تعديلات قانون السير ستدفع السوريين إلى الاستغناء عن سياراتهم
المفاجأة في المرسوم رقم 11 المعدل لقانون السير والمركبات رقم 31، ورغم مرور ثلاث سنوات ونصف على القانون الأخير، فإن الغالبية العظمى من السائقين والمواطنين لم تسمع عنه الشيء الكثير.
النتيجة التي توصلنا إليها بعد محاورة العديد من السائقين والمواطنين على حد سواء، اعتقادهم ان ما صدر هو قانون جديد وليس تعديلاً لبعض مواد القانون الأساسي، والاهتمام الذي حظي به التعديل لم يكن سببه سوى مقدار الغرامات المتعلقة بالمخالفات في حال ارتكبت، والتي دفعت العديد من السائقين وأصحاب السيارات إلى التفكير جدياً ببيع السيارة والبحث عن مهنة او باب رزق آخر.
ونستعرض حصيلة الآراء التي استطلعناها، وما يدور حولها.
الإشكالية تمتد إلى الوراء سنوات وسنوات، عندما ترسخت قناعة بأن الشرطي هو قانون السير بحد ذاته، بحيث لا ينظر إلى القانون بأي شيء من الاهتمام، طالما العيون ترقب وجود الشرطي من عدمه في الطرقات والشوارع، ومن جديد، ومما زاد الأمور تفاقماً وتعقيداً، ان هناك قناعة أيضاً لدى جميع السائقين بأن دفتر المخالفات الذي بيد الشرطي لا بد ان ينتهي مع نهاية كل شهر، وطريقة إنهائه ليس لها علاقة بمفهوم الصلاحية فيما لو اعتبرنا ان ذلك الدفتر ما هو إلا مادة، بل له علاقة بأن يمتلىء عن آخره بكل أنواع المخالفات، لأن هناك أوامر وجهت إلى هذا الشرطي وذاك بالقيام بما يلزم وإلا.
وبعيداً عن دفتر المخالفات أيضاً، فإن المخالفة قابلة للمساومة مع الشخص المفترض ان يضبطها، وقد تحل بالمعلوم.
إذاً ومع الأسف، هكذا اختزل القانون وبكل بساطة، وبمعنى أكثر ايلاماً، الوعي المروري لدى عدد كبير من المعنيين بالوعي والثقافة المرورية.
وبالقرب من المنطقة الصناعية، غيّر سائق السرفيس طريقه الاعتيادي لأنه لمح من بعيد دورية الشرطة، ولم يكن لوحده، حيث لاحظنا ان غيره قد فعل، حيث تلقوا إشارات من زملائهم بوجود دورية، وعليهم تغيير الطريق الذي هو بحد ذاته مخالفة، ولكن مع عدم وجود شرطة، فإن المخالفة هنا لا ضرر ولا ضرار، وعندما سألت السائق: مم تخاف؟!.. رد على الفور: يستطيعون ان يدونوا لك ألف مخالفة، لذلك فالهروب أفضل، ولكن هل ينفع الهروب مع القانون المعدّل؟!.. تساءل السائق.
في العاشر من تموز من عام 2004، صدر القانون رقم 31 الخاص بقانون السير والمركبات، وقد شمل 222 مادة قسمت إلى اثني عشر باباً، تضمنت التعاريف والسير على الطرقات، والشروط الفنية المتعلقة بتجهيز المركبات وإجازات السوق، وواجبات السائق والمسؤولية المدنية للتأمين والعقوبات وأصول المحاكمات... الخ.
حتى قيادة الحيوانات وضحها بأكثر من مادة، ولكن السنوات الثلاث والنصف التي مرت لم تشفع بخلق ثقافة ووعي مروري ولو بالحد الأدنى، ولو كان كذلك، لما كانت كل تلك التعليقات والاستفسارات والإشاعات التي سمعناها على لسان من التقيناهم.. فلو قامت الجهات المعنية في وزارتي الداخلية والنقل والجمعيات ذات الصلة، وطيلة تلك الفترة، بإقامة ندوات جماهيرية فاعلة، أليس أفضل من صرف الملايين من النصائح الاعلانية عبر وسائل الاعلام المختلفة، طالما ان الثانية لم تحقق الفائدة المرجوة..؟!.
عندما عدنا إلى تفاصيل القانون 31، واطلعنا على الباب المتعلق بالعقوبات وأصول المخالفات، وجدنا جدولاً يتضمن 84 نوعاً من المخالفة، وبجانب كل منها التدبير الوقائي الذي تتخذه الشرطة المختصة بحق المخالف والعقوبة والتدبير الاحترازي.. وتوقفنا عندها، واحدة واحدة، وتساءلنا: ماذا لو طبقت بالفعل وبحذافيرها كما وردت خلال السنوات الماضية..؟!.
وكان جوابنا: لن تبقى سيارة واحدة تجوب الشارع.. طبعاً لا نقول هذا الكلام من باب ان تطبيقها جائر، لأننا مع تطبيق العقوبات، ولكن لأن الجواب يتعلق بتركيبة المعادلة المرورية في بلدنا المرتبطة بالمشاة، وبالراكب وبالسائق وبالشرطة، وبالسيارة وتجهيزها فنياً، والدوائر المطلوبة بالتدقيق وبالكشف....الخ.
وأنا أضيف هنا، ورشات الإصلاح والميكانيك التي يجب ان يطبق عليها أسلوب المحاسبة.. فمثلاً كتابة عبارات او وضع ملصقات على السيارات العامة والخاصة، هي من الأفعال السائدة في بلدنا، ولكنها مخالفة وغراماتها في القانون 31 /500/ ليرة سورية.. فلو أحصينا الآن كم سيارة تسير بلا عبارات من أمامها ومن خلفها، لكان الجواب بالآلاف.
ومن المخالفات الأخرى، عدم تجهيز المركبة بجهاز إطفاء حريق، وتحجز المركبة حتى إزالة المخالفة مع غرامة 500 ليرة سورية (القانون 31)، والأسئلة ذاتها نكررها هنا.. فكم من سيارة بداخلها جهاز إطفاء..؟!.
وأيضاً وأيضاً، نقل ركاب زيادة عن العدد المحدد في رخصة السير للمركبات العامة، هي مخالفة.. ولو نظرنا إلى الشارع وإلى حركة وسائط النقل العامة (السرافيس)، لوجدنا المئات منها تنقل ركاباً، وهم يجلسون القرفصاء لأن هناك أزمة نقل والكل يتغاضى بسببها.
العقوبات المتعلقة بالحوادث وما ينتج عنها، والمتعلقة بالسرعات وتجاوزها والقيادة الرعناء، قد لاقت شبه إجماع، وردة الفعل انحصرت حيال العقوبات الأخرى المتعلقة بالمخالفات الأولى التي تم تعديلها، وخاصة بمقدار الغرامات المرتبطة بها.
والملاحظ ان أنواع المخالفات كلها قد وردت في القانون 31، وقد تم تعديل حجم العقوبات والغرامات في المرسوم 11، ولكن الغريب، وبعد صدور المرسوم، وقياساً على ردة الفعل، فكأن هذه المخالفات قد تم اختراعها حديثاً، ولم تكن موجودة سابقاً في دلالة واضحة على غياب أية فكرة او مفهوم او ثقافة عن القانون بشكل عام، وهذا أمر خطير للغاية.. فما الذي كانت تفعله الجهات المعنية المسؤولة عن تثقيف شريحة واسعة تشكل طرفاً مهماً في المعادلة المرورية، وماذا فعلت كل مدارس السوق الخاصة والعامة طيلة تلك السنوات..؟!.
مع الأسف، حتى الثلاثة أشهر التي أعطيت لحين التطبيق الفعلي للمرسوم 11، او للقانون 31 بصيغته المعدلة، لم تستغل على ما يبدو في الشرح والتوضيح وإعادة جسور الثقة بين طرفين هامين هما شرطة المرور والسائق.
لكن على ما يبدو فإن الأشهر الثلاثة التي أعطيت، هي للجهات التي طلب إليها في القانون والمرسوم بإصدار ما يلزم من تعليمات في الوقت الذي يجب فيه ان تكون هناك كراسات ونشرات توعية بيد كل شرطي وبيد متطوعين وبيد أعضاء الجمعيات ذات العلاقة، تشرح وتوضح للسائق عن المخالفات الحالية في سيارته وما عليه ان يفعل خلال هذه الفترة، ايذاناً بفتح صفحة جديدة ملؤها الثقة والطمأنينة، ونأمل ان يلقى اقتراحنا هنا وهو المباشرة بإعطاء وقت إضافي لتنفيذ ما ذكرنا.
ونأتي إلى الحلقة الأهم، وهم عناصر الشرطة، فإداراتهم مسؤولة الآن عن تطبيق القانون بشكل عادل ونزيه، وهم مسؤولون عن تغيير القناعات التي ترسخت عنهم في قلوب وعقليات الأغلبية، فليتم اصدار قوانين وقرارات داعمة لظروفهم المعيشية تكون غير مرتبطة بغرامة المخالفة، إذ آن الأوان لإعادة القناعة لدى أجهزة الشرطة بأن لقمة عيشهم غير مرتبطة بحجم المخالفات حتى ولو كانت حقيقية، فكيف وإن كانت وهمية وغيابية بسبب ما يسمى بدفتر المخالفات الذي يتطلب الآن إعادة تنظيم الأمر حياله، وتنظيم حيازته دون ان يكون مرتبطاً بمدة يجبر الشرطي فيها على التعامل معه والانتهاء من وريقاته مع نهاية كل شهر.
الجميع عليهم تحمّل مسؤولياتهم، فمن كان مسؤولاً عن تجهيز الطرق والشوارع، بحيث تواكب قواعد المرور، عليه ان يحاسب أيضاً، ومن كان مسؤولاً عن صيانة وتجهيز السيارات فنياً، عليه ان يحاسب في حال اي تقصير.
وأعود إلى ورشات الميكانيك، فلا بد من ان يقوموا بتزويد السائق بتقرير فني عن اي عطل قاموا بإصلاحه ليصار إلى محاسبة من قام بالإصلاح في حال كان الخلل الفني سبباً في ارتكاب مخالفة (المكابح مثلاً).
القانون أمر مهم، ولكن الأهم والأهم، توفير الأرضية اللازمة لتطبيق القانون، بدءاً من الطريق وانتهاء بالإنسان، وعندها لن تكون هناك أية إشكالية مع اي قانون مهما كانت صيغته، وعندها يمكن ان نتحدث عن علاقة القانون بالوجه الحضاري للمجتمع.
غسان الصالح
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد