توصيات الملتقى الدولي لتأصيل المدن العربية
ثلاثة أيام في كلية الهندسة المعمارية في المدرج الكبير كانت كافية لمناقشة كيفية الحفاظ على المدينة العربية والإسلامية والعمل على رفع التوصيات اللازمة للحفاظ على هذا النسيج العمراني المتميز والفريد وحض الجهات المسؤولة للقيام بواجبها تجاه التاريخ والمجتمع بمنع التعديات على بنى المدينة القديمة والعمل على ترميمها وإزالة المعوقات من أمام تطورها الاجتماعي والاقتصادي..
التنظيم، الفكرة، البدايات:
من أهم توصيات الملتقى الأول الذي عقد في عنابة الجزائرية أن يكون الملتقى الثاني في دمشق لما تمثله دمشق من كونها أقدم عاصمة مأهولة في العالم ولأنها عاصمة الأمويين والعرب في كل زمان ومكان، لهذا تداعى ممثلو أكثر من أربعين دولة عربية وإسلامية إلى الملتقى الثاني الذي عقد بالتعاون بين جامعتي دمشق وباجي مختار ومخبر العمران والقانون والمحيط في مدينة عنابة الجزائرية، والهدف من الملتقى العربي والإسلامي الحفاظ على أصالة المدن العربية والإسلامية. وتكونت لهذا الشأن في كلية العمارة السورية الراعية للملتقى عدة لجان تعنى بالملتقى من نواحيه كلها فكانت اللجنة العلمية ويرأسها الدكتور مأمون الورع عميد الكلية وتضم مجموعة من الأساتذة الدكاترة منهم رضوان طحلاوي وغسان حلبوني ورئيف مهنا، واللجنة التنظيمية وتضم السادة الدكاترة بيير نانو، ندى قصيباتي، وغسان عبود وغيرهم، أما المنسقان العامان من الجامعتين فهما الدكتور سلمان محمود من سورية ود. رحيم محياوي من الجزائر.
محاور الملتقى:
لقد اتفق السادة المتحاورون على النقاط الأساسية للملتقى وذلك من خلال لجان الإشراف واللجان العلمية والاقتصادية المشكلة في كلية عمارة دمشق وعمادتها وقبول الأبحاث المشاركة من الدول العربية والإسلامية كلها والتي تجاوزت الثلاثين بحثاً في مختلف المسائل التي تتعلق بالحفاظ على التراث بكل أشكاله لذلك فقد كانت النقطة الأساسية والأهم في محاور الملتقى تتعلق بـ :
1 ـ الحفاظ على التراث الحضاري العمراني والمعماري للمدينة العربية والإسلامية ومن أساسيات هذا المحور:
أ ـ إعادة إحياء المدن التقليدية (القاهرة، دمشق، عنابة، فاس.... الخ).
ب ـ منهجية الترميم بين الحداثة والمحافظة على الإرث المعماري، لذلك ركز المشاركون على ضرورة تأصيل المدينة العربية والأخذ أيضاً بأسباب التطور بمعنى ألا تكون المدينة العربية والإسلامية منغلقة على ذاتها بل تأخذ نصيبها كاملاً من التطور العلمي والحضارة ولكن مع المحافظة على النسيج التقليدي للمدينة العربية.
جـ ـ التنمية المستدامة ودورها الكبير في المدينة العربية والإسلامية.
د ـ تطور مواد البناء ودوره في الحفاظ على المدينة.
هـ ـ المؤسسات الأكاديمية والبحثية بين النظرية والتطبيق، وذلك من خلال ربط الجامعة بالمجتمع.
و ـ تطوير البنى التحتية للمدينة العربية والإسلامية كما يتماشى مع التطور المستقبلي للمدينة.
2 ـ المحور الثاني في هذا الملتقى كان تحت عنوان: خصائص المدينة العربية والإسلامية تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً وتنضوي تحت هذا العنوان مجموعة من العناوين الفرعيةمنها:
ـ تطور المدينة العربية والإسلامية تاريخياً.
ـ أهمية التوثيق التاريخي على العمل الأثري.
ـ أثر البيئة الاجتماعية في تشكيل المدن العربية والإسلامية.
ـ دور الاقتصاد في ازدهار المدينة العربية والإسلامية.
وتناول المحور الثالث: هوية المدينة العربية والإسلامية وتحديات المستقبل وفيه قدمت مجموعة من الأبحاث كغيره من البنود الأساسية تناولت سمات الهوية والمدينة بين العولمة ومطالب الهوية وكذلك الهوية المستقبلية للمدينة العربية، أما المحور الرابع الذي حمل عنوان: دور القوانين والتشريعات في عمران المدينة العربية والإسلامية فقد تحدث السادة المشاركون فيه بإسهاب عن أثر التشريعات العمرانية على تخطيط المدينة ودور القانون والاستملاك، في تطور بنية المدينة ودور نظام البناء في تشكيل المدينة وكذلك تدارسوا مستقبل مخالفات الأبنية وماتتركه من أثر سلبي على مجمل البنية التحتية والفوقية للمدينة العربية وكيفية السيطرة على تلك المخلفات التي تشوه شكل البناء الحضاري والتراثي العربي والإسلامي. وكان المحور الخامس والأخير: المدينة العربية والإسلامية بين جاذبيات السياسة والإعلام وفيه حديث عن دور الدولة في تحديد استراتيجية نمو المدينة وعلاقة السياسة بالنهوض العمراني للمدينة وتأثير الإعلام على القرارات الفاعلة في بنية المدينة، وكثير من السادة الحضور أجمعوا على هذا الدور المهم للإعلام ولكنه غير كاف لأنه يحتاج إلى تآزر الجهات الوصائية القادرة على تفعيل دور الإعلام وإشاراته المتعددة في المجالات كلها ولاسيما تلك التي تتعلق بالمدن والأوابد التاريخية وضرورة الحفاظ عليها ومنع التجاوزات إلى غير ذلك.
الكلمات:
في اليوم الأول في الجلسة الافتتاحية تحدث كل من ممثل جامعة باجي مختار ومخبر العمران والقانون والمحيط بالجزائر وعميد كلية الهندسة المعمارية وراعي المؤتمر رئيس جامعة دمشق الدكتور وائل معلا الذي سلم الدكتور مانع جمال عبد الناصر ممثل جامعة باجي مختار والدكتور كمال عليوش قربوع رئيس مخبر القانون درع الملتقى، وقال إن دمشق هي الأقدم بين الجامعات العربية والسورية وهي الحاضنة للمبادئ العربية والإسلامية، ونوه بضرورة الحفاظ على الميزات العلميةوالثقافية لكل مدينة وأكد دور التشريعات والقوانين في هذا الصدد وكذلك دور الجمعيات والمؤسسات الأكاديمية في الحفاظ على التراث وعلى أصالة المدن العربية والإسلامية، بعد ذلك تم افتتاح معرض أعمال لطلاب الكلية ثم ابتدأت الجلسة الأولى التي ترأسها أ ـ د رافع حقي والمقررون د.أحمد هلال محمد و د.ناديا البصير وتناولت مجموعة من المواضيع أهمها:
استانبول مدينة الثقافة والتراث المعماري لـ أ.د تولاي جوبلجة أوغلو من جامعة معمارسنان التركية ودور المؤسسة الأكاديمية في ترسيخ هوية المدينة العربية الإسلامية للدكتور خالد السلطاني من الأكاديمية الملكية الدانماركية للفنون ثم قسنطينة صخر عتيق وهوية على هامش الطريق لديابي فيروز ونضرة نايت عمار الجزائريتين، والهوية في المدينة العربية الإسلامية ـ إشكالية ومنطق فكري للمهندسة ميرنا نصرة من جامعة حلب والتنمية المستدامة للمدينة العربية السياحية للدكتورة المهندسة سهام أبوسريع ومحمد هارون من جامعة القاهرة.
وعلى هامش الملتقى الثاني والجلسة الأولى كان لنا عدد من اللقاءات مع بعض المشاركين والمشاركات:
ـ الدكتور مانع جمال عبد الناصر ـ ممثل جامعة باجي مختار ـ الجزائر:
هذا الملتقى شيء جميل ويمثل تواصلاً بين الجامعة التي أمثلها وجامعة دمشق، يتناول بحثي ما يخص المدينة والتنمية المستدامة في ظل التشريع الجزائري وفيه محاولة لإلقاء الضوء على التشريعات الناظمة للمدينة بدءاً من قوانين تهيئة الإقليم والتنمية المستدامة وانتهاء بالقانون التوجيهي الخاص بالمدينة والملتقى الدولي الثاني الموسوم بتأصيل المدن العربيةوالإسلامية للرجوع إلى ما كان عليه العمران بطابعه الحضاري والثقافي، والهدف من الملتقى العودة إلى أصلها وطابعها المعماري وربطها بالمستقبل حيث يكون هناك معالجة للعمران، ذلك أن تلك المدن تعيش اختناقاً حاداً ولإخراجها من هذه الوضعية يستوجب الرجوع إلى ماضيها وبناء حاضرها ومستقبلها.
لايوجد خطة عمل وإنما هناك مساعٍ ومحاولات على مستوى الأقطار العربية والإسلامية للعمل على تجسيد ذلك في إطار القوانين الناظمة للعمران، وبتضافر جهود هذه الأقطار سنكون في النهاية أمام مدن محافظة على طابعها المعماري والحضاري العربي والإسلامي، أما التوصيات فتبقى توصيات وهي تحيي الضمير وتخدش وجدان المواطن العربي الذي شوّه وفعل فعلته في المدينة العربية.
د. كمال عليوش قربوع رئيس مخبر القانون والعمران والمحيط ـ الجزائر ـ قال:
مخبر القانون يعني مجموعة من فرق بحث عددها سبعة في كل فريق 3 ـ 6 باحثين يهتمون بمجالات مختلفة في إطار قانون المخبر، وأتناول في محاضرتي القانون والعمران في الجزائر عن طريق المقارنة بين مدن عربية، والإشكال له شقان: شق يتعلق بالمدن العتيقة القديمة كدمشق، والعمران الحالي هو الذي شوهها والمطلوب من الساسة احترام هذه المدن كي تبقى على أصلها عن طريق الترميم وكذلك احترام الثقافة المحلية لهذه المدن، والشق الثاني يتعلق بالمدن الجديدة وإنشائها والسؤال هل سننشئ مدناً غربية أم مدناً حديثة ونحافظ على أصالتها مع التكنولوجيا الجديدة وهذا هو الإشكال، لقد قرر أصحاب القرار في مدينة غرداية الجزائرية أن تبني قصورها الحديثة المعاصرة مع احترام خصوصيتها، يقول الإمام علي (ك): لا تكرهوا أبناءكم على عاداتكم فإنهم خلقوا لجيل غير جيلكم.
الدكتور سلمان محمود ـ المنسق العام للملتقى ـ نائب عميد كلية الهندسة المعمارية ـ سورية ـ قال:
اختيرت دمشق لتكون مكاناً للملتقى لأنها أقدم عاصمة مأهولة في العالم ولوجود الكوادر العلمية المتخصصة في كلية الهندسة المعمارية، وسيسلط الملتقى الضوء على مشكلات المدن العربية والإسلامية وخاصة القديمة التي تعاني من مشكلات متباينة أهمها زحف العمران الحديث على حساب المباني القديمة وتعقد حركة المواصلات والمشاة والتلوث البيئي واختلاط المنشآت الصناعية مع السكان...الخ، وقد تم التحضير لهذا الملتقى بالتنسيق بين كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق وجامعة باجي مختار ومخبر العمران في عنابة الجزائرية وبإشرافي مع عميد الكلية، شكلنا لجاناً علمية وتنظيمية مهمتها تحكيم البحوث العلمية الواردة إلى الملتقى وتنظيم وإعداد الكوادر التنفيذية المباشرة لإنجاح هذا الملتقى العلمي المتميز بوجود عدد كبير من الباحثين العرب والمسلمين وتم قبول 34بحثاً باعتبارها ضمن المحاور والأساسية للمؤتمر، وتأتي أهمية الملتقى من كونه على مشارف الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008 وهذايشكل مناسبة مهمة لتبادل الخبرات والمعارف بين مختلف الباحثين، إذ لكل تجربته الخاصة بكيفية التعاطي مع موضوع تأصيل المدن وله خبرته في رسم استراتيجيات الحفاظ على التراث والهوية ذلك أننا نعاني من بدايات ضياع الهوية، وغياب القوانين والتشريعات التي أدت إلى تدهور الحالة التراثية لمدننا العريقة، كذلك يسلط المؤتمر الضوء على دور الإعلام في تأهيل المدينة العربية من خلال الإشارة إلى مواقع الخلل والمعاناة ولفت نظر أصحاب القرار إلى القضايا كلها والتي تصب في إعادة الألق والعراقة إلى مدننا العربية الأصيلة، وسوف تساهم كليتنا من خلال هذا الملتقى في بعض الأنشطة على هامش دمشق عاصمة للثقافة وستكون بعض توصيات ونتائج الملتقى تخدم هذه الفعالية الثقافية وبأشكال مختلفة ومتعددة. ـ يتبع ـ
سهيل الذيب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد