بروستات سياسي
هناك خشية ان يتحول سرطان البروستات الذي اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت اصابته به، الى طامة اضافية.
لا تحتاج اسرائيل طبعا الى ذرائع للتنكيل بالفلسطينيين على وجه الخصوص، والى الاعتداء على اللبنانيين، وتهديد السوريين والتآمر على الايرانيين. لكنه الآن وقد ألمّ المرض بأولمرت، فإنها ستمارس مزيدا من الابتزاز للاوروبيين، وستتنعم اكثر بفكرة مشاركة الاميركيين فراشهم، وبهذا ستحظى بفرصة اضافية للهو بفكرتها المفضلة، بأنها تختصر العالم الحر كله، وجرائمه.
ستقتل في غزة والضفة وكأنها تخوض معركة ضد الارهاب في قندهار، وتروج لـ«الخطر» الايراني وكأنها عضو في عصابة ديك تشيني، وتقوم بخرق جوي استعراضي لسماء سوريا وكأنها تحدد للمجتمع الدولي الوجهة الصحيحة لبوصلة الحرب التي يجب ان تكون، وتستبيح «سيادة» لبنان، وكأنه امتداد طبيعي لشؤونها واهتماماتها.
الا ان اسرائيل تفعل كل ذلك من دون بروستات اولمرت ومرضه المفاجئ. لكن ذلك لا يعني ان الاستفادة السياسية غير ممكنة.
لقد بذلت الادارة الاميركية الكثير من الجهود لاحتواء النكسات السياسية والاخلاقية التي لاحقت اولمرت منذ الاخفاق في الحرب على لبنان العام .2006 هذه الجهود تركزت على ترتيب الوضع الاسرائيلي الداخلي وعلى المحيط الاقليمي العربي. ربط كثيرون هذه التحركات الاميركية بالرغبة في امرين: تهيئة الاجواء لتسوية عربية اسرائيلية، تقدم انجازا ما للادارة الاميركية في ظل اجواء التشاؤم التي احاطت بطبيعة الاداء الاميركي في العراق. والامر الثاني، ترتيب الظروف الاقليمية التي قد تسمح لاحقا بإشعال النزاع مع ايران.
طبعا لاحظ كثيرون التململ العلني للزعماء العرب ازاء حجم المطلوب منهم، سواء فلسطينيا او ايرانيا. وقال كثيرون ايضا ان هذا التململ شكلي، وقال آخرون انه حقيقي. لكن الخلاصة ان هناك امورا مطلوبة، وما تعوّدنا لا مقاومة ولا ممانعة ولا نجاحات دبلوماسية عربية تقدم مخارج للازمات المحتملة مع قوى الخارج.
ولان مؤتمر انابوليس بات وشيكا حتى لو لم يعقد في تشرين الثاني كما اعلن سابقا، ولان الاميركيين ليسوا في وارد القبول بمناكفات المتحفظين والمتململين، ولان فرض شروط التسوية المجحفة على العرب يبدو ممكنا مجددا، ولان آلام اولمرت تعني الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي باعتباره من حماة السلم العالمي، ولان ابو مازن وابو علاء و«عتاولة» السلطة الفلسطينية يراهنون على اولمرت لتحقيق الحلم التاريخي الفلسطيني بدولة، أي دولة، ولو كانت الى جانب دولة الاحتلال ووفق شروطها وهواجسها، وبالتالي يتمنون له الشفاء العاجل حتى لا يتركهم تحت «رحمة» حركة حماس و«محور المتشددين»... لكل هذه الاسباب يصبح بروستات اولمرت مسألة خطيرة.
اذ لا شيء يمنع نخوة «الاعتدال» العربي من ان تهب لنجدة الموقف، فتقبل اليوم ما كانت ترفضه، او تتململ منه قبل مرض اولمرت، ويذهبون الى انابوليس، ولا يكتفون بالقبول بما تتطلبه شروطه، بل يقنعون الفلسطينيين بما قد يتحفظون عليه من تنازلات، ويتفقون على «الشرعية» الكاملة لابو مازن في الضفة الغربية وغزة، ويلتقطون لانفسهم صورة جماعية مع الرجل المريض يتمناها لرصيده السياسي، ويشمتون بالسوريين اذا تغيبوا، ويجددون مناشدة الاحتلال البقاء في العراق، ويبحثون في انجاح تجربة زعيم صحوة الانبار عبد الستار ابو ريشة، ويصدرون بيانا يستنكر النفوذ الايراني المتنامي، ويقررون التصدي له، ويغلبون المنطق التصادمي في لبنان وغيره.
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد