الموقف الروسي محاولة جادة لاعادة التوازن إلى اللعبة الاممية

08-10-2011

الموقف الروسي محاولة جادة لاعادة التوازن إلى اللعبة الاممية

دعا دبلوماسي اوروبي مخضرم إلى التوقف مليا عند موقف روسيا في مجلس الامن من التصويت على العقوبات ضد سوريا، ملاحظاً إلى أنها المرة الاولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي التي تمارس فيها موسكو حق النقض بعدما كانت تنصاع للضغوط او للاغراءات السياسية والمعنوية والاقتصادية، ما يؤشر إلى أنّها عادت لتنخرط مباشرة في إعادة التوازن إلى اللعبة الاممية من جهة، كما أنّ هذه الخطوة دلّت على استعدادها لخوض الحرب الباردة وإن كان من بابها الدبلوماسي.
ولا يقلّ الموقف الصيني أهمية عن ذلك الروسي لا في الشكل ولا في المضمون، فبكين أكدت مرة جديدة أنها واحدة من الدول التي تسعى جاهدة إلى إعادة التوازن للسياسات الغربية، وهي انتقلت إلى هذه الخطوة بعد أن تمكنت من إثبات وجودها اقتصاديا وماليا وحتى تكنولوجيا، بحيث يصح القول أنّ بكين تحولت إلى واحد من الارقام الاقتصادية والسياسية الصعبة، مستفيدة من انهيار الاقتصادات الاميركية والاوروبية، فنجحت في توظيف هذا النجاح في سياساتها الخارجية.
ويشير الدبلوماسي المذكور إلى أنّ الموقف الروسي المتشدد لم يأت على خلفية إنقاذ النظام السوري إنما من باب حماية مصالحها الاستراتيجية في الشرق الاوسط من جهة، ولاحراج أوروبا وأميركا من جهة ثانية وعزل تركيا ومعاقبتها على حماية الدرع الصاروخي الموجه إلى روسيا بشكل خاص من جهة ثالثة، فسقوط سوريا يعني بالنسبة لموسكو خروجها بشكل كامل من الشرق الاوسط، خصوصا أنّ واشنطن بسطت سيطرتها شبه الكاملة على المنطقة برمتها مستفيدة من سقوط الاتحاد السوفياتي، ما خوّلها سد الفراغات التي خلفها الانسحاب السوفياتي من المنطقة وانشغال روسيا الجديدة  بترتيب بيتها الداخلي. ويلفت الدبلوماسي في هذا الاطار إلى أنّ موقفها من مصالحها في القارة الاوروبية لا يقل اهمية عن سواه، فخروجها من غالبية دول اوروبا الشرقية وانضمام البعض الاخر منها إلى الاتحاد الاوروبي  له حساباته الخاصة اكان من الناحية الاقتصادية ام لجهة الصراع التاريخي بين الشرق والغرب. ويوضح أنّ موسكو كانت بحاجة إلى ترجمة انزعاجها من موقف النظام التركي، ليس فقط على خلفية موقفه التصعيدي ضدّ سوريا التي تشكل الحليف التقليدي والاستراتيجي لروسيا، بل من موقفه الداعم والمؤيد لنشر الدرع الصاروخي على الأراضي التركية في مواجهة روسيا من جهة ومنابع النفط من جهة ثانية ناهيك عن المعابر البحرية الحيوية، وهو ما تعتبره موسكو حصارا كاملا لها وإيذانا بتدمير مصالحها الحيوية تمهيدا لتركيعها في مراحل لاحقة.
الموقف الصيني بدوره لم ينطلق من خلفية حماية النظام السوري بل هدف لتحقيق أكبر قدر من التوازن الاممي، وبالتالي فإن انسجام موقف الصين مع ذلك الروسي يعني الكثير بالنسبة إلى لعبة الامم، إذ إنها المرة الاولى منذ نشأة روسيا الجديدة التي يسقط فيها مشروع في مجلس الامن باستخدام دولتين من اصل خمسة لحق النقض، ولهذا مدلولات اخرى وحسابات اوروبية واميركية مختلفة. وبحسب الدبلوماسي، فإنّ دخول بكين على الخط الاستراتيجي الساخن يعني بشكل أو بآخر فرض أمر واقع جديد إلى جانب الواقع الاقتصادي الذي خلفته مع الاشارة ايضا إلى أن للصين حساباتها المالية والنقدية في منطقة الشرق الاوسط وهي مصالح نامية تبشر بمزيد من الانفتاح، وبالتالي فان الخروج من هذه الاسواق يعني بشكل او بآخر فرض حصار اقتصادي ومالي من نوع آخر.
ويختم الدبلوماسي بالتأكيد على أنّ تقاطع المصالح الروسية – الصينية وتداخل العوامل الاستراتيجية بالتكتيكية أدّيا إلى الهجمة الروسية التي جاءت في وقت تعاني فيه السياسات الخارجية الاميركية من عدة انتكاسات من شأنها أن تعطي خصومها نقاطا إضافية وإن لم تكن غير حاسمة.

أنطوان الحايك

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...