المفاوضات السرية بين الأميركيين والمقاومة العراقية
المفاوضات هي الاولى من نوعها بين الاميركيين والمقاومة العراقية, من اجل التفاهم على مستقبل العراق. الجولة الاولى بدأت قبل الفطر, والجولة الثانية يفترض ان تحصل بعد اسبوعين, في مبنى السفارة الاميركية في عمان, بحضور مسؤولين اميركيين عسكريين ومدنيين وممثلي عشرة فصائل من المقاومة. انه الانعطاف الجديد في «التكتيكات» الاميركية وهو مفتوح على تبدلات استراتيجية في المدى القريب. على ماذا تراهن واشنطن في هذا الحوار؟
ابو عبد الرحمن الدليمي احد قادة «الجيش الاسلامي في العراق» سرّب المعلومات الاولى عندما روى في مجلس خاص ان الجانب الاميركي جادّ في الحوار مع المقاومة, وأنه لا يرفض من حيث المبدأ الشروط التي طرحتها الفصائل المفاوضة, وأبرزها وضع جدول زمني لانهاء الاحتلال والتعامل مع الفصائل بصفتها ممثلا شرعيا للشعب العراقي. وأضاف الدليمي ان الاميركيين مستعدون لتقديم الضمانات المطلوبة من اجل استمرار التفاوض, وهذا يعني اعترافا بشرعية المقاومة من جهة وتسليما بأن الحلول العسكرية لن تجدي في التعامل مع الوضع العراقي.
وفي معرض تفصيل بعض نقاط التفاوض الاساسية قال الدليمي: لقد طالبنا في الاجتماع الاول بوضع «ورقة عمل» سياسية تبدأ بجدولة الانسحابات وتشكيل «حكومة انقاذ» وطني, على ان يتم الاعداد لانتخابات جديدة تتم بإشراف دولي في خلال عامين, بعد ان يطمئن العراقيون الى استتباب الوضع الامني. في غضون ذلك يتم الافراج عن المعتقلين العراقيين في السجون العراقية كما في سجون القوات الاميركية, وتتوقف عمليات الدهم و التفتيش, ويتم التفاهم على اعادة هيكلة القوات العراقية بعيدا عن التكتلات الطائفية والمذهبية, وحل الميليشيات المسلحة القائمة بدءا بـ«فرق الموت» شبه الرسمية التي تنفذ عمليات يومية ضد الابرياء.
مصادر اخرى شاركت في اللقاءات الاولى شدّدت على ان المفاوضات بدأت بعدما لمس القادة الامنيون والسياسيون الاميركيون ان القوة وحدها لا تكفي للخروج من الورطة العراقية, وهذا يعني ان المقاومة الوطنية والاسلامية حققت انجازها السياسي الاول وفرضت على الاحتلال التسليم بضرورة الحوار. وليس مستبعدا ان يشارك احد اقطاب حزب البعث في الجولة الثانية بشخص تايه عبد الكريم النعيمي وزير النفط السابق, وهو وجه مقبول من قبل المقاومة والقوات الاميركية, وربما شكلت هذه الخطوة بداية حوار اوسع لاعادة النظر في الصيغة الحكومية الحالية.
في غضون ذلك وزعت منظمة بدر الشيعية بيانا داخليا تحذر فيه من «خطر عودة حزب البعث والعرب السنة الى حكم العراق», في اعقاب التطورات الاخيرة, خصوصا الحوار الدائر بين القوات الاميركية وفصائل المقاومة, وهو حوار تدعمه بصورة مباشرة الدول الخليجية المتخوفة من التمدد الايراني في العراق وجواره. نقرأ في البيان الذي وزّع من قبل الدائرة السياسية تحت عنوان «سري جدا»: تشهد المرحلة الراهنة انعطافا خطيرا في العملية السياسية على المستويين الاقليمي والدولي, بدعم من بعض دول الجوار وبالتحديد السعودية والاردن ومصر واليمن والامارات, القصد منه تغيير معالم الخريطة السياسية في العراق والمنطقة بالتنسيق مع الاحتلال الانغلواميركي, وقد تمكن اعداء اهل البيت من الاتفاق على مسودة مشروع خطير يهدد كياننا ومستقبلنا, ليس في العراق فحسب, وإنما في منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة.
يضيف البيان الداخلي ان المطلوب في هذه المرحلة ضبط النفس والتحلي بالصبر, والتكاتف وتوحيد الجهود, والاستمرار في سياسة التصفيات والابعاد, وتحييد وتحجيم نشاطات الاسلاميين, والقضاء على كل محاولة لاعادة احياء الجيش السابق المنحل والدوائر البعثية الامنية والسياسية, ودعم الفكرة الفيدرالية وتهيئة الوسائل اللازمة لتطبيقها بالقوة, بالاضافة الى حشد الطاقات والاستعداد لأي مواجهة عسكرية.
وفي معلومات اخرى من خارج البيان تتداولها الاوساط الشيعية العراقية, ان الاميركيين احدثوا انقلابا في اولوياتهم على مستوى العراق القصد منه تأجيل العملية الديمقراطية وتقديم غرض ضبط الامن. في هذا السياق بدأ البحث عن جنرالات سابقين مقربين من فصائل المقاومة العراقية, وضباط آخرين في الجيش الجديد, من اجل تشكيل حكومة بديلة تعمل على استعادة السيطرة على المدن الرئيسية بدءا بالعاصمة, وتعيد الامن الى مختلف المناطق, وتعلن عفوا عاما عن جميع المعتقلين. ولا يستبعد ان تستعين حكومة الجنرالات بعدد من التكنوقراطيين لاعادة تنشيط وزارات الخدمات وتأهيلها وتفعيل دورها, بعدما فشلت حكومة نوري المالكي والحكومات الثلاث التي سبقتها في التعامل مع الملف الامني والملفات الاجتماعية المطروحة. المعلومات نفسها تشير ان لقاءات تمت في لندن بين عدد من القياديين البعثيين السابقين الذين يملكون خبرة طويلة في ادارة العراق وفريق دبلوماسي وعسكري اميركي, في حضور اياد علاوي رئيس الحكومة الاسبق, وتم التداول في افضل الحلول للخروج من النفق. وقد نقل عن بعض الضباط العراقيين المشاركين قولهم ان الاستعانة بالعناصر الكفوءة في الجيش السابق لن تكون كافية ما لم يتم التلاقي على حلول سياسية واضحة تشرك المقاومة العراقية في الحكم على اسس متوازنة, وتضع حدا للدور الذي تقوم به الميليشيات المسلحة في مناطق التوتر.
وفي معرض التعليق على هذه التوجهات يقول ريتشارد هاس مدير مجلس العلاقات الخارجية الاميركي, وهو من ابرز مراكز الابحاث الاميركية, في دراسة نشرت في «مجلة الشؤون الخارجية»: يبدو ان هناك اجماعا في الساحة الجهادية العراقية على امكان الدخول في المرحلة الثالثة والاخيرة من مراحل حروب العصابات, وهي مرحلة تحرير مناطق او مدن كاملة والسيطرة عليها, ويظهر هذا الاجماع من اعلان «مجلس شورى المجاهدين» عن قيام «الدولة الاسلامية» في بعض المناطق وصمت بقية الفصائل على ذلك, مما يعني اقتناعا على ان الجهاد في العراق قد دخل هذه المرحلة. والحكمة التي تعلمها دونالد رامسفيلد, بعد خمس سنوات من الحرب على الجهاديين, هي انه يستحيل ان يربح الحرب عسكريا, وأن تحقيق النصر يتطلب اكثر من استعمال القوة, وربما كان «النصر» في هذه الحال مرادفا لتفادي الخسارة.
والحوار الذي بدأ مع فصائل المقاومة ربما كان المقصود منه فك الارتباط بين المقاومة الوطنية والمقاومة الاسلامية الجهادية, تمهيدا لعزل «المجاهدين» اي الاسلاميين المتشددين, وقد تكون واشنطن اقتنعت, بعد طول معاناة, ان الجيش العراقي السابق لم يكن مذهبيا او طائفيا, وأن حكومة نوري المالكي عاجزة, كالحكومات التي سبقتها, عن اطفاء جذوة المقاومة, وأنه لا بدّ من التفاوض معها للتخفيف من الخسائر المتعاظمة.
خريطة
والسؤال: ما هو المقصود بالمقاومة العراقية؟ وما هي المجموعات التي تضمها؟
في معلومات «الكفاح العربي», استنادا الى مصادر ثقة, ان المقاومة العراقية تضم مقاتلين من مختلف الاتجاهات السياسية والقومية والوطنية والدينية, يعيشون على تراث وفكر وأدبيات المقاومة في فلسطين ولبنان, ويعملون بهدي خطاب قومي اسلامي يحض على كراهية الولايات المتحدة والهجمة الاميركية على العالم العربي.
وقد بدأ التبلور الفكري لدى جماعات المقاومة العراقية من حيث اسلوب العمل من خلال مجموعات مستقلة عن بعضها بعضا وعدم وجود تنظيم وقيادة قادرة على تحريك المجموعات المقاتلة حسب الخطط التي توضع. هذه المجموعات تنشط ضمن مناطق نفوذها ووجودها وفق المساحة الفعلية داخل اطار المدينة او القرية, ولا تتجاوز المساحات التي تمارس فيها عملياتها الفدائية ضد القوات الاميركية المحتلة. لذلك من الصعوبة جدا ان ينفرط عقد هذه المجموعات الفدائية من خلال الاعتقالات والمداهمات والصدامات المتلاحقة. والهدف الاستراتيجي للمقاومة العراقية هو طرد قوات الاحتلال وتحرير العراق, والحفاظ عليه موحدا ووطنا لكل العراقيين وبناء قاعدة عراقية تعيد للعراق دوره العربي والاقليمي والدولي, من خلال حكومة وطنية تنتخب من الشعب العراقي ودستور يحدد كل الصلاحيات. وبذلك لا بد من ان تتوافر للمقاومة كل الامكانات والادوات للعمل, ولكن لا بد من الاجماع, وهذا الاجماع يأتي من خلال الممارسات اللاانسانية واللاأخلاقية لقوات الاحتلال التي توفر المناخ الملائم للمقاومة.
ومن خلال البيانات الصادرة عن المجموعات المقاومة يمكن التوقف عند الخريطة الآتية:
€ منظمة الجهاد: وزعت بيانا يوم 3€8€2003 في بغداد طالبت فيه بالتصدي للعملاء الذين باعوا دينهم وأرضهم وعرضهم بثمن بخس, واختاروا طريق الضلالة, اشارة الى التعاون مع سلطات الاحتلال, وأكد المجاهدون انهم سيكونون براء من دم مَن لا يلتزم مضمون هذا البيان.
€ جماعة ابناء الاسلام: دعت هذه الجماعة في بيان صدر في بغداد الى قتل ومحاكمة صدام حسين ووصفته بأنه شيطان يستحق اللعنة.
€ تنظيم القاعدة: وزع بيانا في مدينة المنصور باسم تنظيم «القاعدة» يتوعد الاميركيين بمحاربتهم في كل مكان.
€ جيش محمد: اصدر بيانا يدعو الى الجهاد ومحاربة الكفار الاميركيين الذين يدنسون المقدسات الاسلامية في العراق.
€ مجاهدو صدام: أصدر بيانا ووزع في بغداد وبعض المدن العراقية تعهد فيه بالانتقام لمقتل عدي وقصي صدام حسين.
€ حركة المقاومة الاسلامية العراقية: اصدرت بيانا تعهدت فيه بتكثيف هجماتها ضد قوات الاحتلال الاميركي.
€ مجاهدو حديثه: وهو تنظيم هاجم في بيانه الاول اعضاء مجلس الحكم الانتقالي العراقي, وقال في بيانه «ان اعضاءه سيكونون اهدافا سهلة لنيران اسلحتنا, مهددة كل من باع العراق بأنه لن يأمن على نفسه بعد اليوم».
€ حركة الطلائع المسلحة في جيش محمد الثاني: وزعت بيانا ذا منحى ديني يدعو للجهاد ومحاربة الاعداء ومقاتلتهم وطردهم من العراق ليعود العراق دولة اسلامية بحكم القرآن والدستور. وكان اخطر ما جاء في هذا البيان تبني عملية التفجير الذي تعرض له مقر الامم المتحدة.
€ سرية حطين فرقة المدينة المنورة: هذه المجموعة تتألف من قوات عسكرية عراقية من الجنود العراقيين, وهذان الاسمان هما من اسماء الحرس الجمهوري وخصوصا فرقة المدينة المنورة التي كانت من اشرس الفرق العراقية في الحرس الجمهوري والتي كانت مسؤولة عن حماية بغداد اثناء الغزو الاميركي للعراق. اما سرية حطين فهي تابعة لهذه الفرقة.
€ مقاتلو الجهاد وجيش محمد: اصدرا بيانا مشتركا يعلنان فيه قيامهما بتفجير مقر الامم المتحدة, وأنه من خلال هذا التفجير استهدفا ضباط مخابرات اميركيين كانوا يوجدون داخل المقر, وأعلنا انهما قاما بالتفجير من الجهة الخلفية للمقر تجنبا لمزيد من الضحايا.
€ سرية عبد الله بن عياض وسرية جعفر الطيار: من خلال الاسمين المركبين نلاحظ الترابط الشيعي والسني في هذه المجموعة, وقد تعمد القائمون عليها بالاسمين عبد الله بن عياض €سني€ وجعفر الطيار €شيعي€ على ترابط فقه المقاومة العراقية بين المذهبين السني والشيعي.
€ المجموعة السلفية المجاهدة: مجموعة من الاسلاميين الذين يؤمنون بالفكر السلفي ولها نشاط سياسي او جهادي بفكر اسلامي.
€ منظمة الشبان المسلمين: تم اذاعة شريط لهم لبعض العناصر في احدى الفضائيات العربية على شكل بيان موجه للعالم يطالبون فيه بعدم ارسال جيوش الى العراق, مع تحذير هذه الدول من التعاون مع قوات الاحتلال.
€ لجنة القصاص: تم تشكيلها في مدينة الصدر €صدام سابقا€ وهي تقوم بتصفية العناصر البعثية في المدينة.
€ سرايا المقاومة العراقية: مجموعة تم تكوينها من الشباب العراقي والعربي وانتقدت حكم صدام حسين.
€ جبهة الفدائيين الوطنيين: تضم مجموعة من الشباب من مجموعات عراقية لم يعرف شيء عن نشاطها.
€ مجاهدو الطائفة المنصورة: اصدرت بيانا تبنت فيه عددا من العمليات ضد القوات الاميركية في العراق تتوعد بالمزيد منها في المستقبل القريب.
€ المقاومة الشعبية العراقية: اصدرت بيانا تطالب المجاهدين العرب للحضور الى بغداد لمقاتلة الاميركيين, خصوصا من المجاهدين العرب والمسلمين الذين يملكون تجربة في صنع القنابل والاسلحة.
€ الحركة الاسلامية المسلحة للقاعدة.
بالاضافة الى هذه الاسماء هناك عشرات الاسماء الاخرى وأبرزها: المقاومة الاسلامية الوطنية العراقية, حركة الجهاد العراقية, جيش المهدي, سرايا الاستشهاديين في جيش المهدي, القيادة العامة للقوات المسلحة و التحرير العراقية, منظمة تموز, حزب الصداميين, الجيش الوطني لتحرير العراق, كتائب ابو حفص المصري, انصار صدام الجهادي, كتائب الفاروق, فرقة المدينة المنورة, كتائب القدس, انصار الاسلام, الجماعة الاسلامية المسلحة للقاعدة فرع الفلوجة, طلائع جيش محمد الثاني الاسلامية, جيش الحق, جيش انصار السنة, السكرتاريا العامة لتحرير العراق الديمقراطي, الحزب الشيوعي العراقي الكادر, جيش التحرير العراقي, جيش التحرير الوطني العراقي, المعارضة الوطنية العراقية, الجهاد الاسلامي, كتائب الامام علي بن ابي طالب الجهادية, خلايا كتائب الجهاد, تحرير الجيش العراقي, كتائب خطاب الاستشهادية, المجاهدون, كتائب المجاهدين في الجماعة السلفية, جبهة كوماندوس العراق الوطنية, الجبهة الوطنية للفدائيين, منظمة كتائب الجهاد في العراق, المقاومة الشعبية لتحرير العراق, الرفاه, العودة, فدائيو صدام, الجماعة السلفية الجهادية, المجموعة الثورية لـ11 ايلول €سبتمبر€, حركة رأس الافعى, ابناء الاسلام, الجبهة الموحدة لتحرير العراق, الصحوة والحرب المقدسة, الرايات البيضاء... الى ما هنالك من تسميات.
وفي معلومات مراقبين محليين ان بعض هذه التنظيمات اختفت من ساحة المقاومة, وأن بعضها الآخر توحّد مع سواه تحت راية واحدة, وأسماء الفصائل العاملة بقوة في الفترة الاخيرة تنحصر في: مجلس شورى المجاهدين, جماعة انصار السنة, الجيش الاسلامي, جيش الراشدين, كتائب ثورة العشرين, جامع, عصائب العراق الجهادية, جيش المجاهدين, الحركة الاسلامية لمجاهدي العراق جيش الفاتحين, جيش محمد, كتائب ابي بكر السلفية, كتائب آل البيت السلفية, كتائب القصاص العادل, كتائب صلاح الدين الايوبي, جماعة مناصري اهل السنة, كتائب الامام الحسين تنظيم شيعي, عصائب العراق الجهادية, حركة المقاومة الاسلامية, عصائب اهل الحق, كتائب الحسين, وكتائب العسكريين.
ومجرد مراجعة هذه الاسماء يكشف عن تعدد ثقافات وتطلعات ومذاهب الحركات المقاومة, وانتساب اعداد منها الى جماعات «القاعدة» التي جاءت من خارج العراق للقتال ضد جيش الاحتلال.
اسعد العزوني
المصدر : الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد