بعيداً عن خطط وزارة السياحة شموع حمراء تبهج شاطئ طرطوس
الجمل – طرطوس – حسان عمر القالش: هجم الصيف بشراسة وبحـرّ مباغت على طرطوس, لتبدأ اذا خطط ومشاريع الصيفيّـة. والـ"مشاريع" هو المصطلح الذي يعبر فيه الناس عما سيفعلون في أوقات الفراغ الكثيرة وكيف سيعبـّئـونها. فيصبح السؤال الروتيني بين مجموع الضجرين هو: شو مشاريعك؟ تماما كما هو في لبنان: شو عامـل؟ أو في أميركا: واتـس أب what’s up ? , مع كل الفوارق والاختلافات في معنى المشاريع والوقــت والضــجــر بيننا وبينهم.
وبما أن متطلبات العصر الاستهلاكي ومعه الصورة الاجتماعية للناس تزداد موسميا وتكنولوجيا واعلانيا, من الهواتف الجوالة الحديثة التي يعلـّقها بعض المراهقين الطراطسـة على قبضات دراجاتهم الهوائية مستمعين لراديوهاتها أثناء جولات تلطيش الفتيات, والبهلوانيات الهوائية والاسترجال على السيارات في الشوارع. الى السيارات الكوريـّة والايرانية التي حققت حلم وشهـوة السوري بامتلاك سيارة حتى لو كانت كتلة من معدن رخيص بأربع عجلات تكاد لا توفر الحماية والسلامة لنفسها قبل راكبيها خاصة اذا كانت سيارات أجرة لشباب يعملون عليها نهارا مرتدين أحيانا قميصا داخليا بلا أكمام – بروتيل – ويكزدرون فيها ليلا في شوارع المناطق السكنية في سير متبختر مكدّسين أصدقاءهم المزعجين لأهالي وطلاب المدارس والشهادات – هذا موسم امتحانات – ولأي صبية تجلس في برندة – شرفة – يمكن أن تصططادها عيونهم وأبواق سياراتهم ومواويـل العتابا...الى مكيفات الهواء البارد ذات النخب الرابع أو الخامس والمجمّعة قطعها في مصر أو الامارات, وذات الاسعار الرخيصة نسبيا والمباعة تقسيطيـّا, التي يزداد "اضطرار" الاقبال عليها مع أنه لا يقارن مع الاقبال على مراوح الهواء الحلبيّة.
من عادة الطراطسة مع كل هذا الغليان المطلبي الحياتي المتزايد, أن يلجؤوا الى عاداتهم "السياحية" في البحث عن الاسترخاء والفضفضة عن النفوس. وليست عاداتهم هذه هي طارئة أو جديدة بحيث يمكن أن تفرح بها حكومتنا المدردحة التي دعى وزير سياحتها "هي وليس نحن" الناس كلهم صغيرهم وكبيرهم, فقيرهم وفقيرهم..الى السياحة..!
لا..فعالم السياحة الحكومي في واد و كثير من الطراطسة والسوريين في واد آخر, فعندما تنطلق رغبة المواطن أو المواطنة بالسياحة من الحاجة الى النسيان "المؤقت" لواقع الحال, وتخفيف الضغوط الحياتية والحكومية, هي غير الرغبة السياحية التي نسمع عنها ونراها في التلفزيونات واعلانات المكاتب السياحية, أي غير البحث عن راحة من ضغوطات أعمال تـدر مصاريف هكذا سياحة, فهذا عالم وعالمنا عالم آخر.
فاذا تنزّهـت مساء في سـوق طرطوس وانعطفت منه مرورا بـ"جعارة" و"مشوار" وصولا الى شارع الكورنيش البحري الذي لم ينجز مشروعه في قسمه الحكومي القطاعي العام – تقول مصادر هندسيّة لـ"الجمل" أنه تأجّل انجازه الى شهر تشرين الأول – ستلفتك أنوار حمراء تظهر كأنها تنبعث من عرض البحر, وبعد تدقيق بحري ستتيقن أنها ليست أنوارا لسفينة ما أو لـ"فلوكا" – قارب – أروادية, وفي اقترابك من الشاطئ لاستكشاف ماهي هذه الأضواء الحمـر ستكون قد وصلت الى رصيف أو مكسـر بحري من مجموعة أرصفة جميلة نتجت عن ردم مساحات من البحر تشكّل كل منها مايشبه خليجا بحريا صغيرا, وستكون قد تفاجئت بأن هذه الأضواء التي نادتك من مسافة ليست بقليلة هي عبارة عن مجموعة من الأكياس الورقية الصغيرة بداخلها كمية قليلة من رمل البحر غرزت بها شمعة مضاءة..!!
تتوزع هذه الكشّـافات الشمعية الرملية الورقية على مجموعة صغيرة من الطاولات البلاستيكية وبعضها وضع أيضا على أطراف الرصيف, ليترزّق منها أبوعلي وأبوأحمد اللذان يقدمان المشاريب الساخنة والمرطبات والنراجيل في ماصار يعتبر مقهى بحريا تحتاج كثير من "الكافيـشوبـّات" لموازنات عالية لمجاراة الجو الذي يقدمه حيث يحتضن الناس في مناخ رومانسي ملوّن بالأحمر الى جانب انعكاس ضوء القمر على سطح البحر.
في المقلب الآخر من السياحة الشعبية هناك فئة معاكسة لهذا النموذج من رجال وعائلات بقيت محافظة وتقليدية في تعيّـشها السياحي كبيع الذرة المسلوقة والمشوية, وبيع "حزمات" الحمّـص الأخضر التي يأكلها ناس ويجترّها آخرون رامين بقاياها على الأرصفة والشوارع.
أبوعلي وشريكه اللذان فكّـرا واجتهدا في اضافة "جمالية" على مكان عملهم الموسمي وفي المحافظة على نظافته, يختصر الرؤية السياحية وتفاعل الطراطسة معها في كلمات لا تعبر عن السياحة أساسا ولاتقترب منها :" لو توظّفنا في الدولة ما كنا اشتغلنا بهذا العمل.." فهو وشريكه اللذان "اضطرّا" الى العمل في "شيء" يشبه السياحة قد استفادا من حاجة الناس الى سياحة شعبية بسيطة, ونستطيع القول بأنهما أبدعا في هذا العمل, بينما الحلم والطموح عندهم "مازال في ورقته" كما يقول المثل الشعبي, لم يتجاوز مرحلة الحاجة الى "الوظيفة الرسمية" التي في نظر الكثيرين "تبقى" في النهاية ضمانة..لكن لأي شيء؟ لا أحد يجيب.
الجمل
إضافة تعليق جديد