تقرير «حالة سكان العالم 2009» يركز على المرأة والسكان والمناخ
سبعة شبان وشابات من سبع مناطق من شتى أرجاء المعمورة. يحملون سبع تجارب ما هي إلا مؤشر لما سيواجهه ملايين آخرون من أقرانهم في المستقبل القريب إذا لم يستيقظ الجميع ويتنبه إلى هذا الخطر الداهم الآتي لا محالة والمدعو «تغير المناخ».
مارجوري فيلبينية تعمل في صيد الأسماك. انتقلت مع أبويها وأشقائها من الحي الفقير الذي يقطنون فيه في إحدى مدن جنوب الفيليبين إلى جزيرة صغيرة اسمها زاراغوزا حيث توافرت للأب فرصة عمل في صيد الأسماك. بدأت تشارك والدها في الصيد بعد عودتها من المدرسة. وعلى رغم شظف العيش، كانت أسعد حالاً من قبل. فالأمور تأزمت بعد زيادة أعداد الصيادين، ولاحظ كبار السن أن المياه أصبحت أكثر دفئاً، فالأعشاب البحرية التي يتغذى عليها السمك كانت تجف، ما يعني أن أعداداً قليلة من السمك فقط كانت تجد ما تتغذى منه. وعلى رغم أن هذا الوضع بدأ قبل وصول اسم «الاحترار العالمي» الى الجزيرة، فان صياديها أدركوا أن شيئاً ما ليس على ما يرام. وأصبح صيد السمك متعذراً، واضطرت مارجوري إلى تكثيف عملها في الصيد على حساب المدرسة. لكن السمك آخذ في التناقص، والحياة آخذة في الصعوبة.
مريم
مريم شابة نيجيرية، متزوجة ولديها ثلاثة أطفال. كل ما تعرفه عن تاريخ ميلادها هو أنه عام 1983. لم تذهب يوماً إلى مدرسة، لكن والدتها وجدتها علماها القرآن الكريم. يمكن القول إن «مريم» تعيش عيشة طبيعية، لولا تهديد دائم يلوح في الأفق، لا سيما في شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) من كل عام. هذا التهديد اسمه الجوع.
ففي الماضي، كان الحقل الواحد ينتج نحو 300 كوم من الحبوب، أما حالياً، فإذا أنتج 150 كوماً، لاعتبر وفيراً. وعلى رغم أن «مريم» لم تسمع قط تعبير «تغير المناخ»، يتركز حديثها كله حوله. فقد انضمت إلى جماعة دعم نسائية في بلدتها، هي بمعنى آخر مصرف للحبوب، حيث يتم جمع أموال زهيدة من المشاركات، وإعادة تقديمها لهم في صورة قروض تساعدهن في عمل تجاري صغير. وتتعامل مريم مع «مصرف للحبوب» يبيع عبوات صغيرة في أول موسم الزراعة، وفي بدء موسم الجدب أو الجوع. ويمكن لمريم وغيرها من نساء القرية وشاباتها الحصول على الحبوب بأسعار زهيدة من دون الاضطرار للمشي عشرات الكيلومترات للبحث عنها.
ميسياس
أما ميسياس فهو رائد في الزراعة المستديمة في المجتمع الأمازوني، المعروف بكونه الاحتياطي الأخضر الأكبر على كوكب الأرض، وهو ما يؤثر على مناخ الكوكب كله.
وعلى رغم ذلك خربت زراعة فول الصويا وتربية الماشية ما يزيد على 500 ألف كيلومتر مربع منها. وفي سن الـ 12 كان ميسياس يحدث جيرانه وأصـــدقاءه عن ضرورة أن ينتجوا طعامهم بأيديـــهم بدلاً من الاعتماد على مدن أخرى. كما كان يحدثهم عن أضرار قطع الأشجار، وما ينتج من ذلك من احتباس حراري وإنهاك التربة. وبدأ مــشــروعاً قائماً على «الزراعة الدائمة» بحيث يحترم الفلاح الطبيعة وينتج الغذاء من دون تدميرها. يقول: «الأمر ليس سهلاً لأن ثقافة الأهالي تعتمد على الإحراق والزراعة والصيد بكثرة. الأمر سيستغرق بعض الوقت، ولكن هذا كل ما لدينا لإنقاذ مستقبلنا».
كيلوم
كيلوم من جمهورية مارشال التي تبعد عن أي قارة آلاف الكيلومترات. وحين كان في المدرسة الإبتدائية سمع بعض الأجانب يتفوهون بكلمات غريبة مثل «تغير المناخ» و «ارتفاع مستوى سطح البحر». وحين سمعهم يتحدثون عن أن جزر مارشال ستغرق في البحر بعد سنوات ظن أنهم يمزحون. زاد ولعه بقضية تغير المناخ ونمت رغبته في إنقاذ بلده من الغرق فانضم إلى منظمة غير حكومية هدفها الحفاظ على الجزيرة. يقول: «ما يمكننا عمله اليوم هو مساعدة الشعاب المرجانية على النمو بصورة كبيرة فهي ستحمينا من الموج».
ويضيف: «غرق مارشال أمر لا مفر منه، فالغطاءان الجليديان القطبيان يتعرضان للذوبان السريع، وفي نهاية المطاف سنصبح تحت المياه. لكني أفضل أن أموت على هذه الجزيرة».
منديسا
منديسا من أعضاء حركة تعمل في الاستجابة للكوارث في أميركا. عانت ما يمكن أن تعانيه طفلة أميركية من أصول أفريقية. وفي سن الـ 16 سمعت عن مكان يأوي النساء من ضحايا العنف المنزلي، ووجدت صعوبة في استيعاب قيام رجل بضرب شريكته أو ابنته أو شقيقته لأنها امرأة ولأنه رجل. ثم رأت بعينيها إعصار كاترينا في عام 2005، وقررت بعدها أن تشارك في عمليات إعادة المشردين إلى بيوتهم. ولاحظت أنه في إطار هذه الكارثة الطبيعية كانت النساء هن الأكثر تحملاً. فعليهن العناية بالأطفال، وغالباً ما يقعن ضحية للعنف الجنسي، من دون أن ينجحن دائماً في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
يونس
يونس لاعب كرة قدم من المغرب يحاول أن يتكيف مع حياة جديدة. ففي شباط (فبراير) الماضي، أغرقت الفيضانات قريته الصغيرة ذات البيوت المبنية بالطوب. ولهول ما رأى في ذلك اليوم، ولشعوره الجارف بالذنب لعدم قدرته على نجدة جيرانه وأصدقائه، التحق بدورة تدريبية لمدة ستة أشهر ليتعلم كيفية استقبال نداءات الاستغاثة.
فاطمة
فاطمة من نيجيريا. انقلبت حياتها رأساً على عقب حين توفيت أمها فجأة، وتركت لها مهمة الاعتناء بأخوتها الأصغر سناً. وشعرت بأن عالمها قد هدم، ودعاها ذلك إلى كتابة ما تشعر به على ورقة، وسرعان ما تحولت تلك المشاعر إلى مجموعة من القصص القصيرة عن حياة البنات في قريتها. عملت فاطمة مع منظمة أهلية لرعاية مرضى الإيدز، وأصبحت شابة نشطة في مجال الصحة الإنجابية، والوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً. كما أنها بدأت تهتم بمشكلة شح المياه، وهي المشكلة التي عانت منها على مدار عقد كامل.
هذه التجارب السبعة جاءت على هامش إطلاق تقرير «حالة سكان العالم 2009» الصادر عن صندوق الأمم لمتحدة للسكان تحت عنوان «في مواجهة عالم متغير: المرأة والسكان والمناخ»، وهو التقرير الذي انطلق إقليمياً في القاهرة قبل أيام. وجاء في التقرير أن «تغير المناخ الذي يفاقم من قضية الفقر، ويثقل كاهل المهمشين والضعفاء، ويزيد أعداد المهجرين والمهاجرين سيلقي بتبعاته على الجميع، ولكن على النساء والشباب بوجه خاص».
وتقول المديرة التنفيذية للصندوق ثريا أحمد عبيد إن «التمويل ونقل التكنولوجيا والمعرفة يشكلان أمراً مهماً في هذه القضية، لكن تعلم التكيف مع التغيرات الجارية في المناخ، واكتساب القدرة على الصمود على القدر نفسه من الأهمية، كما أنه لا يمكن الحصول عليهما من الدول المانحة، فيما النساء والشباب هم الأقدر على اكتساب هذه القدرات».
ويقول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إن الشباب «يمثلون إمكاناً هائلاً لمواجهة تداعيات تغير المناخ وقاية وتصدياً، فهم الأكثر عدداً في البلاد العربية والأكثر حيوية وقدرة على الابتكار والفعل التنموي والاجتماعي». لكنه يربط هذا الإسهام بتمكينهم معرفياً وتيسير مشاركتهم في صوغ سياسات التأقلم والمواجهة لتغيرات المناخ.
ويشير موسى إلى النداء الذي أطلقه الشباب العربي في مؤتمر بيروت للمنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي عقد الشهر الجاري وفيه أن «الأرض، هذا الفردوس الذي نعيش فيه يعيش تغيرات كارثية، لقد اختل توازنه، وتغير المناخ يضربه بعنف، ولكن ما زال هناك أمل. علينا أن نعمل الآن. الوقت يمضي. ساعدونا لكي نصنع فرقاً، تحركوا الآن».
ويؤكد التقرير أن غالبية من يعيشون في المدن اليوم هم من الشباب، «وهذا يشكل تحدياً وفرصة ذهبية في آن، إذ يمكن استغلال قدراتهم في مجابهة آثار تغير المناخ، مع ضرورة الاهتمام برفع مستوى معيشتهم لا سيما في المدن والأحياء الفقيرة».
ويقدر أن 1،2 بليون شاب سيصبحون في سن العمل في العقد المقبل، كما أن ما يزيد على 40 في المئة من العاطلين هم شباب، «وهو ما يعني أنهم سيحرمون من فرصة اكتساب المهارات اللازمة للتكيف مع تغير المناخ، كما ستسوء أوضاعهم في ظل عدم حصولهم على الرعاية الصحية المناسبة، فكل ذلك يحفز الشباب على الهجرة».
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد