقرار امور مصيرية منفردة.
بقي كل من الحكومة والمعارضة على رأيه، ما دفع رئيس مجلس النواب الى دعوة المتنافسين في مطلع شهر نوفمبر الماضي الى جلسات للتشاور من اجل حسم الازمة السياسية. الا ان التشاور الذي امتد على اربعة جلسات لم يحرز اي تقدم، اذ رفض الفريق الحاكم اعطاء المعارضة "الثلث المعطل" قائلا ان ذلك سيحول دون اقرار نظام المحكمة ذات طابع دولي. اما المعارضة، فقد كانت منذ بادئ الامر هددت بتنظيم تظاهرات ضخمة وتحرك في الشارع لتحقيق مطالبها.
وبعد ساعات قليلة من اعلان فشل التشاور، قدم الوزراء الشيعة الخمسة في الحكومة استقالتهم وتبعهم بذلك ووزير مسيحي مقرب من رئيس الجمهورية. قال هؤلاء الوزراء ان الاستقالة اتت لفشل جلسات التشاور، لكن الاكثرية التي كانت قد تسلمت قبل ساعات مسودة انشاء المحكمة الدولية، اعادت انسحاب الشيعة من الحكومة الى رفضهم تمرير المحكمة.
نشأ جدل دستوري حاد لا يزال قائما حول شرعية الحكومة بعد انسحاب وزراء طائفة بكاملها منها، وتزامن ذلك مع تسليط سيف اللجوء الى التظاهر من قبل المعارضة، قابله تهديد مماثل من قبل قوى 14 آذار.
عودة الاغتيالات
دام هذا الجو المشحون حتى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، اليوم الذي عادت به الاغتيالات السياسية لتطال وزير الصناعة بيار الجميل، ودخلت البلاد اسبوع حداد وسيف التظاهر لا يزال مسلطا فوق رأسها. كثرت التفسيرات حول اغتيال الجميل، فالمعارضة قالت ان هذه العملية تضر بها اولا، فيما اشار الموالون للحكومة ان الهدف من ذلك هو تعطيل نصاب الحكومة التي تفقد نصابها عند فقدانها ثلث اعضائها. فمع استقالة ستة وزراء وقتل وزير، اصبح النصاب مهددا.
استمر جو الاخذ والرد هذا حتى اطلاق المعارضة لتحركها في الشارع في الاول من ديسمبر/ كانون الثاني، وتدشين اعتصام مفتوح في ساحات وسط بيروت ومحاصرة القصر الحكومي. ومنذ ذلك الحين، وصل التشنج السياسي الى مراحل غير مسبوقة، فمن جهة المعارضة اتهامات تخوينية للحكومة اذ وصفها حسن نصر الله بحكومة السفير الامريكي جيفري فيلتمان التي تواطأت على "المقاومة" خلال الحرب، اما من جهة القوى الموالية، فالخطاب كان تخوينيا للمعارضة التي "تحركها كل من دمشق وطهران".
لم يطل هذا السجال لينقلب تشنجا طائفيا بين السنة والشيعة، وبخاصة مع مقتل احد المتظاهرين الشيعة في عراك وسط منطقة سنية تعرف بولائها للحكومة ورئيس الاكثرية النيابية سعد الحريري. ولم يبق الامر محليا، اذ سارعت سورية الى اعلان تأييدها "للمطالب المحقة للمعارضة"، مقابل موقف مصري-سعودي ودولي داعم لحكومة فؤاد السنيورة.
هل تنجح الوساطة؟
والمحاولة الحالية الوحيدة للخروج من الازمة، وساطة يقوم بها امين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى بين اطراف داخلية وخارجية تضع حدا للمأزق الذي يتفاقم مع اعلان المعارضة مؤخرا عدم اكتفائها بالمشاركة في الحكومة، بل العمل على تصعيد الضغط من اجل اجراء انتخابات نيابية مبكرة علها تطيح بالاكثرية النيابية وتأتي باكثرية جديدة.
يبدو ان القوى السياسية قررت ان تكون فترة اعياد نهاية العام هدنة ليتمكن الناس من التمتع ببهجة العيد، لكن المؤكد ان عام 2007 سيرى النور في لبنان على ازمة سياسية لم تتوقف عن التفاعل منذ "الوعد الصادق" في 12 يوليو/ تموز الماضي.
المصدر: BCC
إضافة تعليق جديد