"بحبوحة" إنتاج القمح والقطن دخلت دائرة الخطر
ـ بطل إنتاج: انخفاض إنتاج القطن يعود لإقلاع العديد من الفلاحين عن زراعة هذا المحصول بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج 100%
ـ إنتاج القمح يتراجع عاماً بعد عام والأرقام التي يتم الإعلان عنها بشان إنتاجية الهكتار مبالغ فيها
ـ الزراعة: المحاصيل الشتوية تأثرت بتأخر هطل الأمطار وموسم القمح لن يحقق الخطة المقررة بنسبة نقص تصل إلى 1,5 مليون طن
الأرقام الأخيرة لإنتاج القمح والقطن خلال العام الماضي تظهر جلياً أن "البحبوحة" التي عشناها في مجال الاستراتيجية الغذائية أو الأمن الغذائي بدأت بالانكماش وتغيير لبعض الموازين وخصوصاً بالنسبة لما يسمى الزراعات الاستراتيجية.
فالقمح أولاً ومن ثم القطن والشوندر السكري وغيرها من المحاصيل الاستراتيجية التي بدأ بريقها يخفت عاماً بعد عام مع تناقص كميات الإنتاج والتحول من الوفرة والتصدير إلى القلة والتخزين ويبقى الهاجس المرعب أن نصل يوماً ما إلى عتبة الاستيراد والندرة .
فإنتاج القمح يتراجع سنوياً بكميات كبيرة وهذا ينطبق أيضاً على إنتاج القطن، وهما المحصولان الرئيسان بالنسبة لمعيشة المواطن أولاً ولكتل التصدير ثانياً وتأمين القطع الأجنبي للخزينة العامة ثالثاً.
فهل نستطيع سدَّ الفجوة القائمة الآن بين مستوى الإنتاج المتراجع للمحاصيل الاستراتيجية وبين ازدياد حصة الفرد من هذه المحاصيل؟ وهل فعلاً يحق لنا أن ندقّ ناقوس الخطر لأمن غذائي كثيراً ما تفاخرنا به.
بلغت المساحة المزروعة بالقطن العام الماضي حوالي 215640 هكتاراً وبنقص 22850 هكتاراً عن عام 2007 بسبب عدم توفر الموارد المائية اللازمة إضافة إلى اضطراب الظروف البيئية في بداية الموسم من درجات الحرارة المرتفعة, وستنتج هذه المساحة حوالي 700 ألف طن من القطن.
وتوقع مدير إدارة بحوث القطن الدكتور محمد نايف السلتي استقرار إنتاج القطن للعام الحالي عند 750 ألف طن, وقال: إن الحكومة تدفع 28.5 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد للمنتجين وبما يتجاوز الـ۲۱ مليار ليرة لإجمالي الإنتاج تقريباً, مشيراً إلى تقدم كبير في عمليات تصدير القطن المصنع من غزل ومنسوجات مقابل تضاؤل كميات القطن غير المصنعة.
وأضاف: إن ما بين 70% إلى 80% من صادرات القطن السوري أصبحت مصنعة، فيما كانت النسبة قبل سنوات قليلة معكوسة، بحيث يصدر80% من القطن خاماً, ويعتبر القطن استراتيجياً في الاقتصاد السوري، إذ إنه المصدر الثالث للنقد الأجنبي بعد النفط والقمح.
الفلاح فراس فهد الفياض استطاع أن يكون بطلاً للإنتاج في محصول القطن على مستوى القطر للمرة الخامسة خلال السنوات العشر الأخيرة رغم الصعوبات الكثيرة التي يعاني منها الفلاحون عموماً، إلا أن اعتماده أساليب علمية منظمة في زراعة محصول القطن مكنه من التفوق في الإنتاج عما حوله من فلاحين، فقد أنتجت أرضه 685 كغ قطن في الدونم الواحد، وهذا الرقم ضعف معدل إنتاج باقي الأراضي.
ويؤكد الفياض أن الربح المادي من محصول القطن بسيط ولا يتناسب وحجم الجهد المبذول، حيث تستهلك محركات الديزل وقوداً بما يوازي 53 % من حجم الإنتاج، كما أن غلاء أسعار البذور والأسمدة وجميع مستلزمات الإنتاج وارتفاع أجور اليد العاملة بنسبة 100% وثبات سعر المحصول لم تعد تترك هامشاً من الربح المادي للفلاح وفي حال زيادة أسعار المحروقات سيقلع جميع الفلاحين الذين يعتمدون على الري عبر محركات ديزل عن زراعة أي محصول وأدعو الجهات المعنية إلى تحويل مجرى نهر الجلاب إلى وادي قره موخ لأن المناطق التي يمر بها النهر قد تم ريها بمشروعات شرق البليخ ..
وعن أسباب تراجع إنتاج القطن في المناطق المروية من وادي الفرات يقول الفياض: إن إحجام الفلاحين عن استخدام بذار الرقة (5) الذي يلائم الظروف المناخية للمحافظة واعتمادهم على الأصناف المهربة من البذار، والتي غالباً ما تكون مغشوشة كما أن الكثير من الفلاحين لا يتبعون دورة زراعية منتظمة ويحرقون بقايا المحاصيل التي تقضي على الأعداء الحيوية الموجودة في التربية وعدم استخدام الأسمدة العضوية والإفراط في استخدام المياه يؤدي إلى تسبخ التربة وبالتالي تدني الإنتاج ..!
وخلال اتصالنا بالفياض أكد أن الإنتاج المرتفع لمحصوله لم يجلب له الربح المتوقع.. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان بطل الإنتاج يشكو من قلة الربح وغلاء مستلزمات الإنتاج، فكيف نطالب بقية الفلاحين بزيادة إنتاجهم؟ وتشير الإحصائيات الصادرة عن مديرية الزراعة في الرقة إلى تراجع كبير في إنتاج القطن خلال السنوات الخمس الأخيرة، فدخول أصناف غريبة من البذار ومتاجرة بعض الجمعيات بأسماء فلاحيها وغياب دور الإرشاد الزراعي وثبات سعر المنتج وغلاء مستلزمات الإنتاج، كلها أسباب جعلت الفلاح يعزف عن زراعة القطن ويلجأ لزراعة محاصيل أخرى.
الأرقام تشير إلى أن إنتاج القمح يتراجع عاماً بعد عام في حين أن الأرقام التي يجري الإعلان عنها بشأن إنتاجية الهكتار الواحد مبالغ فيها، فالهيئة العامة للبحوث الزراعية تتحدث عن أن إنتاجية الهكتار الواحد من القمح تصل إلى 6800 كيلو غرام بينما لم تتجاوز إنتاجية الهكتار الواحد على أرض الواقع 4200 كيلو غرام، بينما أشارت منظمة الأغذية والزراعة الفاو في إحدى دراساتها إلى أن إنتاجية الهكتار الواحد من القمح لا تتجاوز 3 آلاف كيلو غرام.
لقد كان إنتاجنا عام 2001 من القمح 4.745 ملايين طن تناقص في عام 2004 إلى 4.537 ملايين طن، وكان المتاح في عام 2001 /4.7/ ملايين طن تراجع في عام 2004 إلى 3.9 ملايين طن.
ولكن نفضل أن نشير إلى أن الظروف الجوية ونقص المياه وتزايد عدد السكان كلها عوامل ستغير من المعادلة تجاه المنحى السلبي أي تناقص كميات الحبوب وتحديداً القمح الذي بدأنا بتصديره منتصف التسعينيات لأن هناك فوائض, إلا أن الأمر سيتغير، وبالفعل سيكون هذا الموسم كغيره من المواسم السابقة، حيث التناقص بالكميات المنتجة مقارنة بالمخطط لقلة الهطولات المطرية.
أما محصول الشعير فكان إنتاجنا في عام 2001 /1.956 مليون طن تراجع إلى 527 ألف طن عام 2004 وقفز استيرادنا للمادة من 345 ألف طن إلى 625 ألف طن.
أما العدس فتراجع الإنتاج من 177 ألف طن عام 2001 إلى 125 ألف طن، ومن الحمص تناقص الإنتاج من 60 ألف طن إلى 45 ألف طن، والذرة الصفراء من 216 ألف طن إلى 210 آلاف طن , بينما زاد إنتاج الشوندر السكري والقطن والبندورة والبصل والبطيخ.
وحسب تقارير وزارة الزراعة فقد تأثرت المحاصيل الشتوية عموماً ومنها القمح بتأخر هطل الأمطار وتفاوت كمياتها وتوزعها بين المحافظات إضافة لحدوث موجة صقيع حادة وصلت إلى ـ 7مْ ما أثر سلباً على مرحلة الإنبات والوصول إلى مرحلة الإنتاج وقدرت المساحة التي تضررت نتيجة ذلك وتحولت إلى مراعٍ بـ80219 هكتاراً وتسببت الأمطار الغزيرة والسيول بتلف مساحات من القمح وإصابة الحبوب بمرض فطري يسمى ظاهرة النقطة السوداء ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذا المرض لا يؤثر على سلامة القمح من الناحية الصحية للإنسان ولكنه يخفض درجة النوعية له بسبب النقطة السوداء الموجودة.
وحسب كلام المعنيين في الوزارة فإن موسم الحبوب سيتأثر، أي الإنتاج المخطط لا يتحقق نظراً لقلة الهطولات، وقد يكون الإنتاج المتحقق ناقصاً عن المخطط بمليون ونصف المليون طن.
الزراعة أكدت أنها وضعت خطتها الإنتاجية للموسم الزراعي 2006-2007 بما يتناسب مع الموارد المتاحة وميزان استعمالات الأراضي والموازنة المائية المحددة من وزارة الري لاستثمار الموارد المائية، وتم التخطيط لإنتاج المحاصيل بما يغطي حاجة الاستهلاك المحلي منها وتوفير فائض للتصدير والمواد الأولية اللازمة لتشغيل معامل التصنيع الغذائي.
لكن في بداية الموسم الزراعي هطلت أمطار غزيرة سادت جميع المحافظات وانعكس ذلك إيجاباً، حيث قام المزارعون بزراعة كافة الأراضي المخصصة للزراعات الشتوية إلا أنه حُبست الأمطار بعدها لمدة تراوحت بين 45- 55 يوماً مع انخفاض شديد في درجات الحرارة أثرت سلباً على نمو المحاصيل وعلى الخضر الورقية، حيث بدأت بعدها الهطولات المطرية بتوزع نسبي مقبول وبمعدلات جيدة أثرت إيجاباً على المحاصيل المزروعة وخاصة في مناطق الاستقرار الزراعي الأولى والثانية وهي متخصصة بزراعة القمح أما مناطق الاستقرار الزراعي الثالثة والرابعة فقد تأثرت بشكل كبير بانقطاع هطل الأمطار وتحول جزء كبير منها للري وهي متخصصة بزراعة الشعير، أما منطقة الاستقرار الخامسة وهي منطقة البادية التي تشكل 55% من مساحة سورية، فقد كانت المراعي فيها ضعيفة- إلى متوسطة- تحسنت مؤخراً في بعض المناطق بعد هطل الأمطار.
المساحة المخطط زراعتها من محصول القمح 1.7 مليون هكتار زرعت بالكامل وكان من المخطط إنتاج نحو 5.6 ملايين طن، ولا يمكن تحقيق هذا الإنتاج نتيجة للظروف الجوية وسيكون بحدود ما تم تحقيقه في الموسم الزراعي الماضي بحدود 4.5 ملايين طن، علماً أن احتياج سورية من القمح سنوياً لا يتجاوز 3.7 ملايين طن .
إذا كان إنتاجنا لا يتعدى 5 ملايين طن من الحبوب القمح في أحسن الظروف والإمكانات، فماذا سيحل إذا توالت 4- 5 سنوات جفاف متواصلة؟ وأمام ثبات هذا الرقم فقد زاد نصيب الفرد من كمية القمح المتاحة البالغة 223 كغ /فرد/ سنة متوسط الفترة 1997-2001 بمقدار 323 فرداً لعام 2003 ونقص بمقدار 2كغ /فرد لعام 2004 وزاد نصيب الفرد سنوياً من مجموع البقوليات الحبية البالغة 11 كغ/فرد/سنة بمقدار زاد على 2كغ/فرد لعام 2003 ونقص بمقدار 3.5 كغ/فرد للعام 2004.
إن إعادة هيكلة الدعم الحكومي للقطاع الزراعي ستؤثر على الإنتاج أيضاً وهذا ما أشارت إليه البيانات الإحصائية وبدء انخفاض نصيب الفرد من الإنتاج والناتج الإجمالي الزراعي، والمطلوب في هذه الحالة اتباع إستراتيجية تنفيذ شاملة للقطاع الزراعي ومعالجة بعض القضايا الحساسة وفق مصلحة الوطن لزيادة الإنتاج الزراعي من خلال رصد الأموال الكافية لتنميته وتطويره باستخدام البذار المحسن والتقانات الحديثة واستثمار الموارد الأرضية والمياه بالشكل الأمثل.
وحول مخاوف تأثر إنتاجنا من القمح خلال السنوات المقبلة في ظلِّ توالي سنوات الجفاف أشارت مصادر وزارة الزراعة إلى أنه لا خوف حتى 5 سنوات مقبلة على إنتاجنا والمتاح من القمح وبعد هذه السنوات ستتغير الصورة الإيجابية إلى سلبية، ومن الآن فصاعداً يجب التفكير بإمكانية تقليل الكميات المصدرة المباعة من القمح للمحافظة على احتياطي كبير من القمح, لكن هناك طروحات تؤكد أنه لا خوف حتى عام 2015 والوضع غير مقلق أبداً، فالزراعة المروية للقمح يمكن أن تعطينا الاحتياج السنوي بما يقارب 2.5 مليون طن.
إزاء الظروف التي سادت وأثرت على إنتاج القمح وخروج كميات كبيرة لأكثر من مليون ونصف طن وما تفرضه متطلبات ضغط الموارد المائية وقلة الهطولات المطرية على سورية، فإن المؤشرات تدل على تناقص الكميات المنتجة وهنا بدأت الجهات المعنية تتحسس ذلك، فاعتمدت عدداً من المقترحات لتطوير زراعة القمح وإعادة النظر بأسعاره من أجل الضمان على كميات تؤمن الاحتياجات الحالية والمستقبلي, ومن المسائل التي تم الاتفاق عليها لإنتاج وتسويق محصول القمح للموسم الزراعي 2007-2008 تطبيق برنامج دعم البذار وذلك تشجيعاً للمزارعين على استجرار البذار المحسن من مؤسسة إكثار البذار لزيادة الإنتاج وتحقيق المواصفات التصديرية للأقماح وزيادة التحكم بنسبة إنتاج الأقماح القاسية والطرية، حيث تصبح الكميات المنتجة 25% قاسي و75% طري لتحقيق الخلطة الطحنية المناسبة.
وإعادة النظر بأسعار شراء المؤسسة للأقماح لما يحقق ريعية مناسبة للفلاحين والمنتجين، حيث يستمر تشجيع الفلاحين على زراعة القمح لأهمية هذه المادة، لكون سعر القمح داخلياً وخارجياً قد ارتفع بشكل ملحوظ، إضافة إلى أن موسم العام الماضي في أغلب دول العالم متدن وقيام المؤسسة العامة للحبوب بوضع مقاييس ومواصفات استلام الحبوب وتعميمها على الجهات المعنية وإيصالها للأخوة المزارعين لتكون عاملاً مساعداً لها بتطبيق الحزم التقنية المتكاملة على مستوى الحقل بتحقيق الإنتاج وفق المواصفة المعتمدة وهذه الخطة تحتاج إلى مليار ليرة لإنتاج 160 ألف طن عام 2008 و1,4مليار ل.س لإنتاج 200ألف طن عام 2009.
بما إننا بلد زراعي بالدرجة الأولى ومعظم صادراتنا زراعية بعد النفط يجب على الحكومة أن تأخذ على محمل الجد المخاطر الحقيقية التي تتهدد المحاصيل الاستراتيجية مع تناقص كميات الإنتاج عاماً بعد عام وبكميات قد تكون كارثية مستقبلاً وتتخذ قرارات وإرشادات زراعية تلبي أولا حاجة القطر من هذه المحاصيل ومتطلبات الفلاحين لزراعتها ورفع سعر منتجاتهم وخفض تكاليف الإنتاج وأسعار المستلزمات وتأمين دخل مناسب لهم تشجيعاً على زراعة تلك المحاصيل مع عزوف بعض الفلاحين عن تلك الزراعات نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة المردودية.
وعلى وزارة الزراعة والمعنيين فيها اتباع ومراقبة أدق تفاصيل هذه الزراعات وحمايتها ورفدها بكل مقومات الاستمرار وتأمين البذار الجيدة والمكفولة وحماية الفلاحين من نصب بعض المتاجرين والمهربين لأنواع من البذار المغشوش الذي يسيء للفلاح وللإنتاجية معاً.
فالتحرك السريع مطلوب اليوم قبل الغد لحماية الاقتصاد الزراعي الذي دقَّ ناقوس الخطر هذا الموسم وربما الموسم القادم يكون الخطر أكبر مع ضعف الهاطل المطري وربما القادمات اعظم.
عن مجلة المال
إضافة تعليق جديد