الفرقاء اللبنانيون يصلون إلى منتصف الطريق
حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم، كان فندق «الشيراتون» في العاصمة القطرية، يشهد سلسلة من المشاورات المكثفة بين الموالاة والمعارضة، وبإشراف مباشر من القطريين وجامعة الدول العربية وبـ«حراسة» من عيون أخرى عربية وأجنبية، سعياً الى مخرج يحفظ ماء وجه الجميع ولا سيما الجهة الداعية التي ظلّت حتى ليل أمس، متفائلة بأنها تستطيع، من خلال مظلة الحماية الدولية والاقليمية التي تظلل مؤتمر الحوار الوطني اللبناني، تحقيق خرق ما ولو أتى من خارج السياق الكلاسيكي لعناوين الخلاف والاتفاق بين اللبنانيين.
وفيما حاول البعض من فريق الموالاة، تضخيم البند المتعلق بالسلاح أو تقديمه أو ربطه بباقي العناوين، فإن مجريات مؤتمر الدوحة أظهرت أن الجانب القطري، جهّز صيغة حظيت بموافقة الطرفين، وتستند الى الترتيب الذي تضمنه «اتفاق الفينيسيا»، وينص على الانطلاق العملي للحوار حول تعزيز سلطة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية وتنظيم علاقتها مع مختلف التنظيمات المسلحة على الأراضي اللبنانية، بما يضمن أمن الدولة والمواطنين، وأن هذا الحوار سيستأنف في لبنان فور انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وبمشاركة جامعة الدول العربية.
غير أن التعقيدات كانت تأتي، وكما كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى، من خلال العنوانين الأساسيين، وهما قانون الانتخاب وحكومة الوحدة الوطنية، ولكن مع فارق نوعي، يتمثل باستعداد المعارضة للتساهل في موضوع الحكومة، الى ما هو أقل من الثلث الضامن أو اعتماد الأثلاث المتساوية، مقابل إقرار صيغة التقسيمات الانتخابية لبيروت كما طرحها العماد ميشال عون، بتأييد من جانب باقي قوى المعارضة ولا سيما حزب الطاشناق.
وحسب مصدر دبلوماسي عربي قريب من وفد الجامعة العربية، فإن الاقتراح الذي كان يجري تداوله من قبل القطريين والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم، يقوم على أساس التوافق على الحكومة ولكن يصار الى تأجيل موضوع القانون الانتخابي، وأنه فور انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة يوضع القانون الانتخابي على جدول أعمالها، ويتم تشكيل لجنة تعنى بالأمر، مع ترك الباب مفتوحا أمام أكثر من صيغة ولا سيما صيغة مشروع القانون الذي تقدمت به الهيئة الوطنية للقانون الانتخابي برئاسة فؤاد بطرس الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وعقد فجر اليوم، اجتماع في جناح الرئيس نبيه بري في «الشيراتون» ضمه ورئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وعمرو موسى وهشام يوسف وطلال الأمين ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب علي حسن خليل ومسؤول الصلات السياسية في «التيار الحر» جبران باسيل.
وخلال هذا الاجتماع، كانت قنوات الاتصال مفتوحة عبر الهاتف مع فريق الموالاة من أجل تثبيت صيغة توافقية للحكومة حيث لم تصل الاقتراحات العربية الى «الثلث الضامن» بل كانت تتوقف دائما عند الرقم عشرة للمعارضة، بينما كان الرئيس بري قد رسم معادلة نهائية مفادها الآتي: نقبل بتأجيل بت القانون الانتخابي على اساس صيغة حكومية تعطي الثلث الضامن للمعارضة (11 وزيرا) ومن دون أي التباس(أي لا يترك لها أن تختار وزيراً حادي عشر من ضمن حصة رئيس الجمهورية كما طرح البعض من فريق الموالاة)، وكذلك مع ضمانات تتعلق بعدم استقالة الحكومة رئيساً ووزراء، على أن ينعقد بعد انتخاب رئيس الجمهورية مؤتمر الحوار برعايته ويناقش قانون الانتخاب وقضايا أخرى.
أما المعادلة نفسها، فتقول بأننا مستعدون كمعارضة للقبول بحكومة على اساس المثالثة أو أية صيغة حكومية مرضية للجميع، لكن شرط البت أولاً بالقانون الانتخابي والأخذ بالملاحظات التي يطرحها عون في ما يخص تقسيمات بيروت الانتخابية.
وحسب أكثر من مشارك، فإن العد العكسي لانتهاء أعمال مؤتمر الدوحة بدأ وربما يكون اليوم هو اليوم الأخير، وأن التوجه القطري يقضي بالخروج بنصف نجاح في الحد الأدنى، علماً أن التصريحات الاعلامية ، ليل أمس، زادت منسوب التفاؤل، ولو أن البعض وضع السلبي والايجابي منها في خانة تحسين شروط التفاوض على الطاولة، وخاصة ما يتعلق بالقانون الانتخابي.
وفيما كان يتركز البحث نهاراً على السلة المتكاملة للحل، تراجع الأمر ليلاً نحو البحث عن مخارج حتى لا يقال إن المؤتمر قد فشل، ومن هنا انبرت صيغة الحكومة الانتقالية المحايدة التي طرحها العماد ميشال عون وتبناها لاحقاً الرئيس بري ووزير الأشغال محمد الصفدي وبعض أطراف الحوار مثل النائب ميشال المر، على أن يتم فصلها عن خطوة انتخاب رئيس الجمهورية، اي تكون وظيفتها الأساسية إعداد القانون الانتخابي وتنظيم عملية الانتخاب (نموذج حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005).
غير أن فريق الموالاة، كان قد وضع سقفاً للتفاوض لم يحد عنه أحد من أطرافها باستثناء النائب وليد جنبلاط والوزير الصفدي، حيث أصر النائب سعد الحريري على رفض مقايضة تقسيمات بيروت الانتخابية بأي أمر آخر، كما رفض إعطاء المعارضة صيغة الثلث الضامن، كما اعترض على صيغة الحكومة الانتقالية.
وحسب شريط الاتصالات، فإن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فاجأ المشاركين ظهراً بوصوله الى «الشيراتون»، في اطار ما اسماه الجانب القطري «محاولة إعطاء دفع للمشاورات التي كانت قد بلغت أفقاً مسدوداً». وفور وصوله اجتمع بالرئيس السنيورة بحضور رئيس الوزراء القطري ثم انضم اليهم النائب سعد الحريري (استغرق الاجتماع ثلاث ساعات)، وبعد ذلك توجه أمير قطر الى جناح كان ينتظره فيه الرئيس بري والعماد عون والنائب رعد بحضور بعض معاونيهم، ثم عاد الى جناح السنيورة واجتمع به ثم جمعه ببري وانضم اليهم عون ثم سعد الحريري في لقاء مصالحة هو الأول منذ التئام طاولة حوار الدوحة.
ولاحقاً انضم علي حسن خليل وغطاس خوري للمجتمعين ثم وزير الخارجية القطري وعمرو موسى والوزير العماني يوسف بن علوي ووزير خارجية الامارات الشيخ عبد الله بن زايد. وخلال هذا الاجتماع الموسع تقدم القطريون بطرح مدعوم من عمرو موسى، ينطلق من المبادرة العربية ويقضي بإعطاء المعارضة 10 وزراء والموالاة 13 وزيراً و7 لرئيس الجمهورية تختار المعارضة أحدهم، لكن المعارضة رفضت الصيغة وأصرت على تسمية 11 وزيراً خاصة ان التوجه كان يقضي بتأجيل البت بالقانون الانتخابي الى ما بعد تشكيل الحكومة التي تبادر فور تشكيلها الى إحالة قانون فؤاد بطرس الى مجلس النواب فيأخذ على عاتقه البت بالقانون من الآن وحتى ما قبل موعد انتخابات العام ,.2009 ووعد القطريون بتطوير اقتراحاتهم بعد التشاور مع الموالاة...
وفور انفضاض الاجتماع خرج عون وأدلى بحديث لقناة «او تي في» بدا فيه متحفظاً على أية صيغة للحل لا تؤدي الى تحسين شروط التمثيل المسيحي في العاصمة وقال إن عقلية الاستئثار والتسلط التي أنتجت الأحداث الأخيرة مستمرة وربما تؤدي في المستقبل الى أحداث مماثلة. ثم توجه الى كنيسة الدوحة للصلاة قبل أن يعود الى الفندق ويأوي الى فراشه باكراً.
وفي ختام الاجتماع مع امير قطر، قال الحريري لوكالة فرانس برس «الامور جيدة والدخان ابيض»، فيما قال النائب علي حسن خليل إن «الامور إيجابية وهناك تقدم وقد باتت الكرة في ملعب الموالاة». وقال نائب موال لفرانس برس «لقد قدمت قطر اقتراحاتها بالنسبة الى نقاط البحث ووافقت الأكثرية عليها والكرة الآن في ملعب المعارضة التي لم تعط جواباً بعد».
وبعد انتهاء الاجتماع الموسع للموالاة والمعارضة مع أمير قطر، اجتمع الرئيس بري برئيس كتلة الوفاء للمقاومة بحضور جبران باسيل وعلي حسن خليل وبعض المسؤولين القطريين والعرب، حيث طرحت معادلة «اما قانون انتخابي عادل ومتوازن أو الحصول على ثلث ضامن في الحكومة الجديدة مع تأجيل البت بالقانون».
وفي الوقت نفسه، كان النائب سعد الحريري يعقد اجتماعا في جناحه شارك فيه السنيورة وجميع قادة الموالاة وحيث تم وضع الحاضرين في أجواء الاجتماع الموسع الذي رعاه أمير قطر، كما تقرر خلاله أن يتولى الحريري بدلاً من مسيحيي 14 آذار التصدي لموضوع التقسيمات الانتخابية في بيروت «حتى لا تظهر صورتنا أمام جمهورنا في موقع المعترض على تحسين التمثيل المسيحي في العاصمة»!
وبدا واضحاً من خلال مجريات ساعات التفاوض الأخيرة، أن الطرفين باتا منشدّين الى الانتخابات النيابية المقبلة، أكثر من موضوع حكومة السنة الواحدة (تصريف الأعمال)، ذلك أن القانون الجديد سيحدد معالم السلطة الجديدة والتوازنات التي ستنشأ في ضوئها، والدليل أن كل طرف كان يحاول قضم مقعد من هنا أو هناك وخاصة أن فريق الموالاة، قدم للأمر بداية من عند تجزئة الأقضية المشتركة، في محاولة واضحة للحد من الخسائر المحتملة، وأولها فصل حاصبيا ومرجعيون، لضمان مقعدين سني ودرزي في حاصبيا (الجنوب)، وانسحب الأمر نفسه على اقتراحات الموالاة، في ما يخص جعل دائرة بعلبك الهرمل دائرتين وجعل البقاع الغربي وراشيا دائرتين أيضاً.
وفي موضوع بيروت، كان البحث ينطلق من تسليم الجميع باعتماد الأشرفية دائرة أولى (4 مقاعد مسيحية)، وكذلك تثبيت الدائرة الثالثة التي تضم المزرعة والمصيطبة ورأس بيروت وفيها أربعة مقاعد للمسلمين السنة وواحد للأرثوذكس وواحد للدروز وواحد للأقليات.
غير أن عقدة العقد تمثلت في الخلاف الكبير والمستحكم حول ترسيم حدود «الدائرة الثانية» في بيروت، اذ تمسكت المعارضة بالصيغة التي طرحها الوزير الأسبق سليمان فرنجية، عام 2005 ووافق عليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل ايام من استشهاده وتضم زقاق البلاط والباشورة والصيفي والرميل والمدور، وتضم نائبين سنة ونائبين شيعة وثلاثة أرمن وواحداً مسيحياً. وهي صيغة مختلطة لا تكون فيها الأرجحية لطائفة بل تؤدي «الى ترييح» المسيحيين عموما وخاصة الأرمن.
كما أعلنت المعارضة أنها تقبل بتقسيمات قانون الستين ( بيروت الاولى: المزرعة، راس بيروت، المصيطبة، دار المريسة، ميناء الحصن، المرفأ. بيروت الثانية: الاشرفية، الرميل، بيروت الثالثة: الباشورة، زقاق البلاط، المدور، الصيفي) ولكن الموالاة أصرت على تعديلها.
ومن المتوقع أن تكون الساعات المقبلة حاسمة بالنسبة لمسار مؤتمر الدوحة، علما أن القطريين ظلوا على تواصل مع الايرانيين والسعوديين في اليومين الماضيين، فيما قررت مصر إيفاد أحد معاوني وزير الخارجية (السفير نزيه نجاري) الى الدوحة لمتابعة أعمال المؤتمر. كما كان الأميركيون يتابعون أعمال المؤتمر عبر سفيرهم في الدوحة، وكذلك حال معظم دول الاتحاد الأوروبي.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد