المقاومة تكسب صراع الأدمغة والحرب النفسية والاستخباراتية
يبدو من الوقائع والمعطيات المتسارعة في الآونة الأخيرة أن محور المقاومة وخاصة بعد انتعاشه بهزيمة الإرهاب في سورية وتداخل جبهاته والخبرة التراكمية والنوعية التي اكتسبها، انتقل لمرحلة متقدمة في الحرب النفسية والأداء الاستخباراتي مع الكيان الصهيوني، ما يمكن وصفه «بالحرب الواقية من الحرب»، بعدما بنى هذا الكيان لنفسه في أذهان العالم العربي ودوله، منذ اغتصاب فلسطين، هالة وصورة غير مسبوقتين من التفوق العسكري والقدرات الأمنية واتبع حرباً نفسية توظيفاً لذلك، وهو ما دفع بعض دول العرب نحو التطبيع العلني أو السري.
اليوم وبعد سبعة عقود خلت انقلبت الصورة رأساً على عقب، وبات هذا الكيان الذي قدم نفسه مارد المنطقة في حالة لا يحسد عليها نتيجة تأزم وضعه بمختلف المجالات بعد جملة انتكاسات وهزائم تعرض لها في ميدان المواجهة مع قوى المقاومة، بما في ذلك تراجع قدراته الاستخباراتية وخيبات آماله في صراع الأدمغة والعقول.
فتل أبيب التي اتخذت سلسلة إجراءات عسكرية ولوجستية وأمنية تصعيدية خلال الأسابيع الماضية تجاه لبنان عبر تكثيف طائرات استطلاعها فوق الأجواء السورية اللبنانية، وقيامها بهجوم إلكتروني بهدف تعطيل الرادارات واكتشاف مواقعها، بالتزامن مع مناورات برية حية حاكت بها قوات الاحتلال الإسرائيلية احتلال قرى في جنوب لبنان مستعينة لأول مرة بتكنولوجيا مسيرة ومزودة بقوة نارية «روبوتات مقاتلة» عوضاً عن الجنود، فضلاً عن حملة التهديدات التي انبرى لقيادتها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب عدد من وزرائه وقادة أجهزته الأمنية والعسكرية بالإقدام على حدث أمني وعسكري كبيرين من شأنهما أن تفضي إلى حرب على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، عاشت أياماً عصيبة سادت بها حالة إرباك وصادمة بعد نشر الإعلام الحربي لحزب الله فيديو ترويجي تحت عنوان: «إن تجرأتم.. فستندمون».
هذا الفيديو الذي يحمل دلالات متعددة أهمها تجلى في:
* تأكيد حتمية الرد الذي ظهر على لسان الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وهذا يكرس توازن الرعب الذي أوجده الحزب كأحد أطراف المقاومة.
* أما الدلالة الثانية فهي القدرة الاستخباراتية للحزب في الحصول على إحداثيات وصور وخرائط لمواقع وأهداف عسكرية حساسة، وهي تعكس في المقلب الآخر فشلاً استخباراتياً إسرائيلياً في الحصول على معلومات مماثلة للحزب وعلى ردع الحزب في امتلاك مثل هذه المعلومات.
* أما الدلالة الثالثة والتي لم تظهر في الفيديو فهي نوعية الأسلحة التي من المؤكد أن حزب الله سيستخدمها، ما يؤكد ذلك هو أن مثل هذه المواقع الحيوية ستكون محصنة وتحتاج لقدرات صاروخية متقدمة.* أما الدلالة الرابعة فإنها تكمن في التوقيت، وهذه النقطة بالغة الأهمية، فالحزب لن يقدم على نشر بعض ما لديه من بنك معلومات إن لم يكن متأكداً من نيات إسرائيلية في الإقدام على مغامرة جديدة قد تكون لبنان ساحتها، وخاصة أن نشر الفيديو جاء بعد يوم واحد من العدوان الإسرائيلي على منطقة الجنوب السوري وفي ظل الفوضى السياسية التي تسود المناخ العراقي، وقد يكون هذا التوقيت لقلب الطاولة على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي بات هو وحكومته على حافة الهاوية أو بهدف إحداث شرخ بين الإسرائيليين بعضهم بعضاً في تبادل الاتهامات بالتقصير والمساءلة.
بينما مثلت «حد السيف» وهي عملية التصدي البطولية التي قامت بها حركات المقاومة في خان يونس، انتصاراً لاستخبارات محور المقاومة بشكل عام في تعميم إمكاناته وخبراته على فاعليه وأطرافه، وبشكل خاص للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة رغم الحصار المفروض على هذه الرقعة الجغرافية، ولم يتوقف تفوق المقاومة الفلسطينية عند هذا الحد، بل تمكنت من الحصول على كنز استخباراتي يتضمن معلومات ونشاطات استخباراتية مهمة كانت تحتويه أجهزة أعضاء الفرقة الخاصة التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان».
فعملية التصدي بالدرجة الأولى تشكل ردعاً «استخباراتياً» للأجهزة الإسرائيلية بمنعها من تحقيق أهدافها عبر اختراقها أو الجهوزية الكاملة بالتصدي، وفي الدرجة الثانية توحيد الفصائل المقاومة ضمن غرفة عمليات مشتركة، وفي الدرجة الثالثة الإقدام على إمساك زمام المبادرة وخوض حرب نفسية كان أهمها التعرف إلى أعضاء الفرقة الإسرائيلية ونشر صور أعضائها ما أربك القيادة الإسرائيلية، على اعتبارهم أعضاء في سرية «سيريت متكال» المنوط بهم تنفيذ مهام داخل وخارج الأراضي المحتلة.
من المؤكد أن قواعد الاشتباك في المرحلة القادمة ستتبلور بشكل أكثر وخاصة مع اختلاف وسائل الصراع، فانخفاض وتيرة المعارك لا يعني بالضرورة انخفاض وتيرة الصراع بل غالباً ما يتخذ الصراع اليوم مع الكيان الإسرائيلي أشكالاً مختلفة وغالباً ما يصل ذروته في صراع الأدمغة والقدرات الاستخباراتية التي شكلت وتشكل عامل قوة لمحور المقاومة خلال الفترة القادمة سواء في ردع أي عدوان كبير أم في قلب الموازين ورسم معالم أي تسوية، فعلم السياسة وكما هو معروف تستخدم به أطراف الصراع وسائل متعددة، ومع مرور الزمن وتطور العلاقات الدولية فإن هذه الوسائل تتطور طرداً.
صراع الأدمغة في ذروته والمنهزم من سيفقد تركيزه وينشل تفكيره أولاً.
الوطن
إضافة تعليق جديد