تنبيط الشعرللإستثمار والتكسب ومآرب أخرى
الجمل- فادي عزام*: الشعر النبطي أو الشعبي في الخليج. صار له مؤسسات ترعاه وفضائيات تتبناه وصحف تروج له ونقاد يتكسبون في مدح متعاطينه ومهرجانات تنظم له وقوافي لا ترعوي ." ترمس " وتهمس .بأسماء مستعارة أو معارة. حتى ليظن المرء أن كل بيت في الخليج لا يخلو من شاعر أو شاعرة.
مواقع للانترنيت تتكدس بأطنان من قصائد المديح المفرط في مديحه ، متكسب ممجوج مكرر موجه لأرباب النعم وأصحاب النفوذ أو قصائد تتشكل لتصبح دواوين الحب المعزز بكل أنواع الأزمات النفسانية والوجدانية ولغة مكررة ومقعرة لا تعكس عمق بيئتها ولا تدخل إلى خموش المكان أو تحاكي حقائقه، انفعالاته، عمقه أو "تابوهاته" لكنها تبدو على السطح جميلة ولطيفة أن ينشغل الناس بالشعر. وتبدو من الداخل وكأنها معادل موضوعي لغياب الثقافة الحقة المدنية بمعنى "المدينة" والمعرفية بمعنى الإبداعي القادر على ملامسة المسكوت والمهجور والمتواطئ عليه أو حتى مقاربة جماليات إنسانية بسيطة لكنها تتعارض مع السائد والمثبت والمروج له.
تتشابه قصائد الشعر النبطي مثل الزي الشعبي الموحد الذي يحرص أهل الخليج على ارتداءه حتى في أثناء رياضة المشي وتبدو الاختلافات به شكلية مثل "القبة"في الدشداشة وطريقة ارتداء الشماخ .
لترويج لهذا النمط وإمعانا في تنميطه خرج برنامج شاعر المليون وما دار حوله من لغط عادة ما يترافق مع هذا النوع من البرامج وذاك النوع من التلقي. لكن البرنامج نجح بالمعايير التلفزيونية في اقتناص المشاهدين وتحويل أنظارهم إليه .
يحضّر في أبو ظبي هذه الأيام مهرجان يستعير " من أحمد شوقي" .لقبه فمهرجان أمير الشعراء،يسميه "محمد خلف المزروعي" مدير عام هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث الشعر الفصيح التقليدي " سيكون الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي للمنافسة على لقب " أمير الشعراء ". وستخصص جوائز مالية كبيرة تتناسب وأهمية المهرجان فضلا عن مساعدة الشعراء الفائزين في طباعة دواوينهم والمساهمة في إثراء المكتبة الشعرية العربية.
هنا سيطفر على السطح من الذي سيحدد أن هذه القصيدة صالحة وتلك غير، من هم الشعراء الذين سيكتبون قصيدة الشعر الفصيح التقليدية. فبعد أكثر من نصف قرن على السجالات الكبرى بين الحداثة والتقليد ومجلة شعر وألف وشهر الحداثة وقصيد النثر وما أنجز وما أبطل مفعوله، يبدو أن القصيدة ستحتاج في" أبو ظبي " لتعريف جديد وستُطالب بتبرير نفسها لتمرير مهرجانها و ونجمها المنتظر وخاصة أنها سترتبط بألقاب أميرية ومبالغ تثير شهية أكثر الشعراء تقشفا.
عند هذا الجديد القادم بكل قوة، المدعوم بلا هوادة، مع الغث الذي يحيط بنا بلا رحمة. سنبحث بين الأنقاض على الشعراء الرجيمين الأصيلين المعززين دوما بشفرات حادة يضعونها الذين يعيشون في الظل ولكنهم يكتبون بوهج وحرارة يستمدونها من شموس لا تنطفأ.
*كاتب سوري مقيم بالإمارات
الجمل
إضافة تعليق جديد