العيد في سوريا.. «سوشال ميديا» و«واتس آب»
في مقهى صغير مزدحم في مدينة اللاذقية الساحلية الهادئة، البعيدة نسبيا عن الحرب، يجلس أحمد الى طاولة منفردة، يخرج هاتفه النقال ويبدأ محاولات الاتصال. يقول أحمد «أحاول الاتصال بأهلي في ريف حلب، ولكن يبدو أنهم يعانون من مشكلة في الاتصال»، مشيراً إلى أن وسيلة الاتصال الوحيدة بتلك المنطقة هي برامج الاتصال عبر الانترنت مثل «واتس أب» و «فايبر» وفي أحسن الأحوال «سكاي بي». يضيف أحمد، الذي قصد المدينة للدراسة ومنعته ظروف الحرب من زيارة أهله، بعدما فقد الأمل بالاتصال بأهله «كنت أود أن أعايدهم، لم أرهم منذ ثلاث سنوات».
الى طاولة مجاورة تجلس مجموعة من الشبان والفتيات، يتشاركون طاولة واحدة، ولكن عيون كل شخص فيهم شاخصة في جواله. يضحك أحدهم «أخي في ألمانيا يرسل لكم تهانيه بمناسبة العيد».
قد تلخص أحوال هؤلاء الشبان شكل الحياة في العيد، بعد مرور خمس سنوات على حرب فتتت العائلة السورية وشرذمتها، ليتجاوز عدد السوريين اللاجئين في دول الجوار الأربعة ملايين لاجئ، وأكثر من ثمانية ملايين سوري نازح ومهجر داخل البلاد، إضافة إلى عشرات آلاف القتلى والجرحى، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
وفي وقت كانت فيه الأعياد السورية تضج بالحياة، وتصخب بالزيارات والسهرات قبل الحرب، يظهر الواقع المرير الذي أغرق البلاد في الدماء والسواد، أنها فقدت القدرة على الاحتفال بالعيد، برغم المحاولات البسيطة والفردية للاستمرار بالحياة. ومع دخول عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوافر تطبيقات وبرامج الاتصال، وأمام تشتت أفراد العائلة السورية، غدت هذه المواقع والتطبيقات الوسيلة الوحيدة لتبادل التهاني بالعيد.
وحتى في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الدولة، لم تسلم العائلات السورية فيها من «ألم الحرب»، كما لم تتمكن من الحفاظ على العادات والتقاليد برغم بعدها عن مناطق الاشتباكات، فتسللت التكنولوجيا إلى تلك المناطق تدريجيا، وغدت المقصد الأول للمواطنين، ومنابر تبادل التهاني أيضاً.
أم سامر، سيدة في عقدها الخامس، تعلمت استعمال برنامج «واتس أب» للتواصل مع ابنها العسكري الذي يخدم في درعا. تقول أم سامر «أطمئن عليه يومياً»، وتتابع «قام ابني بجمعنا في مجموعة عائلية خاصة، أسهر فيها يوميا بصحبة أبنائي». وتضيف «لم يعد للعيد أي ألق، كما لم يزرني أحد في العيد، حتى ابني الذي يعيش بالقرب مني كانت زيارته عادية جدا، شربنا القهوة، وجلسنا نحدث بقية أفراد العائلة على مجموعتنا على واتس أب».
بدورها، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتهاني والتبريكات بالعيد، وبصور حلويات العيد التي كانت العائلات السورية تصنعها بنفسها قبل اندلاع الحرب، كما ضجت بالذكريات، فيما أطلق ناشطون معارضون حملة لنشر صور الدمار في سوريا متهمين الحكومة بالتسبب بها، رد عليها ناشطون موالون بحملة أخرى تظهر المجازر التي ارتكبها المسلحون، ليتحول العيد، كما كل مناسبة، إلى ساحة حرب.
وبالرغم من سوداوية المشهد السوري، إلا أن الأطفال وحدهم خرجوا من حصار الحرب في يوم العيد الأول، فامتلأت صالات الألعاب والحدائق بالأطفال، كما نشطت محال بيع الألعاب لبضع ساعات، في وقت تابع فيه الكبار عزلتهم بين أتون حرب طاحنة، وفسحة في شاشة صغيرة تشخص فيها العيون لساعات بحثا عن قريب أو صديق أو ذكرى، أو حتى نكتة سمجة قد ترسم ابتسامة لبضع ثوان فقط.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد