بعد أن غيرت مفهومها للعيب... فتاة سورية تعمل نادلة لتأكل من تعبها
لا تزال نظرة المجتمع السوري إلى عمل المرأة تحمل الكثير من التناقض، فبينما أصبحت الغالبية تتقبل عمل المرأة من باب «مساعدة» الرجل لتحمل الضغوط المادية المتزايدة، لا تزال هذه النظرة قاصرة، إذ تحصر عــمل الــمرأة في أنــواع معينة تعتبرها مناسبة لأنوثتها.
بيد أن دلال لم تفكر كثيراً في ما اذا كان عملها نادلة في مطعم دمشقي يناسب أنوثتها أو لا، فيرضيها أنها تكسب قوتها من دون أن تعتمد على أحد، تقول دلال: «أن تأكل من عرق جبينك، وتعمل بضمير فذلك كافٍ ليجعلك سعيداً».
تعمل دلال من التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة ليلاً، إلا أن مظاهر التعب قليلاً ما تبدو عليها، فنشاطها الذي يظهر في إنجاز مهمات عدة في المطعم لا يعيقه جسدها النحيل أو نظرات بعض الزبائن الجدد الذين قد يستغربون منظر فتاة تعمل «غرسونة»، الأمر الذي يعتبر نادراً في سورية، على رغم ازدياده في الآونة الأخيرة، بخاصة في المطاعم والمقاهي الحديثة التي شاع لديها أن توظف بعض الفتيات الجميلات نادلات.
إلا أن وضع دلال مختلف تماماً فالشابة بقسمات وجهها الذي يخلو من أي زينة ومظهرها البسيط، بخاصة شعرها المعقوص فوق رقبتها وملابسها ذات الألوان الباردة لا تترك شكاً لدى من يراقبها في أنها تعمل من دون أن تضع أنوثتها في اعتبارها.
فهي كمثل أي عامل آخر في المطعم، لا تتميز عن زملائها الــذكور إلا بابتسامة تلازمها على رغم إرهاق عمل مــتواصل لا تقــطعه إجازة إلا في المناســبات الــسنوية.
وعند سؤالها عن سبب عدم اهتمامها بمظهرها تجيب دلال بالحديث عن فتيات جربوا العمل في المطعم نفسه ولم يستمروا لأنهن ظنن أن عمل الفتاة نادلة لا يتطلب منها سوى أن تستعرض جمالها. وتعتقد دلال ان هذا العمل وعلى الرغم من أنه يتطلب جرأة كبيرة من أجل الصمود في وجه أناس يعتقدون أن العمل في هذا المجال لا يليق بفتاة، إلا أنه يبقى عملاً شريفاً.
تتوزع مهمات دلال بين إعداد الوجبات والمشروبات والعناية بنظافة المكان، اذ تحرص على تلميع الطاولات والأواني، وقد تجدها أحياناً تحاسب الزبائن أو تقدم لهم النرجيلة إن تأخر زملاؤها الشباب الموكلين بهذه المهمات. فهي باختصار مسؤولة عن صالة المطعم أمام مديرها «أبو العبد» (صاحب المطعم) الذي يصفها بأنها «دينامو المحل» ويقصد بذلك أن هذه الفتاة هي المحرك الأساسي للعمل في مطعمه، ويجد إخلاصها في عملها وأمانتها سبباً لنجاح محله الذي يتوافد إليه زبائن كثر أغلبهم من طلاب الجامعة.
تقول دلال: «أحب أن يشعر الزبائن بأنهم في منزلهم ليعتادوا على المحل، لذا عندما أقدم لهم الطلبات أتعامل معهم وكأنهم ضيوف في بيتي، فإكرام الضيف قيمة تربيت عليها»، والشابة ابنة الــسادسة والــعشرين قــدمت إلى العاصــمة من منطقة بانياس (296 كلم عن دمشق) ووجــدت في بــداية رحلتها وظيفة في معمل لصنع الأدوية غادرته بعد أن تأثرت صحتها بمخاطر العمل في الكيماويات، تضحك دلال وهي تقول: الــعمل نــادلة أفضل، على الأقل لا تتــأثر صــحتي إلا بــدخان الــنرجيلة.
تكسب دلال نحو 14 ألف ليرة سورية شهرياً، أي ما يعادل 311 دولاراً تنفقها بين أجرة للمنزل الذي تقيم فيها والمواصلات لتبقى الحصة الأكبر من مرتبها لعائلتها المؤلفة من ستة أفراد.
وتستفيد الشابة من «البخشيش» الذي يتركه بعض الزبائن من باب التعاطف مع فتاة تعمل ليل نهار، ولا يضيرها أن يتعاطف معها بعض الناس فمن وجهة نظرها، من الطبيعي أن يتعاطف أفراد المجتمع مع بعضهم بعضاً، «فأنا إن رأيت محتاجاً في الطريق سأساعده بالتأكيد».
وتعتقد الشابة بأن عمل الفتاة في أي مهنة قد يعرضها لمشاكل يمكن تفاديها بـ «التطنيش» أو باختيار الوقت المناسب للرد على من يحاول الإساءة اليها، على حد تعبيرها.
وتفضل دلال زبائن المحل من العائلات أو شباب الجامعات، وأجمل الأوقات في المطعم في رأي دلال عندما يطلب منها أحد الزبائن أن تفاجئ آخر بقالب حلوى للاحتفال بمناسبة ما، وتستمتع الشابة برؤية العشاق يتوزعون على طاولات المحل ليمضوا أوقاتهم فرحين، فالأمر يذكرها بقصة حب جميلة عاشتها، وعلى رغم أنها تخفي ابتسامتها عند الحديث عن الزواج وتحاول أن تغير الموضوع إلى آخر أخبار أبطــال الدراما التركية وما يحدث في مــسلسلات تــتابعها مع الزبائن في المحل، تصرح الشابة بخجل بأنها تنتظر نصيبها الذي يتقبل عملها نــادلة، فــعندما يأتي من تنتظره قد تطلب من صــاحب الــمطعم أن يقلص لها ســاعات عــملها الــطوال.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد