جهود الفرصة الأخيرة لتعريب الأزمة اللبنانية – السورية
جولة الموفد الرئاسي السوداني مصطفى إسماعيل، التي بدأها بزيارة دمشق وأنهاها بزيارة بيروت، اعتبرت من وجهة نظر المحللين السياسيين غاية في الأهمية، لأن هدفها الرئيسي كما هو معلن مجرد وساطة بين سوريا ولبنان، للتخفيف من حالة التوتر والاحتقان التي تشوب علاقة البلدين، بل إرساء كل الأسس والمرتكزات لتعريب حلول الأزمة اللبنانية في مواجهة محاولات تدويلها.
ويشير المراقبون السياسيون إلى ملاحظة مهمة اتسمت بها الزيارة بعدم حصر الموفد الرئاسي لدوره كناقل لوجهات النظر بين بيروت ودمشق حول القضايا المختلف عليها، بل باتخاذ موقف مبادر في اقتراح حلول ومخارج للأزمة الداخلية اللبنانية وتفرعاتها سورياً وفلسطينياً والعمل على إيجاد آليات عربية لدعمها وإقرارها.
وما يعزز هذا الطرح هو أن الموفد الرئاسي السوداني لم يقصر لقاءاته في بيروت على الرئاسات الثلاث، فبالإضافة إلى لقاءاته مع الرؤساء لحود وبري والسنيورة، التقى كلاً من السيد حسن نصر الله، وميشال عون، والبطريرك الماروني صفير، وسعد الحريري، وأمين الجميل، ووليد جنبلاط، ومعن بشور، وتناول النقاش معهم مجريات وتطورات الحوار الوطني اللبناني والقضايا العالقة في هذا الحوار. ومن المتوقع أن تمتد جهود الموفد الرئاسي السوداني لتشمل لقاءات مع القيادات والمرجعيات الفلسطينية، وذلك لأن حواراته في بيروت تركزت على ثلاث قضايا رئيسية هي الأزمة الداخلية اللبنانية والحوار الوطني القائم لحلها وارتباطها بملفي العلاقات السورية - اللبنانية، والسلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان.
وفي تقدير المحللين السياسيين فإن بلورة مشروع حل عربي بات جاهزاً، في ضوء عدد من الإنجازات التي سبقت أو رافقت الجولة الأخيرة للموفد السوداني، وأبرزها إعلان حكومة فؤاد السنيورة الالتزام بوقف الحملات الإعلامية ضد دمشق، واستعداد السنيورة للبحث في كل المنغصات التي تحول دون عودة المياه إلى مجاريها مع دمشق، واتفاق لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية على إعادة افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، والاستعداد لجولة جديدة من الحوار بين الفلسطينيين والحكومة اللبنانية حول ترتيب العلاقة ومعالجة موضوع السلاح خارج المخيمات، وإعادة تنظيمه داخلها بما يحفظ السيادة اللبنانية، ويؤمن أمن المخيمات الفلسطينية في آن.
وبحسب المراقبين فإن الزيارة المتوقع أن يقوم بها وزير الخارجية اللبناني خلال الأيام القريبة إلى دمشق ستفتح الباب أمام زيارة رئيس الوزراء اللبناني المعطلة منذ فترة ليست بالقصيرة. والموفد السوداني ضغط من أجل تحقيقها خلال هذا الأسبوع حتى يتم استباق تقديم مشروع القرار الأمريكي الفرنسي إلى مجلس الأمن بخصوص استكمال تطبيق القرار ،1559 وغني عن القول إن جهد السودان الذي يترأس القمة العربية مطلوب سورياً، لأنه يفتح على تعريب الحل بدلاً من التدويل ومطلوب فلسطينياً، وبات مطلوباً لبنانياً بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية وإدراك أغلبية حكومة السنيورة مخاطر الاندفاع نحو التدويل، وبالتالي قد يكون تعريب الحل هو الحل الأمثل والأنسب، ولهذا فاتورة يجب أن يتم دفعها، وأولها لجم سياسات بعض أطراف تيار “14 من آذار” التي تفضل الاحتماء بالمظلة الأمريكية - الفرنسية وتدويل القضايا المختلف عليها.
وفي رأي دمشق فإن جهود الموفد الرئاسي السوداني قد تكون بمثابة الفرصة الأخيرة ويجب اغتنامها من قبل الجميع، لأن التدويل سيضع العلاقات السورية - اللبنانية على مفترق طريق خطير سيكون من الصعب بعده رأبها وإعادتها إلى سياقها الصحيح.
يوسف كركوتي
المصدر : الخليج
إضافة تعليق جديد