الكونغرس يستعد للمصادقة على تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم
الجمل: عندما تقدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في حرب الخليج الأولى، امتلأت الصحف والمجلات الأمريكية والغربية بأخبار وتحليلات انتصار قوات (الحلفاء)، وفي لحظات الحرب الأولى، ظهر مقال بمجلة (النيوزويك) الأمريكية لم ينتبه إليه أحد، حمل عنوان: أجندة ما بعد الحرب (Post- Way Agenda).. كتبه هنري كيسخر، وكان المقال يتحدث بكل وضوح وصراحة عن تقسيم العراق إلى ثلاثة دول: سنية، شيعية، كردية.. وذلك كمقدمة وخطوة أولى لتقسيم المنطقة، وكان منطق كسينجر في هذا المقال يقوم على أطروحة أن الحروب لابدّ أن تعقبها نتائجاً جيوبوليتيكية جديدة على أرض الواقع، فقد تغيرت خارطة الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمة الأولى، وتغيرت خارطة أوروبا بعد حرب الخليج (الدولية) الأولى، وإذا لم يقم (الحلفاء) في هذه الحرب بقيادة أمريكا، بفرض هذا الأمر، فسوف لن يحصلوا على النتائج المطلوبة، ومن ثم سوف تضيع جهودهم أدراج الرياح.
بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، واكتمال عملية غزو واحتلال العراق، لجأت أمريكا وحلفاءها إلى استخدام ثنائية الخطاب المزدوج وذلك على النحو الآتي:
- على المستوى المعلن: ظل الخطاب الأمريكي والغربي المعلن يركز على تحرير العراق، وتحويله إلى دولة ديمقراطية، وصيانة وحماية حقوق الإنسان، والحفاظ على وحدة العراق، وإعادة إعماره.
- على المستوى غير المعلن: ظل الأداء السلوكي الميداني، لسلطات الاحتلال الأمريكية، يعمل على دفع وتحفيز عوامل الشقاق والفتنة داخل العراق من جهة، ومن الجهة الأخرى على عزل العراق عن بيئته العربية الإقليمية، ودفع الأمور باتجاه الفوضى (الخلاقة)، والتي تستديم بقاء الاحتلال، ريثما تتم عملية تفكيك الدولة العراقية، وتتحقق أولى نتائج حرب الخليج –التي أشار إليها كيسنجر من قبل- تمهيداً للانتقال من أجل الحصول على النتائج التالية.
كان الخطاب الأمريكي الرسمي المعلن يتبنى الأطروحة من جهة، والأداء السلوكي الميداني الأمريكي، يتبنى ويعتمد نقيض الأطروحة من الجهة الأخرى.. ويمكن توضيح ذلك أيضاً على النحو الآتي:
- طالب الامريكيون بضرورة إجازة الدستور العراقي، وانتخاب البرلمان الذي ينتخب الحكومة العراقية الجديدة، التي سوف تحفظ الأمن وتحقق السلام والاستقرار، والآن بعد أن تم كل ذلك تحت إشراف أمريكا، وتم تكوين حكومة نوري المالكي، قامت كوندوليزا رايس بجولة داخل العراق، التقت فيها بالقيادات (السنية) و(الشيعية) و(الكردية)، وأعلنت لهم بوضوح امتعاض الإدارة الأمريكية من إخفاق الحكومة والبرلمان (بعد أن كونتهما أمريكا)، في وقف دوامة العنف الطائفي وتحقيق المصالحة الوطنية، وعدم ارتياح الحكومة الأمريكية للخطوات البطيئة التي تقوم بها السلطة العراقية –المفترضة- لمعالجة التدهور.
- ظلت الإدارة الأمريكية تتحدث عن وحدة العراق، ولكنها كانت على الأرض تنفذ الإجراءات والترتيبات الآتية:
• تنظيم الإدارة الحكومية، وإدارات الحكم المحلي على النحو الذي يعزز سلطات وصلاحيات الإدارات الإقليمية على حساب السلطة الوطنية المركزية العراقية الواحدة، وذلك عن طريق إعطاء بعض الأقاليم صلاحيات واسعة بشكل جعل من بعض الأقاليم دولة داخل الدولة العراقية، واستناداً إلى الحماية التي توفرها سلطات الاحتلال للنزعات الانفصالية، قام حاكم إقليم كردستان بإنزال العلم العراقي، ورفع علم كردستان بدلاً عنه.
• تنظيم قوى الدفاع والأمن بشكل يضعف قدرتها في التصدي للقضايا الوطنية العراقية والقومية العربية، وذلك عن طريق إضعاف روح الانتماء الوطني والقومي في هذه القوى، وقد ركزت سلطات الاحتلال الأمريكي على استيعاب أعداد كبيرة من عناصر البشمركة الكردية في هذه القوات، وذلك بحيث يستحيل على القوات العراقية خوض أي معارك ضد إقليم كردستان إذا أعلن الانفصال.. وأيضاً توريط قوات الأمن بتكوينها هذا، في مواجهات ضد الفئات الاجتماعية العراقية الأخرى، على النحو الذي يجعل من قوات الأمن الوطني والجيش الجديد أداة أمريكية، تبطش بالعراقيين الرافضين للاحتلال.
أعطت كوندوليزا رايس حكومة نوري المالكي مهلة حتى نهاية هذا العام لوضع حد لحالة التدهور والانفلات الأمني –الذي تقف من ورائه وتحرض عليه القوات الأمريكية على مدى ثلاث سنوات- وشددت على نوري المالكي أن يتبع ثلاثة جوانب رئيسة هي: المصالحة، الأمن، والتنمية الاقتصادية في الفترة المقبلة (حتى نهاية العام)، وذلك من أجل أن يحافظ على وحدة العراق.. كذلك أدخلت كوندوليزا رايس عنصراً جديداً يؤدي للمزيد من إضعاف قوة وقدرة نوري المالكي، يتمثل في أن تقوم حكومته باقتسام عائدات الدخل الوطني مع الحكومة الإقليمية الكردستانية، وذلك بإعطائها حصة من عائدات النفط.
والآن، وبشكل متزامن مع جولة كوندوليزا رايس كانت الإدارة الأمريكية في واشنطن تقوم بالجانب الآخر والأكثر خطورة في (المهمة القذرة)، فقد حملت الأنباء أن الكونغرس الأمريكي –برغم عاصفة الفضائح الجنسية التي تواجه قادته وزعماءه- يستعد الآن للمصادقة على توصية الرئيس جورج دبليو بوش التي تطالب بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم تتمتع بقدر عال من الاستقلال الذاتي عن الحكومة الوطنية المركزية.
الدراسة التي اعتمدت عليها توصية الرئيس بوش للكونغرس، قام بإعدادها فريق: برئاسة جيمس بيكر (وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وتركز لجنة بيكر التي أعدت الدراسة على أن تقسيم العراق على أساس اعتبارات الفصل بين كتله الثلاث (السنة، الشيعة، والأكراد) هو المفتاح الرئيس لاستقرار العراق، ووقف هجمات المقاومة العراقية ضد قوات (التحالف).
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد