تمسيح الجوخ في صراع البقاء الوظيفي
المغالاة في التقدير تحجب رؤية الحقائق وكذلك التقليل في التقدير يساهم إلى حد بعيد في حجب الرؤية أيضا وما بين هذا وذاك تبقى الطريق مفتوحة للتوقعات المختلفة لكنها سرعان ما تعود إلى دائرتها الأولى وسيرتها التي فطرت عليها فعلاقة الموظفين داخل المؤسسة تحكمها القوانين واللوائح الداخلية ولكنها تبقى أسيرة الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية للموظف وفي حال ضعف المؤسسة يقوى التفرد الذي يمتاز بالنرجسية والمزاجية والقرارات الانفعالية المبنية على اللحظة الآنية , فسؤال الموظف عن موقفه تجاه من هو أعلى منه مرتبة في الوظيفة يبقى حبيس التأويلات والحقيقة وملامستها تبقى الشغل الشاغل لفهم الخلفية الثقافية التي تتحكم بهذه العلاقة والتي ترسم لها ملامحها وأطرها العامة.
السيدة ندى السعدي مديرة المصرف التجاري السوري فرع (4 ) تبدأ جوابها بوضوح حيث تقول الموظفون يجاملونني في رأيهم لأن وضعهم الوظيفي يجبرهم على المجاملة أما رأيها بموظفيها فتقول بأن الموظف بشكل عام دائما يحب عدم النظام وعدم الالتزام به وتستدرك بالقول أنه ليس بالضرورة أن يعبر الموظف عن حقيقة شعوره تجاه مديره في العمل بل على العكس إن ما يظهره الموظف هو فقط للاستهلاك اليومي والآني ولا يخفى أن هذا الرأي يميل إلى وضع يعبر عن أزمة ولكنها تشير إلى أن مصدر الأزمة هم الموظفين فالنقد الإيجابي لها من قبل الموظفون يشعرها أن هذه المسألة مرتبطة بالمسايرة أكثر من حقيقة هذه النظرة وترى أن معيارها في الحكم على موظفيها ليس مرتبطا بالكلام السلبي أو الإيجابي عنها بل مرتبط بمدى تجاوب الموظف مع وظيفته ومدى إنتاجيته فهي مصدر الحكم عليه وما تبقى هو كلام في كلام .
الأستاذ خطاب الشيخ علي مهندس يعمل في القطاع الخاص في شركة الدراسات الهندسية يستهل حديثه بتقسيم رؤيته للمسألة إلى قسمين فالعلاقة بين الموظفين ومرؤوسيهم لها وجهين رسمي, وغير رسمي الرسمي يرتبط على الدوام بالأنظمة والقوانين واللوائح أما غير الرسمي فترتبط بالبيئة الوظيفية أما تجربته الشخصية في هذا المضمار فيقول عنها أن ما يميزها هي النزعة التصادمية فمن خلال موقعه يقول الأشياء كيفما يراها دون خوف ولكنه يستدرك أن حالته لها خصوصية ولكنها ليست حالة عامة فمن الممكن أن يشاركه هذه الخصوصية. أما الموقف الذي واجهه السيد خطاب فيتلخص بصدامه مع مديره العام وإصراره على موقف معين يتعلق بمسألة بالعمل كادت أن تنهي عقده إلا أن كفاءته وسمعته بالعمل أنهت الموقف لصالحه بعد أن نقل إلى مديرية أخرى.
معاون المدير العام في شركة الدراسات الهندسية الأستاذ يحيى الكفري يميل إلى أن جميع الموظفين يميلون في مواقفهم دائما إلى هوى المدير العام أما تجربته مع موظفيه فهي تؤكد هذا القول فهم غالبا ما يسألونه عن رأيه وعن ما يريدونه منهم فالخوف على الوظيفة سمة عامة يحملها الموظف معه .وسببه غياب التماسك المؤسساتي وفاعلية القوانين التي تنظم علاقة المرؤوس برئيسه والموظفين فيما بينهم غياب التماسك الوظيفي المؤسساتي يخلق حالة الترهل الوظيفي بحيث يتحول المسؤول إلى محط للأنظار ومنه وإليه تبدأ وتنتهي وعي الموظف بحقيقة عمله.
شيرين الشرافي مديرة مكتب قناة المجد في دمشق وضحت المسألة تحت عبارة المسايرة فهذه المسايرة بالنسبة لها تحمل معنى إيجابي ويتجلى هذا المعنى ببقاء الموظف على علاقة إيجابية مع رئيسه بالعمل حتى لو اضطره ذلك الأمر إلى القيام بأفعال ترضي مديره . وحجتها في ذلك أن المدير يتحمل كل الأعباء المادية والمعنوية في مؤسسته ولهذا فإن الهم الذي يحمله يتخطى حدود مقدرة الموظف لهذا الأمر هو في موقع المسؤولية .وأشارت أن القلة من المد يرين هم من يتقبلون رأي الموظف الحقيقي بهم وعلى الأغلب فإن معظم المديرين ميالين إلى عدم الاستماع إلى الآراء الحقيقية من قبل الموظف الذي يخاف دوما على أن ينقطع مصدر الرزق.
جميع هذه الآراء اتفقت على نقاط محددة وافترقت عن نقاط أخرى وأبرز ما يميز إجماعهم هو النظرة السلبية للموظف فالموقع الوظيفي مرتبط بالنسبة لهم بمرتبة اجتماعية ومرتبة أخلاقية ومن إجماعهم أيضا غياب الدور الفاعل للمؤسسات في تطبيقها القوانين والنظم ولهذا فإن موقع المدير يبرز ويتقدم ليغطي هذا الفراغ أما آرائهم المختلفة فجاءت ما بين خوف الموظف من إبداء رأيه أمام مديره وامتناعه عن هذا الإبداء لاسباب تتعلق بمصيره الوظيفي وآراء أخرى ترى في الموظف مجرد عامل يؤدي عمله انطلاقا من أوامر فوقية هي التي تدفعه للعمل لا أكثر ولا أقل .
نسرين الأخرس مهندسة تقول أن الرأي الحر وإشهاره هو أفضل الطرق للاستقرار الوظيفي فالخوف يمنع الموظف من الإبداع والإنتاج وحب العمل ويقوده حتما إلى تفضيل عدم إبداء الرأي لكي لايصبح محط أنظار الإدارة باعتباره صاحب مشكلات أما عن صديقتها في العمل فتقول بوضوح أنها تبدي رأيها دون خوف من أحد.
محمد عجم موظف في القطاع المصرفي يعلن أن علاقته مع مديرته تمتاز بالاحتكاك الإيجابي وتبادل الاحترام في غياب المجاملة لرئيسته في العمل ويشير إلى مسألة مهمة هي وجود حوافز متعددة في العمل تدفعه إلى الانسجام مع عمله انساجما كليا جعله راضيا عن ذاته وعن علاقته بالآخرين في العمل . أما عن تجربة الموظف علي شبرا فهي تعكس رأيا مختلفا عن زميله حيث أشار إلى حادثة وقعت معه كانت بدايتها إبداء راية بالعمل أمام مديره أدت إلى انتكاسة في وضعه الوظيفي جعله أمام حالة فقدان الوظيفة لولا تدخل العناية الإلهية كما يقول .
وفي رأي للباحث الاجتماعي الأستاذ موسى جرادات حول هذه المسألة يقول أن القضية ترتبط بالموروث الاجتماعي التقليدي الأسري حيث رب الأسرة هو الحاكم الناهي هو الذي يقرر وبيده الميزان والمعيار هذا الموروث الإجماعي حملته كل المؤسسات الحديثة معها وأصبح عمودا ومنارة يهتدي إليها المديرين ويطمح إليها كل من يريد أن يتسلق السلم الوظيفي دون عوائق تذكر فالموظف عندما يتملق لمديره أو يحابيه أو يسايره فإنه يخاف بالدرجة الأولى السلطة الأبوية الموروثة اجتماعيا فبالتالي نحن هنا أمام مصدرين بالخوف الأول مرده الموروث الثقافي المقولب بزي الحداثة وهو ذا طابع معنوي أهم واخطر من المصدر الثاني وهو الخوف المادي والاقتصادي في الأولى غير مدركة لدى الموظف ولكنها تفعل فعلها وخارجة عن شعورهم كأفراد . والخوف الثاني فهو مدرك وواضح لعيان كل موظف خاصة أن جميع الموظفين يعلمون جيدا أن الهرم الوظيفي يبنى من خلال العلاقات الشخصية والمحسوبية هذا الإدراك الواعي يدفعه إلى الخوف فالمصدر الأول غير المدرك يؤسس لحالة الجبن الوظيفي وفي الثاني يؤسس إلى حالة التردد والخوف وفي كلا الحالتين لا يجد الموظف بشكل فعلي انتماء حقيقيا لمكان عمله ومن هنا ينبع الترهل والبيروقراطية وقلة الإنتاجية , إنها عملية تاريخية اجتماعية لم تدرس بتأني وتستحق أن يلقى الضوء عليها .
محمد ابوشريفة
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد