جرعات سرطانية وهمية ومحروقات مسروقة !
لم يَحُل عليها حول واحد لننعتها بالجديدة ففي نهاية هذا العام ستكون قضية الفساد في الشركة العامة لمصفاة حمص قد دخلت عامها الثامن لكن ومنذ نحو الشهرين ونيف فقط تم كشف الفساد المتفشي في هذه الشركة وإلقاء القبض على 18 شخصاً من المتورطين بينما بقي 3 أشخاص من بينهم المدير العام السابق لها متوارين عن الأنظار! فهل من المعقول ألا يتم اكتشاف ذلك الفساد المستفحل إلى هذا الوقت فأين كانت عيون الرقابة غائبة طوال تلك المدة ياترى؟!
من أكبر مدير في الشركة إلى أصغر موظف في الحرس كان يعج الفساد، فمنذ عام 2010 بدأت القصة التي كانت مدروسة ومفبركة على أساس تقسيم الحصص والاستفادة المادية بين رؤوس الفساد المدير العام للشركة آنذاك والمديرين المالي والرقابة الداخلية ومن ضمنها الاتفاق مع تاجر ومورد واحد لبيع قطع صناعية للشركة العامة للمصفاة بأسعار مرتفعة جداً مقابل دفعه مبالغ مالية شهرية تتراوح بين 100-150 ألف ليرة لرؤوس الفساد هؤلاء مقابل التغاضي عن فحش أسعاره وذلك من خلال وسيط كان يعمل رئيس لجنة شراء آنذاك في المصفاة، فمدير الرقابة الداخلية الرأس الأكبر للفساد كان يتغاضى عن معاقبة أي موظف مخل في النظام مقابل مبالغ مادية تصل إلى يده مباشرة أو عبر نائبه (م.خ)، إضافة لتقاضيه مبالغ شهرية جزاء تغاضيه عن فرق الأسعار في الفواتير ليس هذا فقط بل كان يقوم بالسمسرة مع التجار لتخفيض مبالغ التغريم المقررة بحقهم بعد دفعهم رشاوى مالية له، إذ قام بتخفيض مبلغ تغريم أحد التجار من مليونين و400 ألف إلى 500 ألف ليرة بعد أن أخذ 300 ألف ليرة لجيبه الخاصة عربون مساعدة!
أحد التجار (أ.م) أكد أنه على الرغم من أن جميع فواتيره مطابقة للمواصفات وأسعارها أرخص مما تم عرضه من قبل بقية التجار، فقد تم تبليه من قبل مدير الرقابة الداخلية عبر تغريمه مبلغ 11 مليون ليرة كنوع من الضغط ليدفع له 300 ألف ليرة مقابل كل مليون لكنه رفض ذلك فتم تهديده عن طريق مساعده بالتغريم مع الإصرار «والله لغرمك اذا ما بتدفع»، مشيراً إلى أنه قام بتقديم هذه الأوراق والمستندات إلى الجهات المعنية المتضمنة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ومكتب وزارة النفط.
لا يوجد نوع من الفساد إلا وتم ارتكابه في تلك الشركة بدءاً من المناقصات الفاسدة والاتفاق مع تجار معينين لإرساء مناقصات فاسدة عليهم بأسعار مرتفعة جداً مقابل «أخذ المعلوم من الكمسيون» وانتهاءً بسرقة مخصصات الشركة من المازوت والبنزين وبيعها لمصلحة حسابهم الشخصي، ناهيك بسرقة الأدوية السرطانية للعمال المرضى وإيهامهم بتعاطيها عبر أخذ سيرومات حيوية لا تحتوي على أي مادة فعالة.
أحد المهندسين في لجنة الشراء اعترف بأنه خلال ستة أشهر فقط تم إدخال مواد بقيمة 59 مليون ليرة، حصل كل عضو في لجنة المشتريات خلالها على مليون و200 ألف ليرة بينما تم تحميل تلك المبالغ على القطع والمواد التي يتم استجرارها ومن بين إحدى المواد الداخلة 10 صمامات تم بيعها إلى المصفاة بقيمة 600 ألف ليرة أي بقيمة 60 ألف ليرة للصمام الواحد بينما لا يتجاوز سعرها في السوق 30 ألف ليرة وحصل خلالها أعضاء اللجنة على نسبة 10% من قيمة الفاتورة، هنا فقط نتكلم عن طلب شراء صمامات فما بالك بالبلور وحساسات الأكسجين وساعات الكهرباء والضغط… كم حجم الدولارات التي ضيعت على الشركة يا ترى؟
الفساد الأكبر في الشركة كان من خلال إحضار النفط الخام عن طريق القاطرجي بمساعدة محاسبه إذ إنه لم يكن هنالك أي معايير للمواد الخام الداخلة سوى من خلال الوزن وتفيد المعلومات بأن أغلب الصهاريج كانت مخلوطة بالماء بنسبة كبيرة ليتم دفع ثمنها للقاطرجي حسب الوزن من دون أن تتم معايرتها أو معاينتها وبعد التكرير تتم معايرة الناتج فقط كي لا يظهر الفارق الكبير بين الداخل والناتج فكشف مثل هذا الموضوع بحاجة إلى لجنة خبرة اختصاصية موثوقة بينما يحصل المتواطئون معه- وكانت هذه العملية محصورة بالمدير العام السابق ومدير الإنتاج ورئيس قسم الغاز- على حصة لقاء ذلك.
حتى مخصصات الشركة من المحروقات كانت تباع وتشترى بعد تعديل المسافات من خلال أجهزة خاصة تقوم بتدوير شريط الكيلو متراج وتزويرها على المسافة المراد وضعها، كل ذلك كان يقوم به السائقون بالتعاون مع رئيس المرآب الذي كان يقوم بالتغطية على المسافات المقطوعة والتوقيع على مهمات داخل المحافظة وخارجها مقابل مبلغ شهري يقدر بـ300 ألف ليرة يحصله من السائقين، إضافة للاتفاق مع مدير النقل (ي.م) الذي كان يقوم بتوقيع طلبات شراء وهمية وفواتير إصلاح زائفة مقابل الحصول على رشوة مالية تقدر بـ200 ألف ليرة، ناهيك بموافقاته على إعطاء مهمات خارجية للسائقين بعد أخذ حصته المقدرة بـ25 ألف ليرة أسبوعياً والتي ما لبث أن زادها إلى 50 ألف ليرة أسبوعياً بعد أن زاد عدد موافقاته على المهمات الخارجية، هذا الحال تطور لدى السائقين ليقوموا أخيراً بإيقاف كامل السيارات والشاحنات المقدرة بـ17 شاحنة وسرقة مخصصاتها المقدرة للواحدة منها بـ800 ليتر وبيعها بعد قلب عداد المسافة.
أحد السائقين أكد في اعترافه أن معظم السائقين في المصفاة يقومون بسرقة مخصصات سياراتهم بقصد بيعها وكسب الربح المادي بتغطية من رئيس المرآب ومدير النقل مقابل حصولهم على المال إضافة لتعبئة سياراتهم الخاصة عن طريق بطاقات سيارات الشركة.
سائق آخر أفاد ببيع ما يقوم بسرقته من المازوت لأصحاب الاستراحات المنتشرة على أوتستراد حمص طرطوس بعد القيام بفصل علبة سرعة السيارة في الطرقات السهلية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة نحو 150 ليتر مازوت شهرياً ومن ثم تفريغها من خزان وقود السيارة بوساطة ماسورة في مستوعبات بلاستيكية، ما لبث أن تطور موضوع السرقة لديه باستخدامه جهاز خاص زاد من كمية السرقة إلى 350 ليتراً شهرياً.
رئيس الحرس أيضاً من ضمن المتورطين في الفساد في الشركة فقد كان يتقاضى المال من قبل السائقين لقاء غض النظر عن سرقة السائقين المازوت المخصص لسيارات الشركة وبيعها في السوق السوداء.
أحد السائقين خلال اعترافه أفاد بأنه كان يقوم بسرقة المازوت المخصص والتغطية على جريمته من خلال فك القطعة الزجاجية الموجودة فوق تابلو عدادات السيارة ومن ثم القيام بتقديم عداد السيارة بوساطة إبرة لتخفيف المسافة المطلوبة وبعد أن تم تعطيل العداد بسبب استخدام الإبرة يتم استبداله بناء على طلبه بعداد إلكتروني لا يلبث أن يتعلم كيفية التلاعب بالمسافة عبر توصيله بوشيعة من طرف وسلك كهربائي بطرف آخر يتم من خلالها ارسال نبضات كهربائية تعدل المسافة.
بينما اعترف آخر بسرقة المازوت وتوفير 100 ليتر تقريباً في الشهر ونقل الكمية الفائضة بعد سحبها من خزان وقود الشاحنة إلى كالونات ومنها إلى منزله والى منزل رئيس المرآب وتتم التغطية على تلك الكمية من الوقود من خلال قطع مهمات وهمية موقعة من الأخير.
لم تكن السرقة المادية هي الفساد الوحيد المستشري في الشركة فشراء المناصب بالمال كان معلناً فيها، فأحد الموظفين تم تعيينه رئيس لجنة شراء في الشركة برغم أنه ليس مهندساً وتوجد بحقه قرارات تفتيشية بعد «تواسط» أحد التجار له عند المدير العام السابق للشركة ودفعه مبلغ مليون ليرة ليصبح رئيساً للجنة، يمرر للتجار ما يريده من صفقات ويتقاسم المعلوم مع أعضاء اللجنة يقول هذا الموظف: استطعت تجميع 400 ألف ليرة خلال عملي رئيساً لتلك اللجنة مدة 6 أشهر فقط إضافة لمبالغ أخرى كنت أقوم بصرفها بحكم عملي رئيس لجنة، بينما كان يحصل المدير العام من التاجر على 200 ألف ليرة شهرياً والمدير المالي 100 ألف ليرة و75 ألف ليرة لمدير الرقابة الداخلية مقابل جعله المورد الوحيد للشركة.
بينما اعترف أحد المسؤولين في لجنة الإصلاح بسرقة 7 ملايين ليرة من خلال رفع أسعار الإصلاح والاستفادة من الفارق.
لم يترك الفاسدون في الشركة منفذاً إلا واستغلوه في فسادهم حتى الحالة الإنسانية لديهم كانت معدومة، فاستثمروا حاجة المرضى البالغ عددهم 85 مريضاً من موظفي الشركة لجني أرباح تشفي طمعهم من خلال رئيس لجنة شراء الأدوية الذي كان يقوم بكتابة وصفات طبية وهمية من دون وجود مريض بالتعاون مع طبيب يأخذ عن كل وصفة مبلغ ألف ليرة وصيدلاني يأخذ ربح 35% عن كل وصفة مكتوبة، ومن ثم يتم جمع الوصفات وتسجيلها على الكمبيوتر وكأن كل ما حدث نظامي، ليس هذا فقط بل كان يتم التلاعب بالوصفات التي يحضرها مريض السرطان ويتم إعطاؤه جرعات وهمية إضافة إلى التلاعب في أسعار الأدوية السرطانية فالدواء الذي قيمته 100 ألف يتم تسجيل قيمته 300 ألف ومن ثم يتم تقاسم ثمنها فيما بينهم.
تم الاستفسار عن الحادثة من مدير الشركة العامة لمصفاة حمص الحالي هيثم مسوكر الذي أكد وجوده خارج القطر مع وفد برفقة الوزير عندما وصلت نتائج التحقيق والقضاء الذي تم بناء على معلومات سابقة كانت موجودة لدى الجهات المختصة التي بدأت بالتحقيق مع رئيس الحرس الذي قام بالاعتراف على جميع المتورطين، مشيراً إلى أن الشركة تحتفظ بحق الادعاء على من يثبت ارتكابه للحفاظ على حقوق الشركة.
وأشار مسوكر إلى أن موضوع الفساد في الشركة قديم جداً مدللاً على ذلك بتورط مدير مالي سابق تم استدعاؤه للتحقيق بتجاوزات قام بارتكابها عندما كان رئيس دائرة نفقات، مؤكداً أنه حينها كان يشغل منصب مدير صيانة هندسية ولم يكن لديه أي معلومات عن حدوث تلك السرقات الكبيرة ففي تلك الأوقات تعرضت المصفاة إلى الاستهداف أكثر من مرة من قبل الإرهابيين وكان جل اهتمامه إعادة المصفاة إلى العمل وتصليح الأعطال.
لكن وبرغم عدم علمه بتلك التجاوزات أكد مسوكر قيامه بمجموعة من الإجراءات عند استلامه منصب مدير المصفاة -وكأنه يريد القول إن قلبه دليله- فقام بإعفاء مدير الحرس وتشديد الحراسة على الشركة بعد ملاحظة التسيب في الحراسة إضافة لتغيير بعض رؤساء الأقسام والتشديد بموضوع الوصفات فتم وضع ضوابط جديدة على كل وصفة تتجاوز قيمتها 10 آلاف ليرة تتضمن عرضها على لجنة طبية من قبل نقابة الأطباء بعد الفحص والتي بدورها
تقرر إن كانت الوصفة تستحق الصرف أم لا، بغض النظر عن وصفات مرضى القلب والأورام الذين يتم علاجهم فوراً، كما قام برفع كتاب إلى الوزير باستبدال مدير الرقابة الداخلية بعد مراقبة أداء عمله وملاحظة لبس فيه، إضافة لتدخله في لجان الشراء، لكن لم يتم الأخذ بذلك الكتاب إلى حين إيقاف هذا المدير ولاسيما أن منصباً كهذا يحتاج موافقة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.
وأشار مسوكر إلى أن المدير العام السابق للمصفاة -الذي تم التمديد له عاماً بعد تقاعده -من بين المتورطين في الفساد وهو حالياً متوارٍ عن الأنظار ولا أحد يعلم أين هو وكذلك عاملان آخران كانا عضوين في لجان الشراء.
تشرين - دانية الدوس
إضافة تعليق جديد