تحديات تحرير السياسة الاقتصادية في سوريا
تواجه سوريا على المدى المتوسط تحديات اقتصادية. ولكن إصلاحات جديدة أُطلقت في خطوة جريئة لتحرير النظام الاقتصادي والحدّ من القيود على النظام المالي، ساهمت في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي فيها.
وقد ورد في تقرير صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السوري أثبت مرونة إلى حد بعيد في ظل التطورات السياسية المتوترة التي أعقبت اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري. واستمد النشاط الاقتصادي قوته من الاستثمار الخاص، مدعّماً بالازدهار النفطي في منطقة الخليج. من ناحية ثانية، تصاحب النمو مع ارتفاع في التضخّم، ما يعكس سياسة الإنفاق الحكومي الواسع. وتحسّنت الميزانية غير النفطية بنحو 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، معوّضةً بعض التراجع في إيرادات النفط. لكن هذا التحسن نتج في الدرجة الأولى من التحويلات من المشاريع والقطاع العام، وهذا يعكس ضيق النشاط الاقتصادي الخاص. كذلك تحسّن الحساب الجاري داعماً الميزان التجاري على رغم التراجع الحاد في صادرات النفط الصافية. وبقي الدين العام والخارجي معتدلاً. ويغطي احتياط النقد الأجنبي الرسمي نحو عامين من الصادرات.
ويُتوقع أن يحافظ النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي على زخمه بفعل توسّع الاستثمارات وحسن الأداء التصديري، فيعكس زيادة الفرص للدخول في الأسواق العربية. كل ذلك إضافة إلى الربح غير المتوقع جراء ارتفاع أسعار النفط وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر سيحافظ على مرونة ميزان المدفوعات. ويُتوقع أن تسفر ميزانية 2006 والمعايير المعتمدة في ما بعد، بما في ذلك ارتفاع أسعار الإسمنت والبنزين، عن مردود بنحو 0.5 في المئة في تحسين الوضع المالي. ومع الزيادة المتواضعة في الإيرادات النفطية، فإن هذا التشدد المالي يجب أن يقلص حجم العجز في الميزانية العامة إلى 3.25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويحدّ من التضخم. ومع تشديد الإجراءات الأخيرة في السياسة الإئتمانية، فمن المفترض أن تساعد هذه التطورات في كبح جماح التضخم، إن دُعِّمت بسياسة أجور مناسبة.
وتواجه سوريا في المدى المتوسط تحديات اقتصادية هائلة، بحيث يهدد انخفاض احتياطي النفط الاستدامة المالية والخارجية، وانخفاض عائدات النفط سيزيد المهمة صعوبة، ناهيك عن ارتفاع مستويات المعيشة. وإن الزيادة في الداخلين إلى سوق العمل، ستجهد حالة البطالة المقلقة أصلاً، وتزيد الضغط لحماية فائض العمل في القطاع العام. هذه التحديات تزداد تعقيداً بسبب عدم الاستقرار السياسي والبيئة الإقليمية المتقلّبة. وقد أتاح ارتفاع أسعار النفط العالمية ربحاً غير متوقع في المدى القصير. لكنه سيزيد الحالة سوءاً في الأمد المتوسط، عندما تتحول سوريا مستورداً وغير مصدرة للنفط في 2010. واستناداً إلى آخر تقديرات إنتاج النفط، فإن إيرادات النفط والصادرات الصافية ستتدهور بأكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الـ10 المقبلة.
ولمعالجة هذه التحديات، أطلقت الدولة عدداً من الإصلاحات لتشجيع المشاريع الخاصة وتعزيز آليات السوق والانفتاح الاقتصادي على العالم، وتحرير النظام المالي، والبدء بتعزيز التقديرات المالية المتوسطة الأجل. إضافة إلى الإصلاحات الهيكلية لإيجاد مصادر جديدة للنمو والدخل مع انحسار الثروة النفطية. علماً بأن الدولة بادرت بخطوات جديدة تجاه توحيد سعر الصرف وتحويل الحساب الجاري، بما في ذلك تخفيف القيود على الصرف على الاستيراد في القطاع الخاص. وشهدت سوريا توسّعاً سريعاً لنشاط المصارف الخاصة وتزايد اهتمام المستثمرين في القطاع المالي. إضافة إلى التقدم المستقر في تحرير التجارة.
ويتفق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على الحاجة لتكيّف مالي كبير في سوريا للحفاظ على الاستدامة، وأشار إلى أن اعتماد سياسة مالية شفافة هادفة إلى تحقيق تحسّن مطّرد في توازن الميزانية غير النفطية، سيكون أساسياً للحفاظ على الانضباط المالي في سوريا.
وحثّ المجلس السلطات السورية على إعطاء أولوية لإزالة الحواجز الرئيسية لتتمكن من التوجه الفعلي نحو تحرير التجارة. وأكد المجلس أن تطبيق المعايير التنظيمية يُعدّ خطوة مهمة في إطار التقدم في احترام قواعد منظمة التجارة العالمية وأنظمتها.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد